مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مزاعم تهديد الوجود العربي في السودان .. كرت دفاع الإنقاذ الأخير
نشر في سودانيات يوم 20 - 05 - 2013

في العام 2000 – ان لم تخني الذاكرة - كتب البروفيسور، عبد الله على ابراهيم فى بابه اليومي (الذي يصلحك) بصحيفة (الصحافي الدولي) كلمة بعنوان (الانقاذ في شمس الله) قال فيها: ان الانقاذ هي آخر حكومة للجلابة لأنها جاءت (متحزمة) بمعاني عزيزة عندهم وهي الاسلام و العروبة والقوات المسلحة وانها – الانقاذ - وضعت الجلابة (حسب المصطلح الذي استخدمه) عند منتهى فكرتهم في هذه المعانى .
وقد كانت هذه بالفعل خطتها لمناهضة خصومها المعارضين ووقود دعايتها فى الحرب الدينية التى اججتها ضد الحركة الشعبية، الجيش الشعبى فى جنوب السودان، والمناطق الاخرى التي كان يدور فيها الصراع حيث استطاعت (الانقاذ) الى حد كبير تصوير صراعها من اجل البقاء في الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة والاقتصاد على انه صراع وجود للسودانيين الشماليين خاصة والمسلمين عامة رغم التحالف المبكر للحركة الشعبية مع القوى السياسية الشمالية الكبرى فيما عرف بالتجمع الوطنى، و قد كانت خطة فعالة في حينها حيث كانت – الانقاذ - موحدة الصف لم يسقط مثالها في أعين قاعدتها ولم يختبر الشعب السوداني مقولاتها جيدا بعد، فقد كان (حكم الوقت) كما يقول الصوفية معها.
وقد استغلت الانقاذ عبر آلة دعايتها ومن خلال تصريحات مسؤوليها حديثا منسوبا للزعيم الراحل، جون قرنق ابان سني الحرب قال فيه انه يتطلع لشرب القهوة فى المتمة، ووظفته توظيفا ايديولجيا واستفادت منه في تعزيز الرؤية الموروثة والمنغلقة اثنيا للامن القومي السوداني واستحلبت به تأييدا شعبيا بعد ان اوحت الى الرأي العام في شمال السودان ان ذلك التصريح بمحمولاته الاجتماعية والتأريخية ماهو الاّ تعبير عن خطة ومؤامرة صهيونية غربية لتغيير هوية البلاد العربية الاسلامية باخرى افريقانية مسيحية وطرد سكانها المستعربين المسلمين او استضعافهم على احسن تقدير . واتضح لاحقا ان كل الدعاية الرسمية للانقاذ من وراء التصريح المزعوم لقرنق كانت محض تخرصات مصنوعة في مختبرات الدعاية والحرب النفسية الانقاذية حيث سئل قرنق بعيد توقيع اتفاقية السلام عن صحة التصريح المنسوب له وما يقصده به فنفى ان يكون قد قاله بل ذهب الى اكثر من ذلك بانه لا يشرب القهوة اساسا !! .
وتوظف آلة الدعاية الانقاذية المحمول الاجتماعي ذي الايحاءات العنصرية توظيفا سايكلوجيا بقصد ضرب طوق من العزلة على خصومها بغرض منعهم من التأثير على الوعي العام في شمال السودان حتى لا يعى الحقوق المشروعة للمستضعفين فى الهامش السودانى ومن ثم يتعاطف معهم، لانها تعد الغرائز العنصرية المتدنية خندق دفاعها الاخير .
وفي ذات السياق وعلى نفس الايقاع استلت مختبرات الدعاية الحربية لنظام الانقاذ حديثا مكتوبا للمستشار السياسي لرئيس الحركة الشعبية – وقتها - الدكتور منصور خالد في تسعينيات القرن المنصرم دعا فيه السودانيين الشماليين الى الاستعداد للقبول بحكم اول رئيس غير عربي وغير مسلم . وقد سألت الدكتور منصور خالد فى حوار اجريته معه اثناء مفاوضات السلام بنيفاشا الكينية ونشر بصحيفة (الصحافة) فى مايو 2004 عن ما قصده من وراء حديثه ذاك فأجابني بان حديثه ذاك اخرج من سياقه بشكل متعمد وانه شخصيا حينما قاله قصد منه انه طالما ضمّنا في كل دساتيرنا ان المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات فينبغي لنا الاستعداد لدفع مستحقات هذا الالتزام الدستوري بقبول مبدأ ان يحكمنا اي شخص بغض النظر عن دينه او عرقه .
