لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعبٌ ممتلئُ الشخصية يصارع أرزقية
نشر في سودانيزاونلاين يوم 29 - 06 - 2011


سودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن
"يا شعبا وطنو الحرية"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
السبت: 26 يونيو 2011
الهوجاء حًرْبَاً - التي أشعل رَحاها الإنقلابيون الإسلاميون بين أهلنا السودانيين في جنوب كردفان، الأهالي الآمنين الطيبين، ومَنْ هاجمهم من حملة السلاح في صفوف القوات المسلحة السودانية، ومَنْ دافع عنهم من الجيش الشعبي، وجماعات المليشا علي اختلاف ولآءاتها - وبآءاً سري كالنار في الهشيم، تبطش قوات الإنقلابيين بالمستضعفين. وتخرجهم من ديارهم، لتجعل حياتهم بؤسا في جحيم، وتوسعة جديدة من فضاءات التشرد والعوز الردئ. أسوأ ما يمكن لحكومةٍ أن تحققه لشعب. إنها حرب التحدي الشآئن من ظلم كائن، يزدرئ بحق الناس وحريتهم المكفولة بكل شرع وقانون. كيف لايزال هذا الإجرام ضد الإنسانية تمرينا يوميا؟!
حربٌ مجنونة بقيادةٍ غير نصيحة، لأنها لا تملك مبررات قتال شريف يدافع فيه جنود الحمي عن المستضعفين في الأرض من الفقراء والمساكين، بما يرضي الله والشعب والوطن والضمير، ويعيد الخائفين آمنين إلي ديارهم. لكنها، كسائر حروب الإنقلابيين الإسلاميين، عدوانٌ تأسّف لحدوثه السودانيون ومعهم دول العالم وشعوبه: فلا هي حربُ دولةٍ تدافع عن ترابها؛ ولا هي بحرب شعبٍ يغزوه غرباء. إنما يدفع سراب الحكم المريض وجيشه المجند لترويع المواطنين، أبناء القري المهاجمة والمدن المدمرة، إلي حمل السلاح، وإعلان الخروج علي أي علاقةٍ قد تلزمهم يوماً بسلطة المعتدي.
ثم إن الضحايا المعروفين بالوطنية وحسن النظام في دولة السودان منذ أقدم أزمان، ليُنشئون علي مضض ِوحدات المقاومة، ويسعون ببأس القتال لتأسيس سلطة تمثل رأيهم، تستقل بذاتها عن الحكومة المعتدية، ربما لا يربطها بها في القابل رابط. وهذا هو بالضبط واجب الساعة علي كل مواطن: أن يرفض ما أوتي من قوةٍ سياسات الإعتداء علي الأوطان، وإيذاء المواطن.
يبدو الخطر مدلهما، داهما: فالحرب رابضة تتحين الإنقضاض بين الجنوب والشمال، أعلن رئيس الحرب ومساعدوه لم يجف بعد مداد توقيعهم علي اتفاق في عاصمة الإثيوبيين علي السلام في أبيي بإدخال لواء كامل العدة والعتاد من فرق الإتحاد الإفريقي محل القوات السودانية المشتركة، القوات الوطنية التي أجلاها الجيش السوداني تماما من مواقعها، بهجوم لا معني له، خارج الدستور وإتفاق السلام. ماذا تفعل هذه الحكومة المضطربة بأرض السودان ودولته وشعبه وأحلامه في العود للوحدة يوما ما في بيئة أخويةٍ صالحةٍ، لا كمثل مستنقع نزاعاتها المزمنة بعداواتها المستعِّرة؟!
الجيش يهاجم الشعب لحماية أرزقية
قابضة علي رقاب الأبرياء في إقليم دارفور؛ آلاما وأحزانا مقيمة في أبيي، تتداعي آثار العدوان العسكري الحكومي في أنحاء القطر. ما أبعد السلطة وحكامها عن هموم شعبنا وكيان وطننا، وهم يمزقون وحدته في كل يوم بالحرب الأهلية والنزوح. وما أقوي هذا الشعب السوداني الحكيم وهو يضاعف من عزله للإنقلابيين الإسلاميين، ويعزز بقوي إجماعه إلتفاف القوي الديمقراطية حول أجندة إنتقاله الديمقراطي السلمي القادم، وعلي رأسه تطبيق دستور التجمع الوطني الديمقراطي، أكمل وثيقة وطنية تجسدت بها الإرادة السياسية للجماهير السودانية في إستقلال تام عن تحكم السلطة، وإملاءاتها العبيطة.
