السيد العميد ركن بحري صلاح الدين كرار كانت تتابعه الأضواء في السنوات الأولى لانقلاب الجبهةالاسلامية عام 1989م وكان رئيسا للجنة الاقتصادية ووزيرا لعدة وزارات ثم ابتعدت عنه الاضواء لما ابتعد أو أبعد من مناصبه التي كانت تخلق له القيمة الاجتماعية والسياسية واختفى مثلما اختفى من قبله ومن بعده زملاؤه الذين كانوا في قيادة الانقلاب العسكري. يبدو أن السيد صلاح كرار ما يزال مصرا على البقاء في الأضواء والذاكرة ويتصيد بين الحين والآخر لحظات من الاضواء رافضا الاقتناع بأنه مثل غيره حالة استثنائية في زمن مضى وأن كل المؤشرات تدل على أن دوره قد انتهى ولا تبدو في الأفق بوادر لدور جديد له في الحياة العامة التي اقتحمها في ظروف غير طبيعية. في لقاء صحفي في صحيفة الراي العام تم في منزله (الفخيم) متعدد الطوابق ، كما وصفته الصحيفة، في ضاحية الرياض، الخرطوم، تحدث سيادته حديث العالم الخبير في الاقتصاد والسياسة والإدارة بشيء غير قليل من الزهو بالذات والمفاخرة بقدراته و(مؤهلاته) ، وكان اللقاء في مجمله مليئا بالتناقضات ومجسدا لحالة نفسية معينة أكثر من كونه طرحا لرؤى وأفكار بعينها مع السعي المبطن والصريح أحيانا لتبرئة الذات . قال سيادته ردا على سؤال عن الخيارات البديلة الموجودة أمام الدولة في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد إن الدولة لا تستطيع أن تتراجع الآن عن سياسة التحرير (الاقتصادي) "وسياسة التحرير لا غبار عليها، ومشاكلنا التي نعيشها ليس سببها سياسة التحرير، وإنما سببها أننا لم نتخذ سياسات رشيدة". لم أستطع أن افهم كلمات السيد صلاح كرار. من جهة يقول أن سياسة التحرير، التي دشنت أثناء توليه الملف الاقتصادي، لا غبار عليها ولا يمكن الرجوع عنها ، ومن جهة أخرى وفي نفس الوقت يقول أن مشاكلنا سببها عدم اتخاذ سياسات رشيدة ، والسياسات غير الرشيدة التي اتخذت هي ليست سوى سياسة التحرير الاقتصادي بكل استحقاقاتها وتداعياتها المتصلة. وردا على سؤال المحرر "ولكنك تقلدت مواقع وزارية واخرى رفيعة في الدولة ولم تكن الكفاءة هي المعيار الذي صعد بك وإنما معايير أخرى تتعلق بعضويتك في مجلس قيادة(الثورة)؟" قال "أنا جئت بكفاءتي بالمناسبة"، ثم أردف قائلا "أنا مهندس وعندي بكالريوس عالي في الهندسةالكهربائية من الهند ، وعندي دبلوم عالي في الإدارة العامة من جامعة الخرطوم ، وماجستير في الإدارة العامة من ذات الجامعة (أي جامعة الخرطوم)، وفي الحياة العسكرية لدي الكثير وهناك شهادتا ماجستير الأولى من مصر في العلوم البحرية والثانية من كلية القادة والاركان" . وإذا سلمنا بصدقية وقيمة كل ما نسبه السيد صلاح لنفسه من كفاءات وحصوله على هذه "الكفاءات" قبل جلوسه على كرسي السلطة، فهل مثل هذه "الكفاءات" كافية لتجعل منه المسئول الاقتصادي الأول في البلاد والتربع فوق كراسي عدة وزارات، وهل تمت المفاضلة بينه وبين علماء الاقتصاد والإدارة والسياسة وأساتذة الجامعات في بلادنا فبزهم جميعا أم أنه تربع فوق كل هذه المناصب وصوبت نحوه الكاميرات بسبب ظرف استثنائي فرضته شرعية القوة؟ ويضيف السيد صلاح كرار لكفاءاته كفاءة أخرى هي "خبرته العملية الطويلة" التي اكتسبها خلال 64 عاما، ولكن هذه (الخبرة) العملية الطويلة تتناقض مع قوله عن الأخطاء "أول الأخطاء، نحن عندما جئنا كنا ناسا بلا خبرة وتعلمنا في الشعب السوداني(تعلم الحلاقة على رؤوس اليتامي). كانت هنالك أخطاء دفع الشعب السوداني ثمنها" ؟؟؟ وتبريرا لامتلاكه منزله "الفخيم" متعدد الطوابق ،قال "أنا شخصيا عملت في الإمارات في الفترة من 1977م إلى 1980م، وعملت سفيرا خمس سنوات، وأعتقد أن هنالك من لم يخرج من السودان ويملك أكثر مما أملك، فأنا لا املك غير منزلي هذا، وأنا أعتقد أن من حق الشعب السوداني أن يسأل أي مسئول تولى منصبا عاما من أين لك هذا"، ورغم أن فترة ثلاث سنوات من العمل في دول الخليج ليست كافية لامتلاك منزل صغير في منطقة طرفية في الخرطوم، من واقع تجارب المغتربين مهما كانت رواتبهم، ورغم أن عمله كسفير هو امتداد لذلك الظرف الاستثنائي وليس حصاد مؤهل علمي أو نبوغ في علوم الدبلوماسية، فمن الصعب عموما قذف السمئولين بتهمة الكسب والتربح غير المشروع دونما دليل،والتقصي في هذه الحالات وإيجاد الدليل من أخص مهام الدولة وأجهزتها الرقابية والمحاسبية وليس المواطن،أو هكذا يجب. وبعيدا عن ملف الفساد الملغّم، قال السيد صلاح كرار عن سقوطه مع زميله ابراهيم نايل إيدام في الانتخابات الأخيرة، بكل ما شابها من عيوب، إن سقوطه لا يعكس رأي الناس في الإنقاذ "يمكن أن يكون سقوط ابراهيم نايل يعبر عن رأي الشعب السوداني في الإنقاذ،أما بالنسبة لي بمقاييس المؤتمر الوطني فقد قالوا إن سقوطي يعبر عن التزام الناس بالمؤتمر الوطني واختيارهم له".ورغم روح (الأنا) والتميز المصطنع في كلماته ، فالأمر لا هذا ولا ذاك في اعتقادي. سقوطهما معا قد يعبر عن رأي الناس نوعا ما في الإنقاذ بوصفهما رمزين إنقاذيين، ولكنه يعبر بالضرورة عن بغض ورفض الناس لهما الاثنين معا. وما زال الرجل يحاول التشبث بذاكرتنا ولو كنا كارهين. (عبدالله علقم) [email protected]