ماذا لو قدر للراحل / جعفر نميري العودة من رحلته الى أمريكا التي قطعت الطريق عليها . انتفاضة ابريل وقد وجدت حلفاء نميري من جماعة الجبهة الاسلامية في السجون . فخرجوا مباشرة للدخول وسط جماهير الثورة .وقالو بالفم المليان ..نحن الانتفاضة ..ولا غيرنا أحق بحصاد ثمارها .لاننا جئناها مناضلين من خلف القضبان. وانطوت الفترة الانتقالية التي استطاعوا تجييرها لصالحهم بحكم وجود عناصرهم داخل المجلس العسكري بقيادة المشير سوار الدهب و حكومة الجزولى دفع الله. ومهدوا لضمان فترة ما بعد انتخابات 1986 . بطبخة قوانين ذلك الا ستحقاق وتقسيم دوائره على مقاسات جسدهم الجماهيري.لاسيما فيما يتصل بدوائر الخريجين . واحرزوا المركز الثالث بعد حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي . فكان ذلك مخيبا لامالهم .اذ قعد بهم تارة في مقاعد حكومة الظل . وأخرى في تحالفات هشة ومضطربة البنية ومهتزة الاضلاع. كمجمل ديمقراطية تلك الفترة ، فكانوا يتسامرون في نهار السياسة الطويل والممل بعين من قبيل التمويه والضحك على طيبة الثوار الحقيقين وركوبا على غفلة الأحزاب الكبيرة عن الشأن العام منصرفة الى صراعاتها لتحقيق مكاسب ذاتية بلغت حد المزايدات وسباق توم وجيرى بين غابات الجنوب استثمارا لأوارها الذي تمدد من تحت الرماد بعد أن أخمدته ظاهريا اتفاقية اديس ابابا لعشر سنوات من عمر حكم مايو الآفل. لكنهم اي جماعة التيار الاسلامي كانوا يكملون السهرة خلف ستور الغلس وهم يبيتون النية لاستثمار ما رفدوه في الجيش من عناصر لاختصار المشوار عبر جنازير الياته . وتعطيل عجلات عربة الديمقراطية المتهالكة الماكينة. وأعدوا لذلك المال والتغلغل في مفاصل الدولة .و استلاب مفاتيح الخزائن. واحد من تلامذتهم الذين درسوا في جامعات السودان للحصول على درجة علمية عالية .لم يكتفي بتحصيله الاكاديمي ، بل امتد طموحه للدخول الى معهد السياسة الانقاذية ، عبر العمل الخيري الذي يعتبر البيئة المناخية الصالحة لتمدد تغولهم على المال والسطو على الاعفاءات الجمركية والضرائبية.فكانت بداية الشاب التونسي الهاشمي الحامدي . الذي ارتمى في احضان الجماعة ضمن من قذف بهم مد الأمواج التي انكسرت مساربها على سودان الكيزان تحملهم كالاسماك المرعوبة هربا من بلدانهم .. ومنها تونس وقد جاء منها الغنوشي ولكنه ما لبث أن ازكمته روائح المدفون الذي يختلف عما تراه العيون .فأنصرف ينشد الحنان عند أهل الديمقراطية التي تاتي في وضح النهار من صناديق الارادة لا عبر الدبابات التي تخرج ليلا من بوابات القيادة! لكن طموح الشاب الحامدي يتمدد في ذلك المناخ .حيث اتقن لعبة كنس المال من مدرسته الحاضنة . فكانت شهادته الأولى التي ضاهت مؤهله الجامعي العالى في سنوات قليلة .شيكا بتسعة ملايين دولا ر . بتوقيع وزير المالية عبد الرحيم حمدي . لينطلق الفتي الطموح الى حيث الأضواء ليبني امبراطوريته الاعلامية صحافة و فضائية . لم ينسي اساتذته في تعلم اللعبة وكان يخصهم بلمحات من اضوائه. ثم أكتفي بسداد دينه الأدبي الى حين فقط .