تستنفر الحكومة بحماقاتها المعروفة منذ 30 يونيو 1989 القوي الوطنية بتكريس المسالة العرقية. وتبتز السلطات الدولية بسياسة "الهجوم خير وسيلة للدفاع". تواكب قوي الإجماع والحركة الشعبية رتابة أعمال الحكومة بردود الأفعال. فتواصل الحكومة أفعالها. هذا هو مسلسل الحكم الإنقلابي. فعلي قوي الإجماع تغيير معاملاتها مع السلطة بما يكف عبثها. أما مجلس الأمن الدولي – المصدر المقلق حقا لكل السودانيين – فهو لا يتهيب ابدا من إستباق عداوات حكومة السودان. بل إنه يرصدها رصدا: يصدر منذ التسعينيات القرارات "المدبسة" لتأديبها؛ يجرد جنود الأمم المتحدة لكبح جماحها؛ ويعين الرقباء علي مدي انصياعها لأوامره من شتي الدول الأعضاء بمختلف المناصب والرتب... نهشت حماقات الحكومة في حاصل الأمر سيادة شعبنا الوطنية شيئا فشيئا. لم يبق منها الآن سوي خطوة أو أقل من فرض الإحتلال الكامل، والجيش السوداني بكل عنفوانه، وتاريخه نضالاته وتضحيات شهدائه الابرار، يقوده غافل.
علي هذا الطريق، يتواصل إنتشار عسكر الخارج في سوداننا الأسير، تحاصر قواته الجيش السوداني المحّرش علي أهله، وشرطة السودان الهائجة علي نقيض رسالتها الأمنية، تقاتل أهلها لتسترضي حكامها. ألم نقل يا صاحبي أن مذهب الإنقلابيين الإسلاميين ونظامهم وسلطتهم ومنهجهم لا علاقة له بالوطنية السودانية، وما تستوجب علي كل سوداني من حرص علي تراب الوطن وعزة شعبه وتجنيبه تسّيد الخارج علي تراثه وقدراته؟! نرقب في هذا السياق المحزن مواقف هامة للعالم من حولنا، بأممه المتحدة غربها وشرقها، تدين تجدد الحرب الأهلية، وتدعم تمسك شعبنا الثابت بالتعايش السلمي، مهيبة بالجميع إستعادة تقاليد المواطنة الحقة بين ربوع الوطن.
العدو واحد، هو مَنْ يعتدي علي الناس في كل قرية ومدينة. والمطلوب من قوي الإجماع عزل سياسات الحكومة عزلا تاما، وتأكيد الإتفاق السياسي المبرم بين التجمع الوطني الديمقراطي مع الحركة الشعبية التي تمثل حكومة الجنوب، وقوي المقاومة الدارفورية، وجماهير الشمال والأوسط والشرق، الناهضة المناضلة، مع إحترام حق كل إقليم في حكم كيانه الإداري حكما ذاتيا يلغي في قوةٍ كل مخططات المركز لجر حكومة الجنوب إلي الحرب، ضاربا بكل الإتفاقات وإلتزاماتها الملزمة للطرفين عرض الحائط.
وللحرب أثرٌ شعبي بكل ما تستجلبه من إدانة إنسانية جماهيرية صارمة للسلطة المعتدية. فرفضها يدفع بحكمة شعبنا العالِم قفزاتٍ إلي الأمام: فضحا لعبث الطغمة الحاكمة بالدين؛ تثبيتا لحقيقة إستهتارها بالقيم المحببة للسودانيين؛ وترسيخا لعلم الأمة بألاعيب السلطة واستهتارها بإتفاقات السلام والمعاملة الأخلاقية الدستورية الواجبة تجاه المواطنين، من كافة مسؤولي الدولة، علي كل مستويات الخدمة العامة والعمل العام.