و لما كان متعذرا استخدام الدعاية الدينية في الحرب على المتمردين الدارفوريين نتيجة ان كل قبائل دارفور تدين بالاسلام، فقد ذهبت دولة الانقاذ الى خطة مكافحة (رخيصة) للتمرد كما يصفها المراقبون الغربيون، وذلك بتسليح المليشيات القبلية المستعربة ضد المتمردين الذين ينحدر اغلبهم من قبائل دارفور ذات الانتماء الافريقي الخالص وقد اعترف بذلك مدير الامن والمخابرات السابق، الفريق صلاح "قوش" في تصريح شهير لوكالة رويترز فى العام 2004 بأنهم "قصفوا القرى وسلحوا القبائل العربية وان ذلك كان خطأ". وقد ادى ذلك الى ضرب كامل النسيج لمجتمع متعدد عرقيا انبنى على التعايش وتبادل المصالح منذ مئات السنين و ذلك نتيجة لقصور نظر الدولة المركزية في تعاطيها مع حل مشكلة سياسية كقضية المطالب السياسية والتنموية لمتمردي دارفور. في الوقت الذي استمرت فيه آلتها الاعلامية الحربية في بث دعاية بنفس المحمولات الاجتماعية والتأريخية التي تصور الصراع لسكان الشمال والوسط بانه صراع وجود منعا لأى تعاطف مع التداعيات الانسانية التي خلفها استخدام القوة المفرط ضد المدنيين العزل فى دارفور .
وظل دماغ الانقاذ السياسي والامني مهجسا منذ ما قبل اتفاقية السلام وما بعدها من ما اسمته مراكز الدراسات الامنية التابعة للسلطة ب (الحزام الاسود) الذي يطوق العاصمة الخرطوم وهو اشارة الى مجموعات النازحين المنحدرين من جنوب السودان وبقية مناطق النزاع في البلاد او تلك التي تأثرت بالجفاف والتي استوطنت العشوائيات حول العاصمة على اعتبار انها يمكن ان تستخدم كمخلب لجهات معادية، للانقضاض على وتهديد الامن في العاصمة الخرطوم. لكن بعد انفصال الجنوب عقد امين امانة الزراع والرعاة بحزب المؤتمر الوطنى الحاكم، فتحي محمد خليفة مؤتمرا صحفيا قال فيه (وقد بدا الارتياح ظاهرا في ثنايا حديثه) : "ان التركيبة السكانية للسودان تغيرت بعد الانفصال وان خريطة ديمغرافية جديدة اخذت في الظهور في بعض المناطق بالسودان كاشفا عن ان تجمعات سكانية في شمال السودان بدأت في الاختفاء كلياً وجزئياً بعد ظهور نتيجة الاستفتاء ضاربا المثل بمنطقة دار السلام بمحلية جبل أولياء بولاية الخرطوم، ومنطقة أبوعريف بولاية سنار" (سودان تربيون 17 مارس 2011) .
وحينما اصدر الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة اتهام ضد الرئيس البشير كان خط التعبئة ضدها يستخدم ذات الخطاب والايحاءات التي استخدمت في حروب الانقاذ ضد مواطنيها في الهامش السوداني، وتزامن ذلك مع اعلان الحركة الشعبية عن عزمها ترشيح رئيسها النائب الاول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب – وقتها - سلفاكير ميارديت في انتخابات رئاسة الجمهورية التي كانت وفقا لجدول تنفيذ اتفاقية السلام قد بقي لها عام واحد ولم يكن في اعلان الحركة ذلك ما يريب وفقا لنصوص الاتفاقية والدستور الانتقالي وخطاب الحركة منذ عودتها الى العمل السياسي السلمي حيث اكدت باكرا انها ستخوض الانتخابات في كافة مستوياتها، لكن اجتهد الانقاذيون في الربط المتعسف ما بين مذكرة الاتهام الصادرة ضد الرئيس البشير من لاهاي وما بين ترشح سلفاكير لرئاسة الجمهورية مستنكرين على الرجل و حزبه حقهما الدستوري في خوض الانتخابات والفوز بها وقد صرح مدير الامن و المخابرات –وقتها - الفريق صلاح "قوش" من ولاية كسلا في ذات الاطار واصفا ما يدور بانه "ضغوط غربية لتغيير تركيبة الحكم في البلاد" (صحف الخرطوم 19 اغسطس 2008) متغافلا عن الحيثيات القانونية الواقعية التى تأسست عليها مذكرة الاتهام ضد الرئيس البشير بناءً على تصريحاته –البشير- في الهواء الطلق واعترافات "قوش" شخصيا وفقا لتصريحه آنف الذكر لوكالة رويترز فى العام 2004 !! . وقد نحا نائب الرئيس، على عثمان محمد طه ذات منحى تصريحات قوش هذه حينما زار القاهرة العام 2009 وفي لقائه مع المثقفين والكتاب المصريين مبينا ان السودان مستهدف في هويته العربية !! .
