[email protected] طالعت منشوراً بصحيفة (سودانايل) الالكترونية مقالاً جيد الصياغة، حاول فيه الدكتور غازي صلاح الدين، القيادي بالمؤتمر الوطني، والقيادي بسلطة الانقاذ التي حكمت السودان لأكثر من 24 سنة بعد انقلابها الشهير على النظام الديمقراطي سنة 1989. والذي لا شك فيه أن هذا النداء الطموح قد حوى من حيث التنظير والتعبير، وبتوصيف حصيف ودقيق، معظم ما ينشده السودانيون ويتمنونه لبلادهم اليوم، مما يجعل القاريء يتساءل: إذا كانت هذه هي قناعة أحد قيادات الحزب الذي أورد بلادنا هذا الدرك السحيق، وكان هذا هو التصور الرائع والشامل لما يجب أن يكون عليه الأمر، والذي لا أشك في أن غالبية زملائه في قيادة المؤتمر الوطني لا بد يعلمونه أيضاً، إن لن نقل بأمهم يتفقون مع صحة تنظيره وأهدافه النبيلة، فما الذي يمنعهم من تبنيه بالفعل إن كانوا ينشدون خير هذا البلد كما ننشده، وينشده كاتب النداء؟ فكما يبدو جلياً وظاهراً هو أن هذا هو السبب الذي حدا بالدكتور غازي أن يكتب نداءه، والذي لن يغيب عن بالنا كذلك أنه قد نشط مؤخراً في ترديد مثل هذه الدعوات الاصلاحية، مثلما أكد هو نفسه في المقال المنشور. بل إن السؤال الأكثر الأهم هو: منذ متى علم الدكتور غازي بأن هذه هي مطلوبات الحكم الرشيد في السودان، من الذين حكموه طوال هذه السنين من حكم الانقاذ، قبل أن يكون هو المطلوب من المحكومين من قيادات المعارضة وقيادات منظمات المجتمع المدني، انتهاءً بالمواطنين العاديين ممن ليس لهم اي اهتمامات عامة غير تأمين العيش الكريم؟ وهل هذا المعلوم بالضرورة من المطلوبات السياسية كان غائباً عن الدكتور غازي، وعن قيادات الانقاذ طوال هذه السنين؟ هل كانوا يجهلون مثلاً بأن العدالة والحكم النزيه، ورعاية حقوق المواطنين وتأمينهم من كل شر، وحمايتهم، وتقديم كل الخير المأمول في هذا النداء، والذي هو عين ما وعدوا به شعبهم، وما جاءوا لتحقيقه حين دبروا انقلابهم على النظام الديمقراطي قبل 24 وعشرين سنة، هي جميعها مما كان يجب عليهم أن يعملوا؟ ألم يكونوا يعلمون كيف يسيرون في هذا الطريق للوفاء بما وعدوا؟ لماذا إذن لم يفعلوه؟ وما الذي يجعل الدكتور غازي يؤمل بأنهم سيفعلون الآن؟ بل لماذا ظل هو يشاركهم كل خطواتهم بالسير في طريق شيطاني، اتجاهه معاكس لاتجاه طريق الحق الذي يعلمون، حين نكلوا بشعبهم الذي ما أتوا إلا لينقذوه، وقد سموا سلطتهم المغتصبة (بثورة الانقاذ) لتأكيد أهدافهم النبيلة هذه؟ الأسئلة التي تلح لتطرح نفسها على هذا الشاكلة كثيرة، بلا عدد ولا حصر، ولو أردنا أن نجد لها اجابة من الدكتور غازي، فلن يكون ذلك بغير أن يرجع هو لنفسه، ويحدثنا بصدق كيف تم له أمره الذي أوصله ليقظة الضمير هذه، والتي أتعشم من باب تحسين الظن، بأن تكون مؤشراً حقيقياً لتغيير جوهري حصل له، كما أرجو صادقاً أن تكون معبرة عن نية حسنة صادقة، إن لن نقل معبرة عن توبة عن آثام كثيرة شارك جماعته في ارتكابها، وراح ضحيتها الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب الأبرياء، كما تشرد من جرائها الملايين غيرهم، ولا يزال ملايين غير هؤلاء وهؤلاء يعانون من ويلات حروب مستعرة ومستمرة، لا يزال يشنها النظام الغاشم، الذي لا يزال الدكتور غازي يتنمي إليه، ويمثله في ما يسمى بمجلسه الوطني، ولا يزال هو المرشح لتولي الجديد من مناصبه السياسية. هذا البحث الهام جداً عن الاجابات لكل هذه الأسئلة الجوهرية، يقتضي من الدكتور غازي أن يرجع إلى نفسه ويسبر غورها، ليستكشف معالم الطريق الذي اوصله إلى هذه النتيجة الخيرة، وهذه الخلاصات المفيدة. فالتحليل الصادق لمسيرته مع التنظيم الاسلامي الذي انتمى إليه قبل مجيء حكومة الانقاذ، ثم مشاركته لها في جميع خطواتها بعد اغتصابها للسلطة بغير حق، إلى أن بلغ أخيراً يقظة ضميره التي هدته لأن يكتب هذا النداء الاصلاحي، سيبين له ولزملائه من قادة الانقاذ، ولنا كذلك، كيف يتم التصحيح الجذري الصادق من داخل النفس، والذي بدونه لن يتم اصلاح مهما كانت روعة صياغته أو نواياه الخيرة. فإن لم يحدث التغيير من داخل نفس الدكتور غازي، ولم يحاسب نفسه على ما اقترف في حقها، وفي حق الأبرياء من ضحايا هذه الجماعة التي ينتمي إليها ويشاركها المسئولية عن جرائمها البشعة، ولم يعلن توبته النصوحة، ويتبعها بالندم على ما فات، والعزيمة الصادقة على عدم العودة إلى مقارفة الذنب، ويسعى بجد لرد الحقوق إلى أهلها، أولاً بالاعتذار إلى كل من تسبب أو شارك في أذيتهم، ثم بالسعي الجاد في سبيل تعويضهم عما لحقهم من أذى، فلن تصح توبته. هذا كما نعلم هو المعلوم بالضرورة من ديننا عند كل مسلم، دعك أن يكون عند القيادي في تنظيم اسلامي. إذا نجح الدكتور غازي في هذا العمل، بعون من الله وتوفيقه، فسيكون بامكانه أن يغير نفسه تغييراً حقيقياً، وسيكون بوسعه أن يوفق في سعيه لتغيير غيره من زملائه، وبدون هذا التغيير في النفوس من الداخل لا يجب أن نتوقع تغييراً في الخارج، وخاصة إذا كان هذا الذي يدعو له الدكتور غازي من اصلاح يتطلب تضحيات كبيرة جداً من قيادات الانقاذ، قد تصل إلى حد تنازلهم عن كل مال سرقوه، ورده لأهله، ووقوفهم أمام المحاكم ليتحملوا مسئولياتهم عن كل جرم ارتكبوه، أمام القضاء العادل الذي يشدد على مطلبه نداء الدكتور غازي الاصلاحي. ذلك لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فإذا رأى الدكتور غازي بأن هذه مطالب تعجيزية ورأى استحالة أن تستجيب نفسه لها، دعك عن أن يستجيب لها من هم على مستوى القيادة الأعلى منه من القياديين بتنظيم الانقاذ، فليرح نفسه ويرحنا من خداع نفسه وخداعنا، ويوفر على نفسه هذا الجهد الذي لن يبلغ طائلاً. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وله، ولكم، ولجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، في ليلة بدر الكبرى من هذا الشهر الكريم. سلام سلام سلام