إشكالاتُ عالم متغير
شارلس زاسترو، صدر له في فاتحة القرن Social Issues and Solutionsمؤلفا جامعا، مشكلات إجتماعية وحلول لإشكالات المجتمع الغربي في الجريمة والإنحراف والعنف، ومشكلات الحضر والسكان والبيئة والصحة وإستعمال العقاقير والإدمان والسلوك الجنسي، ومنازعات التساوي القائمة بسبب التمايز الإقتصادي والعرقي والفقر، ومعاناة الأسر والمسنين والمعوقين، وصعوبات التعليم والتقنية والعمل. ليست هذه المشاكل حكرا للغرب. فهي من خصائص الحياة العصرية غربا وشرقا. لكل ٍنصيبٌ بقدر ما ينتصح المجتمع بقيم الفضيلة والدين، ويمارس حرياته علي قاعدة متينة من التنمية والعدالة الإجتماعية بين كافة مواطنيه.
عاني مجتمعنا السوداني من كل هذه الأمراض الإجتماعية. وتصدي لها بنشطائه وخبرائه بالبحث والنصح. وعملت حركته الجماهيرية في النقابات والإتحادات المهنية والأحزاب المعنية وحكوماته الديمقراطية خاصة، ما أوتيت من مال وجهد لمواجهتها بالبرامج الإصلاحية. وطرح الفكر السوداني المتقدم صورة عصرية متحضرة من ربط مشكلات المجتمع الإجتماعية بسياسات الدولة وموازنتها العامة وتصرفها في المال العام. وعلي مدار الزمان، أسهم خيرة العلماء في ترويض المسؤولين وحثهم علي الإلتزام بمصالح العامة. فكان لأساتذة الإقتصاد السياسي، محمد هاشم عوض وفاروق كدودة والعاملين أمثالهما علي نصح السلطات وتدريبها علي احترام المسؤولية العامة وإشراك الجماهير في القرار، دور ونفاذ.
إن علينا حقيقة أن نذكر بالحب والتوقير نقاء جماهير السودان وقدراتها الفائقة في تقييم المواقف والأحداث، ورفض الأساليب الفاسدة في غش الشعب بالتظاهر بالفضيلة والدين من سارقي خزانته، وتكميم صوت معارضيه وصحافته، وتكثيف الدعايات الأمنية بالإعلام وجندرمة النظام وأفندية الدين لإرهاب الضمير السوداني الطاهر المقدام الذي لا يخاف بالفطرة من قول الحق والدفاع عن المظلومين، ويصمت شامخا عن الخوض في ركاكة الحديث وفجاجة الرأي. ومن أرقي ما تميز به السودانيون بين شعوب العالم، تجربتهم العميقة مع الحكومات والحكام، َمنْ يقف أمامهم ناقدا ناصحا، ومن يسير وراء ظهورهم راقصا مطبلا.
علم المجتمع أن الإنقلابيين الإسلاميين لن يُصلِحُوا دنيا ولن يَصْلُحُوا دينا منذ البيان الأول ومراسيمه الإستبدادية، وخروج السلطة المنهوبة "بغرائز التتار وعنف المغول" في كلمات أستاذنا الراحل محمد سعيد القدال، لسحق الحضارة، وتسميم المعاملات، وإفقار الشعب بإسم الاخلاق والدين. لا يمكن لعاقل أن يفصل الدعوة الكريمة للأخلاق والتمسك بالدين عن حقوق الناس في العمل والأجر اللائق، والتمتع بالمأوي والتعليم والصحة، وحرية الرأي والعقيدة والتنظيم، وبقية المنظومة الحياتية الدولية لإنسان العصر. فما أبأس الإنقلابيين الإسلاميين حين توهموا بلاد المليون ميل، مجتمعا صغيرا، مُوّحد السياسة والإدارة والتنظيم، منسجم المعتقدات، منصهرالأفضليات، مما لا يمثل الواقع في شئ. فالسودان به ما يزيد علي أربعين مليون سوداني، يتحدثون مئات اللغات والأعراق، يمارسون اختلافا لا مثيل له بين الثقافات، ويعتنقون عشرات المذاهب الدينية - توليفة من أعقد تشكيلات العالم القديم والمعاصر.
إرتأي المفكر السوداني الفذ عبدالخالق محجوب أن الدين يرتبط بالمعرفة الإنسانية. ومن ثم، فقد طالب"ببلورة العقيدة في صورة نظرية راشدة" تمثل لغة عصرية لمخاطبة الحياة العصرية ومتطلباتها. ويرفض عبدالخالق "نقل الإقناع الإسلامي من حيز العقل إلي حيز العقيدة، [لأن] هذا التفكير يجافي طرق المعرفة، وهي كما يعرفها المسلمون الإدراك الحازم المطابق للواقع عن دليل" (أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين، 1968، ص 22).