وقد اشار المبعوث الرئاسي الامريكي الاسبق، اندرو ناتسيوس الى مخاوف الانقاذيين ذات البعد الاثني هذه في سياق مقال شهير له نشره بمجلة (فُرِن افيرز) عدد اغسطس 2008 بعنوان (ما وراء دارفور) حيث قال ان الرئيس البشير قد عبر له فى لقاء منفرد بينهما عن انه ربما سيصبح آخر رئيس عربي للسودان واضاف ان معارضين شماليين لنظام الرئيس البشير قد عبروا له ضمنا ايضا عن عدم طمأنينتهم من مخاطر شبيهة لما اشار اليه الرئيس البشير صراحة.
وتعكس مخاوف الرئيس البشير التي اشار اليها ناتسيوس طبيعة تفكيره والنظرة الموروثة لمفهوم الامن القومي السوداني ذي المحددات الاثنية الضيقة وقد كشف زعيم الاسلاميين حسن الترابي للرأى العام وفى ندوة مفتوحة بميدان المولد اثناء حملة انتخابات العام 2010 عن ان مسؤولا رفيعا بلجنة التحقيق الوطنية المشكلة بموجب قرار من الرئيس البشير نفسه اخبره ان البشير قال له ردا على اتهامات الاغتصاب للحرائر من نساء دارفور فى ملابسات الصراع الدائر هناك: (الجعلى كان ركب الغرباوية ده شرف ليها)!! وعاد الترابى نفسه فى العام التالى ليصف تلميذه السابق البشير في ندوة بالقاهرة فى العام 2011 بأنه (عسكري بدائي يصف الجنوبيين بالعبيد وكان يطلق على علي الحاج "الفريخ") . وهو ما قاد ايضا وزير الخارجية، على كرتي ومن داخل قبة البرلمان في ابريل من العام الماضي الى انتقاد تصريحاته – البشير- التي كان قد فهم منها انه يصف الجنوبيين بالحشرات وانهم لا تنفع معهم الا لغة العصا في اشارة الى بيت الشاعر المتنبى (لا تشتري العبد الاّ و العصا معه ...) ووصفها كرتي ضمنا بانها (عنصرية) وانها اضرت بمصالح وصورة السودان في افريقيا !.
بعد توقيع قوى سياسية معارضة مع الجبهة الثورية التي تضم حاملي السلاح في دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال لميثاق الفجر الجديد، اعتمدت الانقاذ نفس خطة المناهضة القديمة فقد وصف عضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، قطبي المهدي وثيقة الفجر الجديد بأنها "سيئة للغاية وتسعى لانتزاع السودان من هويته العربية والاسلامية" (الرأى العام 17 فبراير2013) . و قال مساعد الرئيس ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، نافع علي نافع في لقاء جماهيري بمحلية "ابوقوتة" بولاية الجزيرة : " نحن من بقايا الأندلس والصحابة، وراية الإسلام لن تسقط لا بكمبالا ولاغير كمبالا، ديل تحت كرعينا والباقين تحت مراكيبنا" (صحيفة السودانى 27 يناير 2013) ورغم الغطاء الديني لاستدلال نافع ولكن دلالة المكان الذي قيل فيه وهو ولاية الجزيرة وعبارات الازدراء "تحت كرعينا و مراكيبنا" تبين بوضوح المحمول الاجتماعي ومقاصده العنصرية في ثنايا خطاب المسؤول الانقاذي الرفيع ويسند هذا التحليل ان نافع نفسه كان قد عبر بوضوح في وقت سابق عن قناعاته و افكاره هذه في لقاء موسع مع صحفيين واعلاميين حينما قال :" إن المعركة أضحت واضحة بين فريق السودان الجديد وفريق الأوبة والتوبة إلى الله، مشيراً إلى أن فريق السودان الجديد قد أعلن عن وجهه في أمريكا بأنه يضم الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان بما يعني السودان الأفريقاني العلماني الذي لا وجود للآخرين فيه" (صحيفة السودانى 12 يونيو 2012) . لكن ما يدحض فهم نافع لرؤية السودان الجديد بأنها رؤية افريقانية اقصائية هو صاحب الرؤية نفسه الزعيم الراحل، جون قرنق في حديثه الى اسرى القوات المسلحة عام 1997 بمدينة ياي حينما قال : "وناس برضو بيقولوا السودان لازم يكون عربي، ونحن برضو بنقول لا، القوميات العربية جزء لا يتجزأ من قوميات السودان، لكن موش كل الناس عرب، وده برضو واضح.. فنحن بنقول يا جماعة كدي الطائفية والانحياز للجنس ده، كدي نسيبو، ونبني دولة بتاعتنا كلنا.. بيقولوا العروبة في خطورة.. الثقافة العربية ثقافة سودانية، جزء من الثقافات بتاعة السودان، ده ما فيه شك، لكنها واحدة من الثقافات.. النوير عندهم ثقافة، والفور عندهم ثقافة، والنوبة عندهم ثقافة، والدناقلة والبجة والدينكا عندهم ثقافاتهم، وكل الثقافات دي هي البتكوّن السودان.. ومافي واحدة من الثقافات دي مهددة، مافي خطورة على أي واحدة منها، سواء كانت ثقافة عربية أو افريقية أو غيرها في السودان.. فالتعدد الثقافي ده حاجة حلوة، حاجة كويسة، ما بطالة.. خلينا نبني بيها السودان الجديد النحن بنتكلم عنه ده " (صحيفة اجراس الحرية اكتوبر 2008 ) .
