* لم يزعجنى فى قرار ولاية الخرطوم بمنع استخدام (الجالوص) فى تشييد المبانى السكنية ما ذهب اليه البعض من ان القرار لا يراعى أغلبية الشعب التى لا تستطيع استخدام مواد بناء غالية الثمن وان كان ذلك مما يستدعى الانزعاج الشديد بل والنقد الحاد للقرار الجائر ..!! * ولكن ما جعلنى انزعج بشكل أساسى ثلاثة أسباب: اولا، لجوء الولاية كعادة كل مؤسسات الحكومة لتعليق أسباب الخيبة والفشل والعجز عن أداء مهامها على شماعة الشعب حتى ناءت بما تحمل من أسباب فشل الحكومة العاجزة، والتى رغم عجزها لا تزال تصر على ان تحكم وتتحكم ..!! * الذى ادى لانهيار المبانى خلال كارثة السيول والأمطار الأخيرة، ليس المواد التى شيدت بها، وانما تشييدها فى مجارى السيول، او فى المناطق المنخفضة التى تحجز المياه، او عدم مطابقة المبانى المشيدة بالجالوص أوغيره للمواصفات الصحيحة، وتُسئل عن ذلك الحكومة لانها هى المسؤولة عن توزيع الخطط الاسكانية وتحديد مواصفات البناء واعطاء تراخيص البناء والتأكد من الإلتزام بما رخصت به ..إلخ، وللأسف لم يحدث شئ من كل هذا، فلقد خططت وصدقت ووزعت خططا اسكانية فى مناطق جريان السيول وأعطت تصاريح البناء بل أقامت هى نفسها مبان مثل المدارس والمراكز الصحية ومراكز الخدمات الأخرى فى تلك المناطق، الأمر الذى أدى لتهدم المبانى بفعل السيول أوانحراف المياه الى مناطق اخرى بحثا عن مجرى حسب قانون الطبيعة، مما ادى لتأثر المبانى المنشأة عليها، ولكن من أين للحكومة أن تعرف ذلك ولقد تخلصت من أصحاب المعرفة واستخدمت اصحاب الولاء والثقة الذين لا يفقهون شيئا ..!! ثانيا، جهل الولاية الفاضح بميزات (الجالوص) كمادة بناء رئيسية يلجأ اليها كل العالم ويستعيض بها عن المواد الخرصانية عالية التكلفة خاصة فى المناطق الحجرية أوالبعيدة عن مراكز الهزات الأرضية والزلازل، أو فى المناطق ذات المناخ الحار .. حيث ثبت أن لل(الجالوص) أو الجالوص المعالج بالحرارة خاصية مقاومة درجات الحرارة العالية وبالتالى فان تشييد المبانى بالجالوص فى المناطق الحارة أفضل كثيرا من بعض المواد لأنه عازل جيد للحرارة يغنى عن استخدام وسائل أكثر تلكفة لتهوية المكان وتبريده، ولقد صار هذا علما يُدرّس فى كليات الهندسة وله علماء مشهورون جدا مثل العالم المصرى الذى حظى بشهرة عالمية فى هذا المجال البروفيسور حسن فتحى (رحمه الله) الذى استنبط طرق بناء تقليدية مستفيدا من دراسة هندسة الحضارة القديمة، ولقد نجح بامتياز منقطع النظير فى ما توصل اليه، مما جعل البناء بمواد بناء تقليدية وعلى رأسها (الجالوص) يُطبّق فى كثير من المجتمعات بناء على بحوثه ودراساته، ليس فقط فى تشييد طابق واحد وانما طوابق متعددة بدون الحاجة الى استخدام مواد صلبة وذلك لتقليل التكلفة والاستفادة من ميزات مادة ال(الجالوص) التى تفتقد اليها المواد الأخرى .!! * والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة .. ( هل كانت ولاية الخرطوم تجهل هذا الأمرعندما اتخذت قرارها بعدم استخدام (الجالوص) فى تشييد المبانى، وهل أفتى بذلك مهندسوها، أم ان القرار صدر عن أحد المسؤولين غير المختصين فى شؤون الهندسة؟) * فى كلتا الحالتين فان الأمر ينبئ بخلل خطير، فأن تتخذ الولاية قرارا كهذا بدون استشارة جهازها الفنى، فهى مصيبة، وإن كان القرار صادرا من جهة ذات اختصاص، فالمصيبة أكبر ..!! الأمر الثالث هو، أين المهنيون والمختصون والعارفون للتصدى لمثل هذا القرار المعيب وشرح عيوبه وأخطائه، ولماذ يظلون بعيدين عن الكتابة والإدلاء بالرأى فى المواضيع التى تحتاج الى رأى المختصين والخبراء؟ * لقد ظللنا نعانى فى المجتمع السودانى من سلبية (أو) ترفع المختصين فى كل مجالات الحياة من طب او علوم او هندسة أو حتى الدين ..إلخ، عن المشاركة فى الهم العام مما خلق فراغا كبيرا شغله أرباع المتعلمين والجهلاء فصار الكل يفتى فى ما لا يفقه فيه وتحولنا الى أمة تسودها الخرافات ويتصدر فيها المشهد الجهلاء وأعشار المتعلمين وأصحاب الصحف الصفراء .. ولا أجد أخيرا ما أختم به أفضل من قول أمير الشعراء أحمد شوقى : العلم يرفع بيتا لا عماد له ** والجهل يهدم بيت العز والشرف !! [email protected]