قصُرّ بالعسكريين من ثلة قرقوش إستيعاب المعني الحقيقي لهذه الحصيلة الضخمة من موروث أمة السودانيين الإجتماعي والروحي عبر القرون. وغاب عن شيوخ عقيدتهم المنهج الصحيح للتعامل مع أمة بهذا الحجم العريض. سقط المجند وتلاشي مجندوه. وهذا يا صاحبي ما يفسرعُلو الحركة الجماهيرية العليمة بشعبها وأحوال وطنها علي مجالس المديريات في الديكتاتورية الأولي، والإتحاد الإشتراكي في ديكتاتورية نميري، والمؤتمر الوطني الممسوخ، صنيعة ديكتاتوريتهم الراهنة. تتفوق الحركة الجماهيرية بنقاباتها واتحاداتها، شيبة وشبابا، لا يصاب عظمها بوهن الحكومات، وإن تآكل بالقمع بعض لحمها.
رفعت القوي الديمقراطية، عمالها ومزارعوها ومثقفوها الوطنيون في وجه الإستعمار رايات الوحدة علي الإنفصال، رافضين سياسة المناطق المقفولة، مؤمنين بقابل الأوطان – سودانا واحدا ولو تعددت دويلاته وحكوماتها. ما ضرّ لو فعل؟ أوليس في تفرد ثقافاته، وتعقد حاجات أقوامه، وتطورحركاتهم السياسية كياناتٍ مختلفة، مقتضيات واضحة لتطبيق الحكم الذاتي الإقليمي تطبيقا أخلاقيا لازما، يستريح به السودانيون في كل إقليم جغرافي في بلادهم الفسيحة من تسلط المركز، وبطش الافندية والجندرمة، وطموحات جماعاتهم السلطوية، وحروباتهم العدوانية؟
تكريس العرقية بالعنف
نعرض هنا شيئا من دروس السوسيولوجي زاسترو في قضية العنف بين الإثنيات، ونقتطف من بحث متعمق في نصيب السودانيين بعنوان تسييس العواطف الإثنية في السودان: ومضامينها للبناء الوطني، يعالج تبلور الإشكالية بسياسات القوي السياسية والدولة، أعده وقدمه لمؤتمر الدراسات السودانية-الأمريكية في بروفدنس، ولاية رودآيلند (أغسطس 2006) الفاتح عبد السلام، المحاضر آنفا في جامعة الخرطوم، بروفسور العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا.
يشرح عالم الإجتماع (367) أن للعنف ثلاثة أسباب رئيسة، علي الأقل: عوامل بيولوجية؛ ونظرية في الإحباط فالإعتداء؛ وأخري في السيطرة. تقول نظريات البيولوجيا أن الإنسان مثل الحيوان يملك غريزة عدوانية في دواخله. من الهرمونات ما يسبب السلوك العدواني في الرجال خاصة. أما فرويد، فقال إن الناس لديهم رغبة في الموت تقودهم للتمتع بتسبيب الأذي وقتل الآخرين وأنفسهم؛ ومثله السيكولوجي روبرت أردري: رأي أن الناس فيهم غريزة للغزو والتحكم في الأرض، مما يؤدي بهم للتنازع بالعنف. فهل نطالع هنا من المهاجمين مًنْ عانق الإنقلابيين، ولأي غرض؟!
وجد علماء في العدوانيين من بني الإنسان والحيوان ميلا للتوالد والبقاء بينا يزول الآخرون. يخالف نظريتهم علماء يقرون بعدم وجود دليل قاطع علي أن العنف موروث أو مكتسب. ولكنهم يجادلون أن العنف والعدوان شيئان مختلفان. للتعلم دور في التنشئة الإجتماعية. وبعض المجتمعات لا يوجد في لغاتها كلمات بمعني العنف. مثل هذه الأخيرة، أغلب مجتمعات المزارعين السودانيين. تدل سجلات الجريمة علي ندرة حالات القتل والأذي الجسيم بينهم. فما أعظم جهل الإنقلابيين الإسلاميين وظلمهم لمجتمعاتنا البريئة التي أراقوا دمائها في جبل مره وسد كجبار وكادقلي وقري الجنوب وأبيي والمناصير وبوتسودان.