وأدار لهم ظهر المجن . وقد أحس بان مجده الحقيقي لا يبني الا في وطنه . ولكن كيف ينفذ الى قلب الطاغية زين العابدين بن على . مالم يبع الجماعة بربطة المعلم ويرميهم بساعده الذي اشتد . وبدأ بمناصبة الغنوشي عداء لم تبديه حتى الماء حيال النار. وكتب عبر أحد اساتذته الذي اصبح وزير للتعليم في تونس . رسالة غرامية يخطب فيها ود زين العابدين بن على .ويقول له لن اتردد في مبايعتك شيخا لي ولو كان ثمن ذلك اعتقال عشرين من أسرتي فداء لنبضة واحدة من قلبك. وحينما طارت اجنحة بن على في فضاء المجهول بحثا عن ملجأ .وحلقت طائرته بعيدا في رحلته الأخيرة .مع دخان الحريق الذي ارتفع بالبوعزيزي، بطلا للربيع العربي. عاد الحامدي يبتسم بمكر الانتهازي للفقراء في مسقط رأسة ومهد الشرارة سيدى ابوزيد من خلال فتحة صناديق الانتخاب.وهو يجذب منهم ورقة الاقتراع بيد ويمد بالأخرى ورقة البنكنوت ! ولكّن الثورة التونسية بيغظة الثوار كانت قد أعدت الكمين باتقان لاصطياد الثعالب العائدة لسرقة دجاجها فاحتاطت بقانون العزل السياسي لمن كانوا تروسا في قطار نظام بن على . فاسقط في يد الحامدي الهاشمي الذي كان قد شكل حبة في سبحة بقايا النظام الهالك ليخدع بها اصابع البسطاء و يجعلهم يسبحوا من خلالها بحمد وعوده التي أطلقها بتشغيل العطالة و ضخ المال في شرايين اقتصاد البلاد من دمه الفاسد .! وهكذا كان تلميذ الانقاذ البياع .والذي تلون كالحرباء في بداية زمانها ونهجها . فاصطادته فخاخ الثوار واستبعدت قائمته المشبوهة التفافا على شيخه الغنوشي وبرنامج النهضة الذي بدأ متوازنا حتى اللحظة .وطوحت بها احدى مواد استبعاد سدنة حزب بن على ، من جدول الفائزين في انتخابات المجلس التأسيسي .ورمت بمرشحيها في سلة الأصوات التالفة. وأصبح الحامدي الهاشمي وكما شاهدناه اليوم من شاشة قناته بلندن وهو ينشد ( طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ) صدقا والله. وكأن مسا من الجنون أصابه. وقد أعلن سحب قائمته برمتها التي بلغت التسعة عشر فائزا دون الرجوع اليهم .على الرغم من أن لجنة الانتخابات ابطلت له نتيجة ستة دوائر فقط. فكان أول الخارجين عليه جماعته الذين نفضوا يدهم عنه بعد اكتشاف امره! فدائما تكون نهاية اللصوص. الذين يتسللون من تحت ابواب الثورات كالصراصير . تلتقطهم قوانين الثورة بقفازات تحمي اياديها من التلوث بغزارة جلودهم التي نمت تخانتها من الحرام. فهل نعي الدرس ونبدأ فجر ثورتنا القادمة بنشيد العزل السياسي لكل مفسد .ونجعله شعارا لمدرسة ديمقراطيتنا يردده تلاميذ وطننا في طابور الصباح قبل دخول فصول الحقب الأتية لسودان أجيال يكون معافى . من أمراض ما بعد ثورة ابريل التي استشرت في غياب طبيب اسمه قانون العزل السياسي. ليكون عهدا بيننا وانفسنا والوطن الا يتغول حامدي اخر على سرقة شمسنا ابدا . ويكون ميثاقا نشهد عليه الله المولى القدير . انه المستعان .. وهو من وراء القصد.