حديث المدينة حكم الضمير..!! عثمان ميرغني أمس أجرت صحفيتنا النابهة رشان أوشي حوارا صحفياً مع السيد آدم كرشوم نائب رئيس الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان.. من مقره في معسكر كاودا.. أسئلة مباشرة وإجابات أكثر مباشرة منها.. ورغم أن الحوار يكشف إلى أي مدى تتهاوى الأوضاع في جنوب كردفان إلا أن المسؤولية الصحفية .. التي تفترض أن المصلحة الوطنية، فوق أي اعتبارات مهنية، تحتم عدم نشر الحوار بنصه.. لأن كثير من مفرداته تحوم حول حمى ما يمكن أن نطلق عليه (الحرب النفسية).. ويشق علينا أن تصبح "التيار" مطية أي صراعاً يدور في رحى الوطن المكلوم بأهله.. واخترت هذه المناسبة للإشارة للخط الدقيق الفاصل بين العمل الصحفي الرصين.. والآخر العفوي.. فالذي يمسك بالقلم كمن يمسك بالمدفع الرشاش إن لم يتفرس في هدفه ويحدق ببصر وبصيرة.. فقد يصطاد الخطأ لا الصواب. سأضرب لكم مثلاً.. قبل عدة شهور سقطت طائرة عسكرية في مطار الخرطوم. نشرنا الخبر في ال(مانشيت) الأحمر في صدر الصفحة الأولى.. وكذلك فعلت كل صحف الخرطوم جميعاً بلا استثناء.. مضى يوم .. وفي اليوم التالي له سقطت طائرة عسكرية أخرى قرب الفاشر واستشهد من فيها، حوالي ثمانية من العسكريين.. صدرت صحف الخرطوم كلها بما فيها الصحف الحكومية أو التي تتبع مباشرة لحزب المؤتمر الوطني وعلى صدر صفحتها الأولى مانشيت يقول: (سقوط طائرة عسكرية .. ومقتل 8 عسكريين) .. إلا صحيفة "التيار". كان رأينا أن المسؤولية الوطنية تحتم إعمال مبدأ المصلحة العامة فوق الاعتبارات المهنية.. تكرار نشر مانشيت (سقوط طائرة عسكرية) في يومين متتاليين يهز من معنويات جيشنا.. ويبعث برسالة محبطة لأبناء قواتنا المسلحة وأسرهم وذويهم.. خاصة الذين يقبضون على الزناد في حدود السودان المترامية.. فقمنا بنشر الخبر صغيراً حتى نحافظ على كونه موجوداً.. لكن بأقل قدر من (التهويل).. مثل هذا المسلك من صحيفة "التيار" لم يكن ينتظر توجيهات رقابة أمنية ولا تعليمات من الجيش أو من مجلس الصحافة أو حظر نشر من أية جهة.. فالرقيب الداخلي في جوف كل صحيفة مسؤولة يجب أن يتمتع بحاسة وطنية تميز بين ماهو مهني مطلوب.. وما هو مضر بالمصلحة القومية.. أخترت ذلك الخبر مجرد مثال.. لكننا فعلناها أكثر من مرة.. ترجيح المصلحة القومية بلا تردد على أي سبق صحفي أو مهني.. والصراع السياسي والعسكري الدائر الآن فيه كثير من الألغام (الصحفية) التي تتطلب الاحتراس بأقدر ما توفر.. لأن الفاصل أحياناً بين الخبر و(الحرب النفسية) شعرة واحدة.. نحن صحيفة محكومة بكل صرامة.. ب(ضميرها)..!! التيار