العنف يزيل توترات الإحباط نظرية أخري. لكنها تنتقد بسبب عجزها في تفسير قيام البعض بالعنف وتقاعس بعض آخر عنه في نفس الموقف، مع إندلاع العنف في حالات لم يسبقها إحباط. أما "نظرية السيطرة" فتقترح تعرض طرفين بينهما علاقات لصيقة للعنف، حينما تفشل محاولاتهما للتقارب. ويري آخرون أن العنف يقع لا محالة عندما يفشل المجتمع في وضع مقيدات كافية علي أعضائه. هنا نقول، إن دستور التجمع الوطني الديمقراطي ضرب علي العنف والنزاع قيودا متينة بالإتفاق والثقة. فهل فشلت قوي الإجماع في وضع الكماشة علي حصان السلطة الجامح بإنفراد المؤتمر الوطني والحركة بالحكم بإتفاقية السلام "الشامل"؟!
في أسباب التمييز بالعِرْق، تدل الأبحاث علي إسقاط جماعات فشلها وعقد ذنبها بإرتكاب المعاصي علي من يقع في سطوتها من المساكين. "يفشون الغل فيهم" كما تقول أمثالنا الشعبية. فيدعو الفشل في الإنجاز من ناحية الحكومات إلي إلصاقه بالأقليات كبش فداء. ومن دواعي التمييز الإحساس بالنقص والعجز. واعتناق التسلط تأثرا وإعجابا ببعض الجبابرة من ضعاف النفوس، ورغبتهم في تقليد إستعلاء المجارمة وتطبيق إضطهادهم علي الضحايا. سجًل ذلك المرض العضال أدورنو ورفاقه الشخصية المتسلطة ((NY, 1950 في رصدهم تطور الفاشيست الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية.
فلنترك لقارئنا الكريم تقدير إنطباق هذه الأبحاث علي الإنقلابيين الإسلاميين أفندية وجندرمة، فحصيلتهم منها تفوق كل مثال، وبخاصةٍ ما جاء بالأبحاث عن المرضي بالعنف واضطهاد الأقليات العرقية والفقراء من عباد الله.
تسييس العواطف الإثنية
يُذّكِر الفاتح عبد السلام الدارسين بأهمية الإثنية الكائنة في داخل البلد الواحد. "فإذا تركنا جانبا العداوة بين الأمم، تشخص أمامنا قائمة طويلة من التمايز الإثني بين اليوربا والإيبو في نيجريا، والمنغول والصينيين، والأتراك والإغريق، والعرب واليهود، والأكرانيين والروس، وويلز والإنجليز، إلخ. وينطبق هذا الموقف علي العرب الأفارقة وسكان الشرق الأوسط" (3).
"السودان بدلا من أن يكون إناءا صاهرا للأجناس والأعراق، يعد مرقعة من جيوب عرقية. إن تغلب الثقافة الإسلامية الإفريقية-العربية يجب ألا يُجبرّنا علي تجاهل التعددية الكثيرة من العادات والمجتمعات الفرعية وروابط الجماعات العرقية التي لا تزال موجودة. يجادل أنصار التعددية الثقافية في السودان، مثالا الحزب الشيوعي، بأن السودان ديمقراطية من القوميات التي تتعاون طوعا بإستقلالها الذاتي في إطار سودان موحد، مشروعا للحكم الذاتي، يجري من خلال الكمال الذي يحققه أفراد المجتمع، وفقا لكياناتهم الخاصة. وهذا هو الموقف الرسمي للحزب الشيوعي في شأن الجنوب" (4).
الإسلاميون، "يوقنون بأن النوبة في كردفان تمثلوا الدين ببطء، واللغة العربية وأسماء الأسر جزئيا. ولقد تمت عملية التمثل الثقافي بسرعة وإتقان لمن إختار منهم الحياة في الشمال بحثا عن العمل. فلعل المرؤ يتحدث عن توليفة جديدة تتدفق من توليفة مُرّقعَة، أو متعددة من ثقافات. لكن أنصار هذه المدرسة الفكرية إفترضوا صراحة أو ضمنا بأن هنالك نمط ينطلق من "ثقافةٍ جوهريةٍ" في السودان، مكونة بالضرورة من القيم الإفريقية-العربية، أساليبها الحياتية، وهوياتها التي ينتسب لها عدد كبير من الثقافات العرقية – عدا الجنوب، ربما".
