........ عندما يعيد الناس، وبالذات المسؤولون، استخدام حيل قديمة، أو يتحدثون عن فكرة قديمة مستهلكة وكأنهم اكتشفوها حديثا، أو يحاولون تجريب حلول مجربة وفاشلة لمشاكل مستمرة، يوصفون بأنهم يحاولون إعادة اختراع العجلة، التي تم اختراعها قبل عقود طويلة، ثم تجاوزها الناس لما هو أحدث منها. هذا الوصف يبدو وكأنه قد صنع خصيصا، مع بنسون آند هيدجز، للسودان، فما من بلد تعيد اختراع العجلة واكتشاف النار وكروية الأرض كل كم سنة، أكثر منا، وليس من بلد يجرب المجرب ويعيد اختبار الفشل ، ويعين الفاشل في إدارة مصنع صغير، مديرا لأكبر مشروع صناعي، أكثر من بلادنا هذه. الأزمات الاقصادية تلاحقنا منذ زمن بعيد، وأسبابها معروفة، وبالتالي حلولها، وأولها الندرة، نحن نعيش باستمرار في أزمات اقتصاد الندرة، لأن استهلاكنا في كل السلع أكثر من انتاجنا، إن وجد، ولأن احتياجاتنا أكبر من دخلنا، ولأننا نملك نظاما اقتصاديا مشوها لا نظير له. يزرع المزارع الطماطم في أرضه الطيبة الخضراء الخصبة، وفي نهاية الموسم يكتشف أن الأرخص له أن يشتري طماطم مستورد من بلاد لا تعرف الزراعة، ننتج السكر ونبيعه بأسعار عالية، ثم نكتشف أن الأرخص والأوفر هو إعادة استيراد سكرنا نفسه من دول الجوار بأسعار أقل بكثير من سعر السوق. نعيش في أزمات تموينية متلاحقة منذ السبعينات، تختلف الحكومات والقيادات، ولا تختلف التبريرات ولا سبل المعالجة...الفاشلة. يظهر المسؤول في التليفزيون ليقول إن المنتج من السلع كاف للاستهلاك، وليست هناك أزمة، ولكن هناك أزمة أخلاق لدى التجار الذين أخفوا السكر، ثم نكتشف فجأة ان الحكومة استوردت صفقات من السكر بملايين الدولارات وأن الباخرة ترسو، أو على وشك الرسو بميناء بورتسودان. لو كان المنتج والمخزون كافيا، إذن لم نستورد السكر بملايين الدولارات؟ ثم تختتم التصريحات بالإشارة لتولي جهاز الأمن الاقتصادي مهمة توزيع السكر، وهذه هي عملية إعادة اكتشاف العجلة كما جاءت في الكتب. يبيع ويوزع جهاز الأمن السكر للتجار والجمهور، ويتولى توزيع النقد الأجنبي على المسافرين، فهل هذا جهاز أمن أم جمعية تعاونية؟ تفشل الأجهزة المختلفة في المهام الموكلة إليها، ولا يحب مسؤولونا مواجهة سؤال الفشل، فيعالجون المشكلة بمشكلة أخرى، لظنهم أنها مؤجلة. من المؤكد أن هناك تدنيا في إنتاج السكر، وهناك جهات مسؤولة يجب محاسبتها على ذلك، وعلى تقديمهم معلومات غير صحيحة للمسؤولين وللجمهور. وهناك مشكلة كبيرة في التوزيع وفي الجهات الوسيطة بما يتسبب في ارتفاع سعر السكر بشكل غير مبرر، وفي بعض المرات يكثر السماسرة والوسطاء فلا يصل السكر للجمهور بالسعر العادي ولا المرتفع. ثم هناك مشاكل في التخطيط والإعداد لاستقبال شهر رمضان الذي يعرف القاصي والداني أن استهلاك السكر يزيد فيه بنسب كبيرة، لكن كالعادة تنتبه حكومتنا للشهر الفضيل بعد مضي أسبوع من قدومه، وتبدأ في الربكة والقرارات العشوائية. وفروا السكر بقدر كاف قبل رمضان، وابعدوا الجهات الوسيطة والمستفيدة من الأزمة، سينساب السكر لمستهلكيه بلا جهد كبير ولا تنظير من المسؤولين المقصرين فيصل محمد صالح [email protected]