ويتضح من هذا ان الاقصاء متمكن في رؤية وعقل الانقاذيين وليس عند خصومهم الطامحين الى نيل حقوقهم في وطنهم، ولا تجرؤ الانقاذ ولا منظريها على اتخاذ موقف فكري وسياسي شجاع مثل الذي اتخذه المصلح الديني و السياسي، محمود محمد طه حينما اكد بجرأة و ببصيرة ثاقبة على اننا افارقة و لكن لساننا عربي و دعا الى الانسحاب من الجامعة العربية، رغم وعيه التام بالحديث النبوى (الناس مصدقون في انسابهم) وهو الداعي الى بعث السنة النبوية المطهرة لتكون هي القيم التي تتحاكم اليها انسانية القرن العشرين جمعاء وليس المسلمون فحسب وهو ينطلق في مواقفه السياسية ورؤاه الفكرية من داخل فضاء الدين الاسلامي و لكن برؤية وروح منفتحتين على الانسانية و مستوعبتين للخبرة والتطور الانساني وموجهة له .
و للمفارقة فان نفور المستعربين من قادة الانقاذ من مكونهم الافريقي وانكارهم للتنوع الثقافي والعرقي ولحق الآخرين من ذوي الاصول الافريقية الصرفة المساكنين لهم في الوطن في التمثيل والتعبيرالعادل لهوياتهم في لوحة الوطن، لم يجدوا لهم نصيرا في محنتهم و محنة قيادتهم سوى ان يلوذوا دبلوماسيا وسياسيا بافريقيا ، فقد تمسكت "الانقاذ" بقوة أن تكون ولاية حفظ الامن في اقليم دارفور المضطرب للقوات الافريقية في الوقت الذي كان المجتمع الدولي يضغط بشدة من اجل نشر قوات دولية في الاقليم، وبررت الانقاذ موقفها باستلطافها للافارقة عوضا عن الخواجات و الآسيويين وكلهم اجانب في التحليل الاخير "بأنها تعول على الحد الادنى للتضامن الافريقي"، كذلك تمسك الانقاذ بأسنانها وأظفارها على قرار الرؤساء الافارقة ومجلس السلم والامن الافريقي الرافض لمحاكمة أي مسؤول افريقي خارج القارة و الذي استصدر خصيصا من اجل التضامن مع الرئيس البشير في وجه مذكرة القبض الصادرة ضده من قضاة المحكمة الجنائية الدولية فى مارس 2009 . واعترف وزير الخارجية على كرتي "بأن انحسار التمثيل الدبلوماسي للخرطوم في بداية عهد الإنقاذ كان قراراً غير مدروس بشكل صحيح، وأثر سلباً على وجود السودان في أفريقيا، مؤكداً أن التحركات الأخيرة لإحباط قرار إحالة ملف السودان وجنوب السودان إلى مجلس الأمن كشف للقادة السودانيين أن بناء الثقة مع القادة الأفارقة وشعوبها أمر لا مناص منه" (برنامج مؤتمر اذاعي بالاذاعة السودانية الاول من فبراير 2013 ) . وأشاد مساعد الرئيس، نافع على نافع في كلمة امام الملتقى النقابي الافريقي الذي انعقد بالخرطوم "بدور الاتحاد الأفريقي في مساعيه لحل قضايا السودان في الإطار الأفريقي، وقلل من دور وسائل الإعلام العالمية التي تروج للمعلومات المغلوطة لأهدافها الغربية والأمريكية الخبيثة، واعلن عن مبادرة لإنشاء مجلس الأحزاب السياسية الأفريقية، موضحا أن الهدف منه مزيد من الحوار ضد محاولات التدخل في القارة الأفريقية" (صحيفة الراكوبة الالكترونية 7 فبراير 2013 ) . و اعتبر امين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الوطنى الامين العام لاتحاد نقابات عمال السودان، ابراهيم غندور "تسييس معايير العدالة واستخدامها لحصار الدول التي تحاول أن تمتلك قرارها، قطعا غير عادلة، ومن هنا لا بد لنا من الإشادة بالاتحاد الإفريقي الذي يؤكد وكثير من قادته في كل يوم أن مشاكل القارة الإفريقية، لا بد من أن تحل داخل إطار البيت الإفريقي" (الشروق نت 6 فبراير 2013 ) .