"هذا هو موقف الجبهة الإسلامية القومية وحزب الأمة اللذين يتبنيان حكومة دينية، الإسلام فيها سمة مميزة للدولة... يعّول هذا الإتجاه الفكري علي اللغة العربية أداة للتوحيد، مما يحفز المتمثلين علي إتقانها مع القيم السلوكية، للخوض في المجتمع الرئيس بنجاح. حظيت كل هذه الإتجاهات الفكرية بالإنتشار لأنها تعبر عن أفضليات تطرح الصورة المثلي لما يجب أن يكون حال السودانيين عليه". وهنا يعلق الباحث علي "تمتع كل من هذه المدارس بمضمون سياسي: يثبط الإناء المنصهر من قيام تنظيمات سياسية لجماعات عرقية مميزة، لأنها تعتبر إدامة لشرائح متقسمة، وضيقا في التفكير يعادي مصالح السودان الواحد".
"مضامين الثقافة الجوهرية أشد حذقا. فهي تقترح وجود صفوة سياسية موحدة تعمل لخير المجتمع كله، مع رصد نفوذ السياسات "الأجنبية" التي تهدد إستقرار المجتمع، فتحد منها. نُظر إلي المثقفين الراديكاليين الذين استعانوا بأيديولوجيات أجنبية وجهود جماعية للإرتقاء بالإعتزاز العرقي علي إنهم يقوضون القيم الأساسية للمجتمع السوداني..." وفي رأي بروفسور الفاتح "إن الإعتراف بالتعددية الثقافية يضاعف من فسيفساء الجماعات المغزولة في نسيج الإختلافات العرقية المتميزة، كي ترفع مطالبها، تتقدم بمصالحها، وتحتفظ بهوياتها الثقافية. إنه أفضل طريق حي يكفل التعايش السلمي بين هذه الجماعات" (5). وبهذا ننهي مقتطفنا من البحث.
هجوم الشرطة علي بُرام
مع الإنتهاكات المرّوعة لحقوق السودانيين في جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي، وتصلب السلطة في سياساتها الهجومية علي المساكين، ومخادعاتها التي لا تنتهي إلا لتبدأ بتهديدٍ جديدٍ لأمن المواطنين، وتعريض جديد يشتد به تعرض أمن السودان الوطني بأجمعه للخطر، ويضحي في مرمي المجابهة غير محمودة العواقب مع القانون الدولي والقوي الدولية المكلفة به، كما يجري الآن من حولنا، يتواصل مسلسل السلطة الاخرق للإنتقام من دارفور وأهل دارفور بما تتورط فيه من عداواتٍ في حلقاتٍ متداخلة، لن تنفك إلا بإزالة النظام جملة واحدة، وتحقيق خلاص شعبنا الطيب من هذا الكابوس المقيت.
هذا ما تنطق به معاني تقرير مفجع أليم (أمل شوشه: قوات الأحتياطي المركزي ترتكب مجزرة بشعة وسقوط 78 بين قتيل وجريح، برام جنوب دارفور، سودانيزأولاين،21 يونيو). تعّبر الأحداث عن إصرار السلطة علي إستعداء الشرطة علي المواطنين، والتسرع الصادي عديم الأخلاق في إطلاق النار خارج نطاق القانون والقضاء، مما يثير الغضب الشديد من تسوئ سياسات السلطة للعلاقات الإنسانية بتفجير النزاعات وتوسيعها بين السكان، ويبعث الأسي والحزن العميق علي انتشار العنف بدلا عن التعايش السلمي والإحترام والتآخي الكريم المتوارث عبر القرون بين أهلنا السودانيين في أرياف وطننا الكبير، وجيرانهم الذين تجمعنا بهم أواصر التاريخ، وآمال القابل السعيد، والنضال المشترك لتحقيق الوحدة والتقدم ضد الظلم والتخلف المشين.
