هذا كتاب تقرأه دون أن تتوقف لتأخذ نفسك، ربما تلهث معه أحيانا، ربما تتنفس بعمق، تضحك وتبكي، ربما تحس بأنك تنتقل في أجواء مختلفة، صيف وشتاء وربيع..ثم خريف حزين، لكن لن تفارقك المتعة في كل الفصول. جمع هاشم كرار بعض أعمدته التي ظل يكتبها بشكل يومي في صحيفة "الوطن" القطرية لأكثر من 13 عاما، اختار باقة منها ونثرها على صفحات كتاب تحت عنوان "طق..توقف الزمبلك" نشرته دار بيسان للنشر والتوزيع في بيروت. يعمل هاشم في صحيفة عربية، كوزمبوليتانية، إن صح التعبير، لا تخاطب جمهورا قطريا محددا ولا قضايا محلية فقط، لهذا فهو متحرر من ديكتاتورية القارئ، السوداني بالتحديد، الذي يحاصر الكاتب في زوايا محددة، ويتذمر إن تمرد أو حاول الخروج عليها، ويؤطره في قوالب محلية محدودة يرفض الخروج منها. يكتب هاشم في مواضيع متنوعة، يتنقل كفراشة ليختار من أحداث العالم ووقائعه ما يشاء، الخيارات أمامه واسعة ومفتوحة، يلتقط منها بمزاجه ورؤيته ويسكب عليها من إحساسه، فتأتيك طازجة ومدهشة، تتوقف عند كتابة هاشم كرار عن أحداث قرأتها وشاهدتها ومررت عليها مرور الكرام، لأن لهاشم زاويته ورؤيته وتفسيره الخاص للأحداث والوقائع. ربما يكفي هنا أن أنقل ماكتبه الزميل ضياء الدين بلال في مقدمة كتاب هاشم كرار "طق..توقف الزمبلك" حاثا القارئ على الاطلاع على الكتاب ملخصا ذلك ببراعة شديدة .."ستكتشف ما فعله هاشم كرار في حملته الرشيقة ضد الملل والاعتياد: حملة تحرير النص اليومي من لوازم الظرفيات ووضعه في مقام الخلود.....جعل (هاشم كرار) لهذه الكتابات الصحفية، التي تتفاعل مع اليومي والعابر والطريف، مقدرة الامساك بشفرة الخلود، بالوصول إلى ما هو إنساني خالص، مقاوم لِلُحَيظيات الزمان ومضاد للاكسدة والتسطح"، وهي مقدمة في غاية الجمال تناسب الكتاب وتتناسق معه، كما قدم للكتاب الصحفي السوداني عبد المطلب صديق والصحفي الأردني نشأت الحلبي. يكتب هاشم في وعن كل شئ، يعلق على الأحداث السياسية من زاويته الخاصة، يفسر خبرا صغيرا جاء على هامش الأحداث، يعيد قراءة صورة نشرتها أجهزة الإعلام بتعليقاتها، يتفرس في ملامح الناس والأشياء والأماكن بعين شاعر وبحكمة فيلسوف، يقرأ أحداث قمة بين زعماء العالم كما لم تقرأها وكالات الأنباء، يتغزل في جميلات العالم بلغة رشيقة ونظيفة لا تثير عليه "الجماعة" في المنزل ، فيما يبدو. يفعل كل ذلك بمحبة ظاهرة، ثم تنفجر محبته دموعا وكلمات وهو يودع العميري وسامي سالم وأسامة موسى ومحمد الماغوط وعدلي فخري وغيرهم من الرائعين. ليست المواضيع والقضايا المختارة وحدها التي تميز هاشم كرار، لكن لغته الخاصة وتعبيراته المبتكرة من خلفيته كقاص وشاعر، ثم جرأته في اقحام عبارات من العامية السودانية لا يكتمل المعنى الذي يريده دونها، دون خشية من القارئ العربي غير السوداني. يكتب هاشم كرار حياة جديدة ممتدة للعمود الصحفي، مرة عندما يكتبه بشكل مبتكر على صفحات "الوطن" القطرية، ومرة عندما ينشره في هذا الكتاب فيتيحه لمن لا يقرأ الصحيفة.