الانقاذ كانت قمة تجليات علاقة الدولة بالعرق في السودان واستخدمت كرت "العروبة المهددة" هذا حتى ابتذلته في صورته السافرة المتمثلة في منبر السلام العادل وصحيفة الانتباهة اللذين خرجا من دماغ النظام الامني بعيد اتفاقية السلام كترياق شمالى ضد تمدد الحركة الشعبية برؤيتها للسودان الجديد شمالا و للتوضيح لها ان الشماليين اكثر زهدا فى الوحدة مع الجنوب من الجنوبيين وفقا لما اقرّ به مدير الامن والمخابرات السابق ،صلاح قوش وهو يعبر عن حسرته لأنه كان فريسة لحملة صحيفة "الانتباهة" وذلك فى مجلس انس مع اسلاميين فى القاهرة قبل عامين .
ويقول تقدير موقف وضعه مركز (الجزيرة) للدراسات ، القطرى فى 8 ابريل 2013 بعنوان (السودان .. فرص المعركة الدستورية) : (يفترض سيناريو الحفاظ على الوضع رفع شعار أيديولوجي جامع يعوض النظام عن شرعية الانتخابات الحقيقية، وقد كان هذا الشعار هو الإسلام والعروبة، ولكن سياسة الحكومة أفقدته كثيرًا من هيبته وتأثيره بعد أن كان من نتائجه انفصال الجنوب والحرب في دارفور. فلم يعد للنظام شعار أيديولوجي في رصيده يبرر به بقاءه في السلطة) .
وقد وضعت الانقاذ بسلوكها هذا المستعربين السودانيين في مأزق كبير مع اخوتهم المساكنين لهم في الوطن من المجموعات العرقية المنحدرة من اصول افريقية صرفة وهددت وحدة البلاد الوطنية بخطتها البائسة هذه ويقول الاكاديمي والناشط المدني المعروف، صديق امبدة "أن نظام الإنقاذ في طريقه لان يصبح معكوس حكم الخليفة عبد الله والذي نقل قبائل الغرب بالإكراه لامدرمان لحمايته وحماية حكمه. لكن من العيب والإفلاس السياسي ان تلجا الإنقاذ الى وسائل بالية عمرها اكثر من مائه عام، فهى لم تجد لا في كنانة الإسلام ولا في جراب السياسة الحديثة من الوسائل والأساليب ما يعينها على المحافظة على الحكم الاّ التمكين والإقصاء وعنف الدولة . و يضيف: أن التعددية العرقية والثقافية والتباين الاقتصادي والتنموي لا تعالج بالتمكين والإقصاء وإنما تدار بروح القبول للآخر وبالرؤية والبصيرة النافذة والعمل الدءوب على ردم الهوة وتجسيرها بان تجلس الحكومة وتفكر في رد الظلم، وليس مطاردة المتظلمين في "كراكيرهم" وغاباتهم وضربهم بالدبابات في البر وبالانتنوف من الجو (حتى يقبلوا ما تقرره لهم الحكومة عن يد وهم صاغرون)" (مقال بعنوان – الانقاذ من العقيدة الى القبيلة- سودانايل 6 ابريل 2012 ) . لكن هذا النوع من إدارة التعدد يعتمد على فهم الحكام للتعدد العرقي والثقافي وهل هو نعمة ام نقمة ؟ .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.