دوّن التقرير شهادة دامغة للسلطة علي تورطها في المزيد من الجرائم ضد الإنسانية. ولن يرحم التاريخ إنقلابييي المركز علي ما فجرته سياساتهم الحمقاء من عداواتٍ في الأقاليم وما بينها، وما أهدروا من دماء المساكين والأبرياء حيثما امتدت إلي ربوع أوطاننا سياساتهم القبيحة بزرع الفتن والخصومات بأشرس قتال. إن الثقة لا تتزحزح في قدرات شعبنا علي تجاوز هذا البلاء العظيم. فبالرغم من الاوضاع المميتة، يتجدد الأمل في نفوس أهل البلاد الوطنيين الشرفاء في كل مكان، بكل فصائل معارضتهم الحكيمة. فالنضال من أجل الشعوب قرار بطول الحياة. لا يستريح أهله إلا بإقامة العدل وإيفاء الحقوق.
تستقطب الجماعة الحاكمة في كل يوم غضب الشعب السوداني الكظيم، وتنفخ في كير العداء بطشها الدموي بإنسانه المظلوم. ولن يستديم حكم ظالم، ولو إستهلك كل جيوش الأرض. يواصل شعبنا الرفض المنظم لهذا النظام المعتدي الأثيم يوما بعد يوم، إلي أن تطويه قمامة التاريخ. "وَلنْ تجدَ لسُنةِ اللهِ تبْديلاً". فلا يجب أن ينصاع أبناؤنا في الشرطة والقوات المسلحة "لمَخلوق ٍفي مَعصِيةِ الخالِق"، دع عنك أفندية قرقوش. يبطشون بأهلهم. ويطيلون عمر النظام ليُمعن في سفك الدماء والفساد في الأرض. لا بد يا صاحبي من وقفةٍ هائلةٍ مع الضمير لتقويم الوضع. ونصرة الشعب.
المشاركة السياسية أوْلَي
في الوقت الذي يصّعد فيه الإنقلابيون الإسلاميون من سوء حفلهم بشعبنا، وتوعد رئيسهم بالمزيد من الحرب والنزاع مع حكومة الجنوب، وإستفزازها بأساليب للإستسلام، والإبتزاز بشروط قطاع الطرق لنقل نفط الجنوب بتقاسم الإيراد، وإلا منعت عنها الأنابيب الناقلة لموانئ التصدير شمال شرق البلاد، تأسي الرئيس أوباما للكارثة الإنسانية المتفاقمة في جنوب كردفان: "مع التقارير المقلقة للغاية عن الهجوم القائم علي الأعراق، تدين الولايات المتحدة كل أنواع العنف، خاصة قصف القوات المسلحة السودانية الجوي للمدنيين، ومضايقة قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام وإرهابها".
أشاد الرئيس الأمريكي في بيان عاجل (22 يونيو) "بالإتفاق المبرم في أديس أبابا بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان للحد من التوترات في أبيي، والسماح لقوة تابعة للأمم المتحدة من إثيوبيا لحفظ السلام في المنطقة. وإشادة بالأطراف لإتخاذها تلك الخطوة نحو السلام، وحثهم علي المضي بها قدما في الحال، ليتفقوا علي إيقاف فوري لإطلاق النار في جنوب كردفان. إن الطرفان إلتزما بإتفاقية السلام الشامل لحل إختلافاتهما سلميا, وعلي كل من الطرفين مسؤولية إنهاء العنف الجاري، بما يأذن لبلوغ العون الإنساني توا للجمهور المُعاني، الذي أخرج من دياره، وقطع عنه عون الخارج".
إلا أن للإشادة شروطا وعقبة: "مع عقد إيقاف لإطلاق النار في جنوب كردفان، مصحوبا بإتفاقية لإنزال قوات حفظ السلام في أبيي، يمكننا أن نعيد عملية السلام لمسارها. ولكن، من غير هذه الأفعال، لا يمكن مواصلة خارطة الطريق لإقامة علاقات حسنة مع حكومة السودان، مما سيعمق من عزلة السودان في المجتمع الدولي. فبدون إيقاف لإطلاق النار، ومن غير إجرآء مفاوضاتٍ سياسية، لا يُتاح لشعب جنوب كردفان التمتع بالحق في مخاطبة همومهم السياسية. تتطلب المفاوضات الجارية الآن في أديس أبابا الإلتزام العاجل من كل من الجانبين بالسلام، والإتفاق لتمكين العون الفوري للمدنيين، المُحاط بهم في هذا النزاع".
