[email protected] الذكرى السادسة لرحيل المفكر البطل جون جون قرنق دي مابيور مهندس رؤية السودان الجديد بقلم: عربي يعقوب محمد تاتي الذكرى السادسة لرحيل الدكتور جون قرنق دي مابيور هذه المرة مع انتهاء الفترة الانتقالية وفق اتفاق السلام الشامل الذي انهى ما يسمى بمشكلة الجنوب واعلان استقلال جنوب السودان كدولة مستقلة كاملة السيادة . حيث اقيم المحفل التاريخي بهذا النصر الكبير لشعب جنوب السودان بجوار مقبرة الشهيد البطل جون قرنق ليشهد السودان مرحلة تاريخية جديدة وحاسمة في تكوينه. وباستقلال شعب الجنوب السوداني الذي يعد اعلان فعلي لانتهاء السودان القديم الذي كبد شعب السودان جميعا خسائر فادحة وصلت الى درجة التطهير العرقي والابادة الجماعية منذ ستينات القرن الماضي خلال سنوات الحرب الاهلية العبثية الطويلة الامد والتي فرضتها عبثا نخب الشمال الحاكمة في الخرطوم منذ الاستقلال لقمع شعوب السودان لسلبهم ارادتهم الحرة وحرمانهم من حقوقهم الوطنية السياسية المشروعة في وطنهم. وعندما نقول شعب السودان جميعا فاننا نعني ذلك بالفعل بحيث لم ينل احدا من شعب السودان حق المواطنة في ارض المليون ميل مربع حتى الساعة. كما ان الحروب العبثية التي فرضتها انظمة الحكم المتعاقبة في الخرطوم منذ العام (1955) وان كان الموقع الجغرافي لخوضها في اقليمجنوب السودان وشعبه الابي الصامد المقاوم للهيمنة والاستغلال وفرض الاوهام على جميع اهل السودان الا ان ضحايا تلك الحروب كان ومازال من جميع ابناء السودان. والاسئلة البديهية هنا هو: ما هي اسباب ودوافع حروب الدولة على مواطنيها في السودان؟ ما هو المبرر المنطقي لحكام الخرطوم من نخب الشمال تاريخيا في اعلان حروب الدولة ضد مواطنيهم في الاقاليم البعيدة عن مركز حكمهم في الخرطوم؟ لماذا لم يتصوروا مشروعا حقيقيا لبناء السلام كخيار انساني اولا بين الدولة كموسسة سياسية قانونية وجميع مواطنيها على قدم المساواة؟ لماذا لم يستقيل حاكم او مسئول سوداني من منصبه من اجل السلام؟ لماذا لم نجد مشروعا حقيقيا واقعيا لبناء السلام في طيات خطب حكام السودان تاريخيا واطروحات احزابهم السياسية تاريخيا منذ الاستقلال؟ لماذا لم ينل احدا من شعوب السودان في اي من اقاليم السودان حق المواطنة في وطنه السودان ولا حتى في اقليمه كجزء مكون للسودان كوطن للجميع؟ الاجابة البديهية لهذا الفشل التاريخي كما عرفها المفكر قرنق يكمن في تعريف السودان دولة عربية اسلامية مما يعني طمس كامل لمعنى الدولة كمفهوم فكري فسلفي بشري لبناء مؤسسة سياسية دنيوية ينتمي اليها جميع شعوب الرقعة الجغرافية المعنية وانشاء نظام حكم يمثل بالفعل وليس بالتمني, ارادة جميع الفئات او المجموعات المكونة لسكان الرقعة الجغرافية المعنية لخدمة مصالحهم الدنيوية بتحقيق حقوق المواطنة وليس مجرد الوجود في رقعة جغرافية بعينها ومن ثم التبعية لسلطة حاكمة ابدا. ومفهوم الدولة العربية الاسلامية لا تقوم الا على اساس العرق العربي والاسلام كدين ومعطى رباني والاثنان لا صلة لهما البتة بمفهوم الدولة الحديثة كمؤسسة دنيوية حديثة من بنات افكار البشر في الارض لخدمة مصالح الانسان كانسان في المجتمع دون ادنى تمييز لاي سبب كان؟ ولذا فان مفهوم الدولة العربية الاسلامية لا اساس لها في تاسيس موسسة دولة حقيقية حديثة تتضمن الحقوق والواجبات حتى للعرب والمسلمين انفسهم, ببساطة لان الحقوق الوطنية السياسية في الدولة لا تستند على اساس العرق ولا تنبع من الدين اي دين وانما من الفكر البشري الخالص لمجرد وجود الانسان كانسان وخلاصة تجاربه في المجتمع لمجابهة معاناته اليومية. فالدولة العربية الاسلامية في الواقع لا تعبر مطلقا عن واقع السودان وفي تناقض تصادمي واضح مع واقع السودان المتعدد او المتنوع ومع مفهوم الدولة نفسها كما اوضحنا. ومطلقا لايمكن فرضها حتى كفكرة عاطفية لمجموعة معينة الا بالقوة كما قال الشهيد المفكر قرنق دي مابيور ولهذا ظل النخب الحاكمة في الخرطوم بمدنييهم وعسكريينهم منذ الاستقلال حتى الان عبارة عن لوردات حرب اكثر من اي شئ اخر. ولذا كان البديهي ان يكون ارتكاب جرائم الابادة الجماعية ضد شعوب السودان هو خاتمة المطاف لهذا التوجه النازي بفرض العرق وفق نزعة قومية والدين كايديولوجيا واهمة عناصر اساسية لاقامة الدولة بدلا عن مفهوم الشعب الذي له معنى محدد شامل لجميع سكان الرقعة الجغرافية المعنية لتضمين حقوقهم المتساوية بدءا بحفظ حياتهم وتامينها دون ادنى تمييز لاي سبب. فقط لمجرد انهم بشر في الارض احرارا لهم حقوقهم مشروعة بدءا برايهم الحر حول مصيرهم في اطار مؤسسة الدولة التي تقام من اجلهم بالفعل وفق عقد اجتماعي تعبر عنهم وتخدم مصالحهم الحياتية البحتة.ولعلنا بهذه المناسبة في ذكرى فقدنا الجلل للشهيد المفكر د جون قرنق دي مابيور لانريد الاسهاب كثيرا ولكننا نحاول التعبير عن ارثه العظيم الذي يكمن في نضاله التاريخي المستميت من اجل تحقيق الدولة السوداناوية لجميع السودانيون يتضمن حقوقهم الوطنية السياسية المتساوية وفق مشروع السودان الجديد بتاسيس مؤسسة دولة حقيقية تعبر عن جميع مواطنيه ويسعهم بعدالة ومساواة والذي قام هو بوضعه وكان اهلا لتحقيقه في الواقع. وبداية نهئي انفسنا وشعب جنوب السودان على الاستقلال من القهر التاريخي والتبعية والاذلال وان معاناتهم التاريخي قد انتهى الى الابد ولن يستطيع كائنا من كان من حكام الخرطوم اعلان الحرب في الجنوب بعد الان. فلم ولن يكون هناك توريت اخرى او مجازر جوبا او سيف العبور او الخور اربعين الى الابد سوف لم يجرؤ احد من حكام الخرطوم على ان يجعل ارض الجنوب الحر ساحة للمعركة وخوض الجهاد من اجل حور العين في الجنة؟ فقد انتهى الى الابد ما يسمى بمشكلة الجنوب حيث انتهى معه السودان القديم الاسن الملوث بدماء ابناء السودان وهنا اذكر عبارة بسيطة ومعبرة للراحل قرنق حيث قال: همن مدة دا كلو من سنة ستة وخمسين قاعدين يقولوا وحل مشكلة الجنوب؟ فما هو مشكلة الجنوب؟ فهل الجنوب مشكلة على نفسه مثلا؟ ام مشكلة لمن بالضبط؟ و التحية والتجلة لارواح شهدانئا في ارض الجنوب بما فيهم من الاقاليم الاخرى من الذين دفعت بهم حكام الخرطوم الى الغزو في ارض الجنوب الصامدة تاريخيا لانهم لا يعلمون عن حقيقة امرهم وانهم ابناء لهذا السودان ايضا ولم يكن لهم اي حقوق بالمرة حتى في الحروب التي خاضوها ضد اهلهم وشعبهم في ارضهم في الجنوب.والتهنئة من القلب لشعب الجنوب بهذا الانجاز الذي هو بحجم التضحيات الجسام لنضالهم التاريخي من اجل حقهم في الحياة بكرامة في اطار السودان الموحد منذ موتمر جوبا في العام (1947) وكان من البديهي ان يصلوا لشئ ما. وما توصل اليه المناضل قرنق في نيفاشا (2005) بخصوص ما يسمى بقضية الجنوب مع حكام الخرطوم وفق نظام الجبهة القائم الان هو: اما تحقيق السودان الجديد الذي يسع الجميع بعدالة ومساواة في اطار مؤسسة دولة حقيقية علمانية لانشاء نظام حكم عادل بين الجميع دون ادنى تمييز عرقي ديني ثقافي جهوي وهو السودان الجديد او الاستقلال التام للجنوب السوداني ولا خيار اخر بالطبع نسبة لحجم المعاناة الكبيرة والتضحية الجسيمة لشعب جنوب السودان خاصة وشعوب السودان عامة. وكان هو الاستقلال التام من اجل بقائهم في الحياة بحرية وكرامة فالتهنئة لهم مجددا ومكررا. والى الذين يعتقدون بل يقولون باطلا بان استقلال الجنوب هو بمثابة النهاية لمشروع السودان الجديد الذي طرحه المفكر الشهيد جون قرنق دي مابيور نقول لهم انكم واهمون لان مشروع السودان الجديد لم يطبق في الواقع بعد اذن لا مجال لحكمه بالفشل اساسا بل نقول لهم بالفم المليان بان مشروع السودان الجديد الذي طرحه الشهيد قرنق مازال هو المخرج الوحيد الممكن لحل ازمة السودان في الشمال السياسي حتى اللحظة ولا نحتاج هنا الى مقارنة مع باقي المشاريع الاخرى خاصة الاطروحات التاريخية لاحزاب السودان القديم المنهار الان الا بسبب هذه الاطروحات الاحادية الاقصائية ذو النزعة العرقية الدينية النابعة من المفهوم الوهمي الاساسي وهو اقامة الدولة العربية الاسلامية في بلاد السودان والتي افضى بهم الى خروج الجبهة الاسلامية من بين ركام طرحهم الواهي الاقصائي لاقصائهم هم ايضا الان.واستقلال الجنوب السوداني جاء كنتيجة حتمية لهذا الفشل التاريخي لهذه الاطروحات والمشاريع التي لم تحقق شروى نقير لشعب السودان عموما كما ذكرنا الا لرفض نخب الشمال الحاكمة تاريخيا اقامة وتحقيق الدولة السوداناوية لجميع السودانيون بدلا عن وهم الدولة العربية الاسلامية التي اختزلت جميع شعوب السودان في ان يكونوا مجرد اتباع لنخب اقلية حاكمة في الخرطوم وفق شعارات عاطفية واهمة وزائفة. فلايعقل ان يتبع الجنوب بالحرب لاحد مهما زعم بل ان خطى الاستقلال سيستمر اذا تبقى شئ من السودان القديم. ويكمن عبقرية الشهيد قرنق في قرائته الجادة لواقع السودان ومن ثم طرح مشروع السودان الجديد الذي اختصره في المصطلحات الخمسة الاساسية التالية لاقامة وتحقيق الدولة السوداناوية لجميع السودانيون وهي : بتحقيق الدولة العلمانية الديمقراطية المتعددة الموحدة فيدراليا؟ فهذا جوهر مشروع السودان الجديد الذي مازال ويظل صالحا لتحقيقه في باقي السودان والامثل لاقامة اية دولة حديثة حقيقية عادلة في اية بقعة في الارض في عالم اليوم. بل النموزج الامثل له في الواقع الان هو دولة الولاياتالمتحدةالامريكية ولا يتناقض مطلقا مع واقع السودان الشاسع من حيث المساحة الجغرافية والتعددية الدينية والثقافية او العرقية الماثلة في السودان بل يعد التعبير الفكري الامثل لواقع السودان حتى الان. اذن الذين ظلوا يرجون بانتهاء او فشل مشروع السودان الجديد هم بهذا يرتكبون تاريخيا اكثر جسامة وفداحة من اخطاء نخب السودان القديم اولا هم يروجون لاستمرار السودان القديم الذي افضى بنا الى ما نحن فيه الان من ازمات هالكة حتما ستؤدي الى مزيد من الانهيار والتفتت لان لا احد ينتمى الى دولة لا تعبر عنه وتقهره وتمارس الابادة ضده. ويضللون شعب السودان ويقودونه الى مصير مهلك لا محال ويظلمون انفسهم بكشف جهلهم عن حقيقة هذه المصطلحات الخمسة وعلاقتها بمؤسسة الدولة الحديثة في عالم اليوم. هذه الاسماء الخمسة او المصطلحات السياسية الخمسة هي الحد الادني او الاساس المبدئي لاقامة اي دولة حقيقية حديثة عادلة في اية بقعة من الارض اليوم. وفي السودان على وجه الخصوص فهذا هو الانسب والامثل لبناء دولة حديثة حتى فيما تبقي من سودان وإلا على الدنيا السلام؟ هذا من الاخر كدا وليس الامر هنا مسالة حتميات وانما هو الممكن لانشاء دولة حديثة صالحة للحياة البشري اليوم, ولحل قضايا شعبنا كما نشهده الان في الواقع الماثل امامنا. وضمان بناء مستقبل امن لهم ولابنائهم في اطار مجتمع دولة بالفعل. كما يظل حتى اللحظة وبعد تحقيقه في الواقع في باقي السودان فانه ايضا يظل المدخل الوحيد لاعادة اي شكل من اشكال الوحدة مع الجنوب اذا هناك فعلا امل في الوحدة وجدية في تحقيقها حتى للاجيال القادمة فالمفردات او المصطلحات السياسية الخمسة هي مدرسة كادر سياسي لاي فرد من افراد شعب السودان عامة لفهم معاني هذه المصطلحات الفلسفية السياسية النابعة من العقل البشري والتسلح بهم للنظر الى المستقبل وكيفية انشاء وتاسيس الدول الصالحة للبقاء والاستمرار بالتفكير والعمل الجاد لتحقيقهم في الواقع فهذا لوحده ادب سياسي موضوعي واقعي هادف لبناء دولة المستقبل للجميع وحجج موضوعية وواقعية لا محال. فهذا مرجعنا الاول لادب سياسي جديد بعيدا عن الاوهام خاصة المتاجرة بالدين لان ببساطة لا مرجع او سند لاي منهم من الدين اي دين؟ او عرق بعينه وهذه العناصر الخمسة مترابطة ببعضها البعض لايمكن الاستغناء عن احد منهم, خاصة في واقعنا السوداني الماثل الان فمفهوم الدولة في عالمنا مفهوم غير واضح بالمرة واغلب فهمنا لها هي انها كائن قد اوجدها الله لوجود الناس سلفا في الارض. وبالتالي كان من البديهي تلصيق ايات من القران الكريم فيها بانه تعالى يؤتي الملك من يشاء بما في ذلك الانقلاب العسكري في جنح الظلام؟ او ان لا يحكم المسلمين الا مسلم وبين المسلمين ايضا من الطريقة الفلانية سنة مثلا دون الشيعة او العكس وهكذا اوهام تم فرضها على الشعوب بلا اساس ولا صلة لها بمؤسسة الدولة الماثلة اليوم وحتى في الغرب المسيحي اذا وجد فيعد اكبر تناقض مع مؤسسة الدولة الماثلة اليوم ومع مبادئ مواثيق حقوق الانسان العالمية وحتما في طريقه الى الاندثار لا محال. وحتى المفهوم الكلاسيكي لعناصر الدولة: الارض الشعب والحكومة كعناصر اساسية لا غبار عليه ولكن ياتي التلبيس في كيفية الجمع او الربط بين هذه العناصر؟ ثم ياتي الدس والخم في مسألة التجانس العرقي الثقافي والديني كشرط لازم وضروري لاقامة الدولة وهذا هراء وفق مؤسسة الدولة القائمة بين ايدينا اليوم السيادة لمن السيادة؟ وكيف يتم تحديدها وممارستها في الواقع؟ فمن الذي يمارسها وعبر اية الية؟ والسيادة ضمن الحقوق الاخرى التي ظلت مغيبة عن واقعنا السياسي بينما هناك واجبات فقط وملزمة قهرا في اغلب الاحيان. كل هذه قضايا اساسية وهامة ولابد من الفصل بوضوح في اطار الدولة التي هي نتاج لوعي الشعوب بحقوقها الدنيوية المتساوية في المقام الاول وخبرته وتجاربه في المجتمع في الارض هنا في الحياة الدنيا. والواقع الماساوي الان يحتم على شعب السودان الوعي النابع من الادراك التام لمعاني هذه المصطلحات الخمسة لدحض الاراجيف والتضليل التاريخي المنظم والمقصود على مدى تاريخ السودان الحديث. الدولة لا يمكن ان يكون مؤسسة حقيقية لجميع مواطنيها إلا وهي علمانية كشرط اساسي لازم لتحقيق المواطنة كشرط ضروري ولازم لمواطن اية دولة اليوم. والتي مطلقا لا تتم الا بفصل الدين اي دين عن مؤسسات الدولة الدنيوية لضمان وتامين حيادية الدولة الدنيوية الحديثة كمؤسسة سياسية اجتماعية اقتصادية ومؤسساتها لتكون محايدة وعادلة بين جميع مواطنيها دون ادني تمييز لاي سبب. ولكي يتم الاعتراف الفعلي والاقرار العملي بالتعدد والتنوع العرقي/ الديني/ الثقافي والسياسي والقبول بالاخر على قدم المساواة في الواقع العملي ببذر ثقافة التسامح لقبول حق الاختلاف سلما. ثم اقامة نظام حكم كامل الحياد ليكون عادلا بين الجميع وتوزيع منصف للحقوق فيما بينهم. ومطلقا لا يتحقق هذا الا من خلال العلمانية فقط التي يمكن فتح المجال واسعا لحرية المعتقد وحق الدعوة سلما والتعايش السلمي بين الاديان وتحيد الدين المحيد اساسا منذ يومه الاول عن الشان السياسي (انتم ادرى بشئون دنياكم ) ليكون بعيدا من الاستغلال السئ البشع الذي نشهده الان. فالدولة الحديثة هي اساسا مؤسسة علمانية لا دين فيها منذ نشاتها من رحم دولة الطبيعة (State of nature) التي على انقاضها تاسست الدولة الحديثة وفق الفكر البشري الخالص منذ يومها الاول انتهاءا بفلاسفة العقد الاجتماعي والى اليوم فالدولة الحديثة القائمة الان ليس من الدين في شئ اي دين لا المسيحية ولا اليهودية وحتى اسهامات هذين الديانتين الاخيرتين تاتي في اطار الفكر البشري العادي لا وحي فيه ولا يوجد بالديانتين اساسا نصوص منسوبة الى الوحي وانما قصص الاولين ومناماتهم في القرون الغابرة رواها المعاصرون وطورها الاخرون بافكارهم هم كبشر عاديين في شكل ترانيم وتراتيل دينية