كانت بداية تعرفنا على (الضرب) في المدرسة الابتدائية، فقد حفظنا جداول الضرب، وخبرنا (ضرب) الاستاذ لنا عقابا، ولم نكن ندرى ان (الضرب) خشم بيوت، وله مدارس وطرق شتى، وأن (الضرب) ليس (ضرب) الأرقام في بعضها، ولا (ضرب) الوالدين لطفلهما تأديبا، ولا (ضرب) المدرس لتلميذه عقابا. يقال للشيئ (مضروب) حين يكون غير مطابق للمواصفات او المعايير المطلوبة، وهي كلمة متداولة في الشارع تعبر ايضا عن الفساد الذي طال تقريبا جميع مناحي الحياة في سوداننا الحبيب، وال (مضروب) هذا (ايا كان نوعه) أو الطريقة التي تم بها (ضربه) تجده في اي بلد من بلدان العالم، المتقدمة منها والنامية، والاختلاف يكون في نسبة (المضروب) الى غير (المضروب)، والغالب والطبيعي في كل ارجاء المعمورة هو ان نسبة (المضروب) تكون ضئيلة جدا جدا مقارنة بغير (المضروب)، ولذلك يسهل كشف (المضروب) وتطبيق القوانين عليه، الا في سودان الانقاذ، فقد حدث العكس، فصارت نسبة (الغير مضروب) مقارنة بال (مضروب) ضئيلة او تقرب الى (صفر كبير). والغالب ايضا والطبيعي، أن الذين يقومون بال (الضرب)، هم خارج القانون، أو عصابات يطاردها القانون، بدون هوادة، ولكن تكون مصيبة المصائب، حين يصبح من بيدهم القانون والسلطة هم (الضاربون) وتصبح النتيجة كارثية بحق حين يتم هذا (الضرب) ليس بحماية القانون فقط ولكن ايضا باسم الدين، فهو (ضرب) الهي، أو منزل من السماء. ويصبح كل من يعترض على هذا النوع من (الضرب) كافر وزنديق وملحد وخارج على القانون، ويستاهل (الضرب) على أم رأسه. ويكون وصف (كارثة) مخففا جدا جدا، حين يكون القائمون بهذا (الضرب) هم ايضا (مضروبين)، أي لا يتمتعون بصفات الانسان السوي، وهل أدل على عدم السوية هذه اكثر من أن يسافر ريئس دولة ليهنئ ( ويحتفل ويرقص) بمناسبة تولية ريئس دولة اخرى، في الوقت الذي تغرق فيه عاصمة بلاده، وهل أدل على عدم السوية هذه اكثر من أننا جميعا فشلنا في التوصل لاجابة سؤال اديبنا الطيب صالح: من اين اتى هؤلاء؟ من هم هؤلاء؟ أبدأ من الأكل ومياه الشرب، فهي اساس الحياة، صيرتها الانقاذ احد الكماليات في بلدي، واحتكرت (الغير مضروب) منها لأنسابها وتابعيها، وليتها حتى تركت (المضروب) منها في متناول المواطن المسكين، بل امعانا منها في اذلاله وتمغيص حياته، جعلته يجري ويكد يومه كله حتى يفوز ولو بالقليل من هذا (المضروب) ليحفظ به حياته وحياة اسرته ولو ليوم واحد فقط، مع العلم ان هذا (المضروب) من (الأكل و الشراب) يعود على المواطن المغلوب على امره بكثير من الامراض والمخاطر الصحية والتي من الوارد جدا أن تؤدي بحياته، وهذا طبعا ما تتمناه الانقاذ (الانقاذ نجحت بجدارة في عكس كل النسب في الحياة السودانية لذا، أستحقت وبجدارة عكس اسمها)، فهي ببساطة تود لو يموت كل الشعب السوداني الذي لا يقف في صفها. واذا وفقك الله سبحانه وتعالى يا عدو الانقاذ في الحصول على هذا الأكل (المضروب)، والمياه (المضروبة) وتحملت معدتك اثارهما، ولم تضطر للذهاب الى الصيدلية لشراء بعض من الدواء (المضروب)، ولم ينهار فوق رأسك سقف البيت المبني من مواد جميعها (مضروبة)، وانت ساعيا في تحصيل رزقك نجوت مرة اخرى بعون الله وتوفيقه من ان يترصد بك العسكري (المضروب) وينشل ما تبقى من جنيهات (مضروبة) في محفظتك من باقي المرتب (المضروب)، وهذا العسكري (المضروب) لا يجيد في الدنيا هذه اكثر من ابتداع طرق (لنج) و كل يوم طريقة جديدة لم تكن تخطر لك على بال، لابتزازك واخذ ما تجود به محفظتك (المضروبة). تصحو من نومك يا عدو الانقاذ، وحلم البارحة ما زال يتبختر في دهاليز مخيلتك، حلم أن تعيش في سلام وامان مثل بقية مخلوقات الله وان تحيا حياة (غير مضروبة)، ولكنهم يصادرون حلمك مع اول تواصل لك مع عالم الحقيقة والواقع، تجد ان امطار البارحة قد اغرقت كل البيت وان المياه عوضا ان تنساب من داخل المنزل الى الشارع، تموج وتدخل من الشارع الى البيت عنوة واقتدارا، وذلك لأن الخيران ومصارف المياه كلها (مضروبة) والانقاذ تحتفل وتدعو الله أن تكون هذه اخر ايامك وان تقضي عليك السيول والامطار هذه في عقر دارك وتريحهم من جهد قتلك. فها هو والي الخرطوم يطل في التلفزيون الرسمي ويطمئن العالم بأن الوضع تحت السيطرة ولم يمت بعد نصف السكان أو اكثر، انها مجرد أزمة، انها ليست كارثة، هكذا يقول الوالي فهو لا يريد لهيئة الاممالمتحدة او اي جهة اخرى ان تمد لك يد العون. اللهم انا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف بنا، ويا ايها المواطن المغلوب على امرك، قم وانتزع حقك في الحياة الحرة الكريمة، فان لم تقتلك السيول والامطار والامراض، فان الانقاذ تتربص بك وهي قاتلتك لا محالة.