يزدحم سماء السودان بفضائيات عديدة خلال هذا الشهر الكريم، إضافة للفضائيات المحلية والعربية الموجودة أصلا، إذ ستنضم قناتا “أمدرمان" الجديدة، و"الخرطوم" التي دخلت البث الفضائي، بجانب عودة قناة “هارموني" بعد توقف طويل. نتمنى أن تكون هذه القنوات إضافة حقيقية للوجود الفضائي السوداني وأن تستفيد من تجارب بعضها البعض وتنوع برامجها واهتماماتها، بدلا من أن تكون تكرارا للتجارب السابقة. إنشاء القنوات الفضائية أمر مكلف، ويستهلك ميزانيات ضخمة، ويحتاج لجهود جماعية، في التمويل والتخطيط والبرمجة والتنفيذ، لكن يلاحظ أن كل المشاريع التي قامت مؤخرا، كانت عبارة عن جهد فردي، وهي غالبا ما تصطدم بعد قليل بصخرة التمويل من ناحية، ونضوب الأفكار الجديدة من عقل صاحب المبادرة، وتنتهي إما إلى التوقف، أو الدوران في حلقة مفرغة. لا يجب توقع أن تحصر هذه القنوات اهتمامها في الوعظ، بالتأكيد ستزيد حزمة البرامج الدينية خلال شهر رمضان، لكن من غير الطبيعي أن يطالب الناس هذه القنوت بحصر اهتماماتها في جانب واحد فقط. للنفس البشرية حاجات متنوعة ومتعددة ومتطورة، كلما تم إشباع حاجات منها، ظهرت حاجات أخرى. هناك جانب آخر يتعلق بالدور الذي يمكن أن تقوم به هذه القنوات في الحفاظ على منتجات الثقافات السودانية، والتعبير المادي والمعنوي عنها، بما في ذلك الشعر والغناء والموسيقى والدراما، وتوثيق جوانب الحياة السودانية المختلفة، وهذا دور هام يجب ان يعطى الأولوية في البرمجة والتخطيط. نحن مواجهون بحرب شرسة يمكن أن تنتهي باندثار كثير من مظاهر الحياة في السودان، وتغييب الغناء والموسيقى السودانية عن وجدان الأجيال الجديدة من السودانيين. لن نستطيع أن نحجب القنوات العربية والأجنبية، ولا يجب أن نتجه لهذا الخيار أبدا، لكن نحتاج فقط لنقدم المواد السودانية في قوالب ممتازة وجاذبة، ثم نترك للمشاهدين الخيار. وتحتاج القنوات للنظر لتجارب الدول من حولنا، في مصر ظهرت قنوات المحور، دريم، الحياة، أون تي في، بجانب عشرات القنوات الأخرى، لكن ظهرت هذه القنوات الأربع لأنها حققت شرط الجماعية في العمل، وجمعت عقول ووجوه متنوعة، وخاطبت مختلف جوانب الحياة. لم تحصر هذه القنوات نفسها في المنوعات والترفيه والتسلية، لكنها امتدت لتناول قضايا الناس وهمومهم فيما يعرف ببرامج “كارنت افيرز" أو الأحداث الجارية، من سياسة واقتصاد ومعايش ومشاكل بجانب التغطيات الرياضية والفنية والثقافية. هذا الوضع نقيض ما يحدث عندنا، فباستثناء قناة “الشروق" فإن كل القنوات التي ظهرت عندنا ركزت على برامج المنوعات ومواد التسلية والترفيه، ومن الواضح أن وراء ذلك أسباب تتعلق بالأوضاع السياسية والقانونية بالبلاد، وسيطرة الحكومة على هيئات البث والتصريح والترخيص، والقيود المفروضة على القنوات، فآثرت هذه الفضائيات أن تبعد عن الشر، ولا تغني له حتى. نستأذن القراء الكرام أن ننوع كتاباتنا خلال الشهر الكريم، وأن نعطي برامج الإذاعة والفضائيات بعض اهتمامنا، وأن نتشارك في قراءة الكتب وعرض المواد التي نعتقد بفائدتها، لن تغيب ساس يسوس، لكنها ستتراجع قليلا لتفتح الباب لبعض الترويح والمؤانسة. رمضان كريم.