تعليقنا:
يشجع مفهوم المشاركة السياسية المدرك من بيان الرئيس الأمريكي تواصل العلاقات الفوقية الأمريكية-السودانية، بمحض الإختصاص القانوني-الدولي،علي إرضاء المعايير الدولية "المختارة" لتخفيف التوتر، بتليين القرارعلي نحو موقوت، تبرز فيه حاجات الخارج علي إشكالات الداخل بما يخفف التوتر الجاري. تسكين الألم ليس حلا للإدمان. يعلم السودانيون أن السلطة المهاجمة من موقع الدفاع، لا حبا في الشعب ومصالحه وسلامه، تتراجع تخوفا وجزعا لحظة، ثم تعود أشد إصرارا علي الهجوم وإستدامة النزاع.
• عاش شعبنا منذ إنتهاء الزيارات المكوكية للمبعوث الأمريكي الفاضل السناتور دانفورث قبيل التوقيع علي إتفاقية السلام الشامل 2005، مشاركة جزئية بينه وبين التجمع الوطني الديمقراطي، توقفت عند باب المفاوضات الحقيقية بين حكومة الإنقلابيين الإسلاميين والحركة الشعبية، في أكبر إمتهان للحركة الجماهيرية السودانية في تاريخ وطننا الحديث.
• هزلت إتفاقات السلام والإستقرار بين بؤر النزاعات الأليمة (الحدود، النفط، السلطة)، إذ بقي الجسد الأكبر من جماهير الأمة السودانية مهمشا من أرباب السياسة الدولية ومنفذيها المحليين، مُستبعّدا، عدا لقاءات ثنائية علي هامش زيارات الشخصيات الرسولية، أو إجتماعات مغلقة يخشي القائمون عليها من إعلانها، ويحجمون عن إشراك الجماهير في أسرارها.
• قبض الإنقلابيون أصلاً علي سلطة الدولة بشرعيةٍ غير مستحقة، ما أكسبها زيف الإنتخاب إلا ضلالا وكذبا. كرست حكومة الجنوب جهدها مع الخرطوم بحكم إتفاق السلام. ولكنها انصرفت بلا سببٍ مقنع بعد رحيل الزعيم السوداني الوطني الوحدوي المحبوب جون قرنق دي مبيور، لتحضير الجنوب لبرنامج ناقض خط شعبنا الديمقراطي، في أهم بنوده الوحدوية: التوحد السياسي بين قوي التجمع في الجنوب والشمال؛ الإلتزام بالدستور الإنتقالي، مع ضرورة ترقيته بدستور التجمع ومواثيقه الخصبة؛ والتضامن العملي مع القوي الوطنية الديمقراطية من أجل سودان موحد جديد. ولأن هذا البرنامج حيٌ وشعبيٌ عريض، يظل خير طريق لتقدم البلاد، إنفصل الجنوب أم عاد.
• كان سلبيا، محبطا، وغير صحيح حاصل هذا الإستبعاد العملي لدور الحركة الجماهيرية السودانية بكافة أحزابها ونقاباتها وتنظيماتها المدنية والعسكرية في عملية صنع السلام العادل الدائم، وتعويق حفظه بين القوميات والأقليات والأقاليم السودانية التي ما فتئت تدور في قلب الصراع بلا قرار ناجز. فها نحن اليوم بعد ست سنوات عجاف، موبوءة بالصراع والغلاط وتزوير الإنتخاب والتسلط والإزدراء، نواجه مخاطر الحرب الأهلية والتدخل الخارجي وفقدان السيادة الوطنية، كما لم يحدث من قبل.
• المشاركة السياسية الكاملة وحدها هي التي تعين حقا علي إنهاء الأزمات، وتصحيح المسار. سواء مضي الجنوب في طريقه دولة ذات سيادة، أو عاد مع شماله دولة واحدة، الضامن الوحيد للسودانيين هو ثبات الديمقراطية الدستورية في شمال القطر وجنوبه. لن تحيا ديمقراطية بلا ديمقراطيين. وليس هناك دستور يصنقر علي رأسه إنقلابيون.
• فمتي تدرك الأمم المتحدة والقوي الدولية المعنية أن السودانيين أرباب، لا يستقيم لهم حال، ولا يهدأ منهم مصارع، وأطراف القتال بعضها داخل الصالون، وكل الشعب في الشارع؟!
وغداً يومٌ جديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.