ليست هذه هى المرة الأولى التي يعلن فيها عن لقاء بين الرئيسين. كذلك لم تكن الأولى في إعلان التوصل إلى اتفاق مبدئي حول كل أو معظم القضايا العالقة. إلا أنها بكل أسف فشلت في المرات السابقة. ونأمل أن يتحلى الرئيسان بكل المصداقية والجدية هذه المرة لوقف الحرب واستقرار الأمن وتبادل المنافع التجارية والبترولية بين البلدين. فالشعبان يسحقهما الفقر والصراعات القبلية لاعتماد كليهما على السلعة الواحدة الناضبة المتمثلة في البترول. إلى جانب الأسباب الموضعية الأخرى في البلدين والتي تسببت فيها الحكومتان. عدم الوصول إلى حلول حاسمة هذه المرة ليضع فرصة ربما لا تتكرر مرة أخرى، اذ غالباً ما ينضب معين صبر القوى الاجنبية المتوسطة في حل النزاع بين الطرفين. واذا لم يحدث ذلك، فكل الأدلة تشير إلى أن تدخلاً مباشراً أو غير مباشر من القوى الاجنبية سيفرض نفسه استناداً إلى القرار(2046) المقر من الأممالمتحدة ومجلس الأمن ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث اذا نفذ ذلك القرار. مايثير هذه الشكوك هو أن ماتم حتى الآن بين الرئيسين لا يبشر بأن تغييراً حقيقياً قد تم في الموقف التفاوضي للبلدين. ولا زالت الهوة شاسعة بين الموقفين. فالسودان يعتبر أن حسم القضايا الأمنية هو العامل الحاسم في حل الخلافات، ولذلك يطالب بوضعها في قمة أجندة المفاوضات ورغم علمه بأنها- أي القضايا الأمنية- شائكة ومعقدة ومتعددة الجوانب. فهي تمتد من ترسيم الحدود إلى وضع ابيي وتبعيتها لمن، وكذلك وضع الكثير من المناطق الحدودية. وهى قضايا وصلت قمة التنازع بين البلدين وكل يدعي أنها من نصيبه وفي داخل حدوده. ومن جهة أخرى هناك قضية الفرقة التاسعة والعاشرة التابعة للحركة الشعبية جناح الشمال، والتي تستقر الآن في شمال السودان وتطالب حكومة الشمال بنزع سلاحها. ومن جهته تعتبر حكومة الجنوب إن مسألة ضخ النفط عبر الشمال- هو المصدر الأساسي الوحيد لدخلها واستقرار أمنها ومعيشة شعبها وتغطية تكلفة الحكم وغيرها من الضروريات التي تحتاج لثروات هائلة؛ تعتبره حكومة الجنوب عامل ضغط عالي تستخدمه حكومة الشمال التي ترهن حل قضية ضخ النفط بحل القضايا الأمنية. ولهذا تتوصل الضغوط بمختلف الوسائل بين الطرفين، فأثناء المفاوضات بين الرئيسين يحدث قصف لمناطق في الجنوب. وتدور معارك رحا معارك طاحنة في المناطق الحدودية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وتمتد إلى داخل عواصم هذه الولايات كما حدث مؤخراً في الفاشر. ومن جهة أخرى يصعد دعاة الحرب و الفتنة الذين كانوا ضمن أسباب فصل الجنوب دعوتهم إلى عدم المشاركة في المحادثات مع الجنوب، بل ويذهبون أبعد من ذلك إلى إسقاط حكومة الجنوب والإستيلاء عليه عبر الحرب، ويعتبرون ذلك هو الضمان الوحيد لاستقرار السودان. الآن تقف سامقة الحقيقة التي قلناها من قبل وهي أن الاتفاقات الثنائية وما تفضي إليه من مشاكل ومغالطات تصبح عصية الحل. فكل واحد من الطرفين يصر على عدم وجود رأس الآخر في جسده. بينما حكمة شعب تقول: (اذا قال لك اثنان رأسك ليس في جسدك فتحسسه) وهذا يعني ضرورة طرف ثالث أصيل هو شعب السودان الممثل في قوى الإجماع الوطني المعارض وتنظيمات المجتمع المدني الأخرى، ومشاركتها في كافة المفاوضات التي تقرر مصير الشعب والوطن. وتقول للطرفين تذكرا ما توافقتما عليه واقسمتما أمام عشرات الشهود من كافة بقاع العالم، على تنفيذه عندما وقعتما اتفاقية السلام الشامل وقلتم بالحرف الواحد: إن الطرفين يرغبان في تسوية النزاع في السودان بأسلوب عادل ومستدام عن طريق معالجة الأسباب الجذرية للنزاع. وعن طريق وضع إطار للحكم يتم من خلاله اقتسام السلطة والثروة بصورة عادلة وضمان حقوق الإنسان. واذا يدركان إن النزاع في السودان هو أطول نزاع مستمر في افريقيا، وإنه قد سبب خسائر مريعة في الأرواح ودمر البنى التحتية للبلاد، واهدر الموارد الاقتصادية، وتسبب في معاناة لم يسبق لها مثيل، ولا سيما فيما يتعلق بشعب جنوب السودان. وشعوراً منهما بالظلم والتباين التاريخية في التنمية بين مختلف المناطق في السودان التي تحتاج إلى الإصلاح، وإقراراً منهما بأن اللحظة الحالية تهئ فرصة سانحة للتوصل إلى اتفاقية السلام الشامل لإنهاء الحرب. هل نسيتم كل ذلك وتودون العودة مرة أخرى إلى الحرب وإعادة ما عبرتم عنه من مشاعر وأحاسيس مظلمة قادت إليها الحرب. هذه هي فرصتكم الأخيرة لتمنحو الحكم وصوت العقل فسحة من التفكير الجاد للابتعاد عن ما يعود بالبلدين للمربع الأول. إن من يتسبب منكما في إضاعة هذه الفرصة المواتية، أو يرفض كلاكما التنازل عن بعض المكاسب التي تدرأ الحرب، فسيدفعان الثمن أعلى مما كان عليه من قبل. إن شعبي البلدين والعالم أجمع الذي شهد توقيع اتفاقية السلام الشامل يراقب بقلق بالغ ما ستتوصلان إليه، فإذا فشلتم في حل كل القضايا العالقة فسيكون السقوط الداوي هو مصير النظامين. ولن يندم أحد في كلا البلدين، بل وفي العالم أجمع على نظامين جعلا من شعبيهما مسرحاً للحروب. الميدان