للتعبد. ومنهم من دخل بافكاره هو وفهمه هو لهذه التراتيل الى معترك السياسة في محاولة للاستيلاء على السلطة الزمانية المكانية ومؤسساتها الدنيوية القائمة اساسا وفق فكر بشري خالص واحتلالهم عنوة باسم السلطة الروحية واسم الاله زورا وبهتان عظيم. فانتهى بهم الى هزيمة نكراء ووصمة عار تلحقهم ولعنة التاريخ والاجيال تطاردهم حتى اللحظة, بانهم كذبوا على الله وعلى الدين واراقوا دماء الشعوب من اجل الاستمتاع في الحياة الفانية حتى وصل بهم الانانية وسؤء الضمير الى اختراع صكوك الغفران هنا في الارض من بشر عادي كهنوتي. اما الذين نهضوا بافكار في مجالات الاصلاح تحت عباءة الدين امثال مارتن لوثر, اوجست كونت, توماس الاكويني فهؤلاء قدموا افكارهم هم السياسية وليست نصوص او فتاوي دينية. وفي الواقع فان الاستقبال الملاييني للشهيد قرنق الا لانه داعية الدولة العلمانية الاول ايضا بالاضافة الى انه داعية الحقوق السياسية والمدنية الاول في السودان ما بعد الاستقلال؟ والاهم من كل هذا فنحن الان امام تجربة مريرة اذاقت شعبنا ويلات قاسية جدا لم تمر بها من قبل على الاطلاق ولا مثيل لها في الاقليم بالمرة. وخلاصة هذه التجربة في ذاكرة شعب السودان ستظل باقيا وسوف تحتاج لتحول جذري فاعل في الواقع الان. فالحوجة الى الاصلاح الشامل في كل مناحي الحياة بما في ذلك تعزيز روح الدين السمح الخالص لله بعيدا عن المتاجرة والدعاوي الدنيوية الرخيصة (ان اجري على الله لا اريد منكم جزاءا ولا شكورا) فكل هذا بات لزاما ومطلبا لاي فرد سوداني اليوم. فالحوجة الضرورية والماسة للفصل في هذه الامور بالقطع لا يتاتي الا بانشاء مؤسسات حكم مستقلة ومحايدة لاقامة الحكم الرشيد ومن البديهي ان اية حكومة لها دين رسمي او تبرر وجودها او عملها باسم الدين فانها حتما يمكن أن تفعل أي شيء اخر باسم الدين ايضا؟ كما ان اي حكومة تقوم علي اساس دين بعينه او مصدر دستورها من الدين بعينه فانها تلقائيا تجعل مواطنينها من اصحاب الديانات والمعتقدات الاخرى مواطنين من الدرجة الثانية. بل هذا قد ينطبق حتى على الذين يختلفون معها في فهمها الديني بين اصحاب الدين الواحد وفق الطريقة التي تعتمدها الدولة او الحكومة (سنة شيعة حنابلة مالكية شافعية او تجانية وهابية اخوان كيزان انصار مرغنية.....الخ مع القابلية الحتمية للزيادة طبعا) واية دولة او حكومة قامت بفرض الدين او الاخلاق فان هذا بالقطع مدعاة لنشر المظاهر الشكلية وتعزيز روح النفاق والرياء في المجتمع ليس الا. فهذه باختصار هي النتائج الحتمية لزج او خلط الدين بالسياسة التي هي شان دنيوي خالص يقوم على الفكر البشري. هذا بالاضافة الى قضايا الحريات المدنية والمواثيق الدولية كحقوق الانسان وقضايا المراة وقضايا التعدد وحقوق المواطنة كما ذكرنا سلفا. وبقدر حوجتنا في الاصلاح كما ذكرنا فان على رجال الدين الحقيقيون ايضا اصبح امامهم تحديات جسام بفعل ممارسات النظام القائم بالاضافة الى تحديات العصر فامامهم تحدي جسيم واسئلة منطقية كبيرة امام الاجيال الان فيما يتعلق بالدين نفسه وما لحق به من اذى جسيم وعلي سبيل المثال لا الحصر: علاقة الدين بالانقلاب العسكري؟ وهل يترك الفاعلون هكذا في حالة عدم الجواز شرعا وهو البديهي طبعا؟ وما هو المخرج وفق النص الديني؟ (يعني ما فتوى ساكد) وهل للمؤمن المتدين يمكن أن يكون الدين أكثر أهمية من أي شيء بما في ذلك حقه في الحياة الحرة الكريمة؟ يعني بالضرورة يموت انفجارا ولا يتمتع بحقه في البقاء الى اجله المحتوم؟ وعلاقة الدين بالحريات المدنية وتطور الحياة؟ وهل دولة المدينة المزعومة هي دولة بالفعل كما هو ماثل الان وكيف تم تطور صيرورته؟ ومن الذي يقوم مقام الرسول الكريم بعد انقطاع الوحي؟ وماهي الايات التي تخاطب مباشرة قضايا الساعة اليوم وفق العقل البشري الان وقضايا الدولة كموسسة سياسية اجتماعية اقتصادية وعلاقاتها بالدول الاخرى؟ حدودها الجغرافية من حيث نصوص الدين وهل هناك حدود بين دولة مسلمة واخرى مسلمة ايضا؟وما هو الحكم الشرعي لهذه الحدود وعلى اية اساس تقام الحدود بين المسلمين؟ قضايا العلم بما في ذلك علوم الفضاء؟ وهناك بلايين الاسئلة فاذا هم عاجزون عن حل قضايا المراة وحتى ممتلكاتهم الشخصية فما بالك بقضايا الساعة اليوم هنا في ظهر الارض؟ عليه يجب افساح المجال حرا لهم لتعزيز الدين في نفوس الناس اولا ومواجهة النفور الاجتماعي الواسع الان من قيود الاديان لتطور العصر وبسبب النظام الاسلاموي القائم هذا اولا! وهذا حقهم المكفول في اطار الدولة العلمانية بالطبع. الدولة اليوم هي مؤسسة ديمقراطية او تعتمد اعتمادا كاملا وارتباطا جسمانيا مع الديمقراطية الليبرالية التعددية نهجا للحكم وتسيير شئون الحياة. فلا يمكن ان تكتمل الدولة مفهوما ومؤسسة في الواقع اليوم إلا وهي ديمقراطية بالفعل. واي كلام تاني بالتجربة كدا هي مجرد احتلال لمؤسسات الدولة لصالح مجموعة صغيرة متمكنة على حساب الاخرين من الاغلبية غير متمكنة ولا حيلة ولا قوة لها بالطبع؟ حيث بات واضحا عمليا ان اي نظام دولة غير ديمقراطية فبداهة يتم اخترال كامل للشعب وهو العنصر الاهم والاسمى الذي من اجله تقوم او تؤسس الدول اساسا فيتم اختراله في مجموعة السلطة او الحكومة وعلى وجه التحديد الجماعة الحاكمة ومن والاهم فهم الشعب و السلطة واتخاذ القرار والسيادة والاعتراف الدولي والخدمات والرفاهية وباقي الشعب ان لم يكونوا تحت الاضطهاد والقمع الحتمي فهم يبقوا فراجة في امرهم ليس الا؟ هذا بالاضافة الى ان الرقعة الجغرافية نفسها محمية فقط بفعل الالتزام الدولي بمواثيق الاممالمتحدة حيث حق الدول او الحكومات في السيادة على حدودها المعترف بها دوليا منذ الاستقلال وحيث الانضمام الى هيئة الاممالمتحدة. يعني الحيكومات غير الديمقراطية غير معنية حتى بالحفاظ على الرقعة الجغرافية العنصر الثاني في الدولة! ومن الواضح ايضا ان الديمقراطية والدين يتعارضان في نقاط اساسية وجوهرية بالفعل والديمقراطية بمعناها حكم الشعب ومن الشعب والى الشعب؟ وهذا اول واكبر مفارقة مع الدين الذي مصدره الاساسي والمشرع الاول هو الله تعالى؟ ومن هنا ايضا تنبع مفهوم السيادة التي هي للشعب. هذا بالاضافة الى قضايا الحرية الفردية والجماعية كهدف سامي قطعا لا يتحقق إلا وفق النظام الديمقراطي, ومن ثم الالتزام بمواثيق حقوق الانسان الدولية وقضايا التنمية المتوازنة والمستدامة وازالة التهميش جذريا الاقتصادي الاجتماعي والاقصاء السياسي الثقافي وقضايا حقوق المراة (مهمش مهمشين) كقضية اساسية وجوهرية بالفعل؟ فكل هذا مطلقا لا يتم الا عبر تحقيق الديمقراطية. ولاحداث التغيير المطلوب في الوعي اولا بغية تحقيق الديمقراطية الحقيقية المنشودة الفيدرالية طبعا هي تعد من اعظم ما انتجتها الفكر البشري في حل قضايا الشعوب ونزاعات المجتمعات المركبة او المتعددة في الدولة الواحدة ذات المساحات الشاسعة. حيث مازال السودان في حوجة ماسة وعاجلة لحل قضايا علاقة المركز بالاقاليم بتحديد المركز نفسه على عقد او اتفاق واضح معلوم وربطه بالاقاليم على اسس فيدرالية حقيقية برضا اهل الاقاليم ووضعه في دستور السودان الجديد كما ايضا تسهم اسهاما فعالا في توزيع السلطة والثروة والسيادة وقضايا التنمية وتضع حدا للاستفراد بهذه الامور الهامة وصمام ضمان الاستقرار والتعايش السلمي في اطار التعدد لتحقيق الوحدة في التنوع لخلق ارادة قومية موحدة تعبر عن امة سودانية متنوعة ثرة ثقافيا في اطار دولة موحدة قوية (Many Identities,One Nation Within Strong State) فبالاضافة الى ان الفيدرالية معادلة اساسية في خلق الاستقرار بتقسيم السلطة وتحديد مصادرة الثروة وتقسيمها برضى اهل الاقاليم وادارة شئونهم بانفسهم كل هذا بنصوص الدستور فانها ايضا تفرض المحافظة على الدستور الفيدرالي القومي الموحد والذي في الاساس تحدد علاقتهم بالمركز وانتمائهم الى الوطن الام الموحد المضمن لحقوقهم الوطنية القومية والاقليمية وبالتالي في حالة اخلال المركز او اي طرف بالدستور فهذا بمثابة اعلان الحرب على الاقاليم اولا باول هذا باختصار ونخلص من هنا بان جوهر مبادئ مشروع السودان الجديد تكمن في المصطلحات الخمسة باعلاها وعليه نؤكد وقوفنا بالعشرة عليهم لتحقيق هذه المصطلحات الخمسة في ارض الواقع فيما تبقى من سودان والا على الدنيا السلام وسيكون هناك دولة كانت اسمها السودان. وعلى انقاضه سيكون هناك عدة دول وختاما الرحمة والمغفرة لروح الشهيد المفكر قرنق الانسان ورفاقه الاوفياء من الشهداء مواطنين جنودا وقادة واذكر منهم البطل يوسف كوة مكي داؤود, يحي بولاد والى ارواح الملايين من ابطال مقاومة توجهات السودان القديم منذ الاستقلال ونحن على العهد معا مع الرفيق القائد مالك عقار والمناضل القائد عبد العزيز ادم الحلو وهو في ميدان النزال مع فلول السودان القديم والى شهدائنا الابرار في مواقع النزال من دارفور الى الجبال وفي كل بقعة مقاومة في السودان الخلود في الجنة و التهنئة الى الرفاق في جنوب الوطن على راسهم الرفيق القائد سلفاكير ميارديت والى الامام والكفاح مستمر عربي يعقوب محمد [email protected] نشر بتاريخ 31-07-2011