من يرى "أن السودان دولة فاشلة فهو محق، لكن هل هذا يعني أن السوداني كإنسان هو كائن فاشل؟، وحين نتحدث عن " أزمات العقل الجمعي السوداني، ونصفه بأنه " تفكير مضطرب، وذاكرة مثقوبة" هل يعني هذا أن أي سوداني على المستوى الفردي هو انسان يعاني من تلك الأعراض، أو الأمراض؟. وسبب هذه التساؤلات؛ هو تعيين الأمين العام للأمم المتحدة للناشطة الدكتورة غادة عوض شوقي مستشارة رفيعة لحماية المرأة من العنف المرتبط بالنزاعات.. وغادة ثالثه أول ثلاث يتم اختيارهن لإنفاذ التزام المجتمع الدولي بتوفير افضل حماية ممكنة للمرأة في أوضاع النزاعات المنتشرة في محيطنا الإقليمي وحول العالم والاولي من الدول الناطقة بالعربية. وبالطبع لسنا في حاجة هنا للتذكير بأوضاع المرأة في عصر الانحطاط، والهوس، وسيادة تفكير بنية الوعي التناسلي. والخبر الثاني هو فوز البروفيسور عبدالرحمن حامد نور، بثلاث جوائز علمية رفيعة في المعرض البريطاني للاختراع والتكنولوجيا (the biritsh innovation and technology show) , اثنتان ذهبيتان والاخيرة جائزة لافضل مشروع عرض في المعرض ((best of the best. ومجال البروفيسور نور هو الطاقة واستخداماتها، وما أدراك ما الطاقة في السودان!. كما حصلت العالمة السودانية الشابة د.صحوة عادل نورين ، طبيبة الأمراض الباطنية على المنحة السنوية العالمية المقدمة من " لوريال يونسكو " للنساء المتميزات في مجالات العلوم للعام 2013 ضمن (15) فائزة بهذه الجائزة من مختلف أنحاء العالم . وتمنح الجائزة سنويا لخمس نساء متخصصات في مجال العلوم تنتمي كل واحدة منهم الى قارة وذلك بناء على إنجازاتهن في البحوث العلمية وقوة إلتزامهن وتأثيرهن في المجتمع ، وجرى الإحتفال بهذه المناسبة بالمدرج الكبير داخل المبنى التاريخي لجامعة السوربون بباريس بحضور " جان ول اكون " المدير العام لمؤسسة لوريال الفرنسية . هذا الثلاثي هو فخر لنا كسودانيين، وفوزهم هو بمثابة إعادة الثقة إلى نفوسنا، مع أننا في السودان نعتبر دولة فاشلة بكل المقاييس.، مثلما هي دولة منهارة بكل تأكيد، ويكفي نظرة سريعة لأي قطاع من قطاعات الخدمات، أما على مستوى عقلنا الجمعي فشلنا في التوصل إلى مشروع وطني، يجمع كل السودانيين. هذا الأمر يطرح تساؤلات؛ وأهمها كيف نحول النجاح الفردي الكبير إلى نجاح عام؟، وهل في في آخر النفق ثمة ضوء؟. وهناك حقيقة يدركها الجميع، وهي أن معظم المتفوقين، وجل العقول النيرة، والسواعد الوطنية؛ خارج مؤسسات الدولة الحالية، هناك مئات الآلاف من العقول السودانية في الخارج، لأنها ببساطة اختارت الهجرة " طائعة أو مكرهة" في مواسم رحلات العصافير الأجبارية خارج البلاد الطاردة، لأنها إما أن تكون قد أبعدت " تعسفياً" تحت مسمى " الصالح العام"، أو أنها استبعدت منذ البداية في سياق عمليات اقصاء جماعية. لقد شهد السودان أكبر عملية تجريف للطبقة الوسطى، ونزيف للعقول عبر تاريخه، لقد ذهب مئات الآلاف ؛هكذا إلى بيوتهم لأن الدولة استغنت عنهم ، وقد كان ثمن هذه المجزرة التاريخية، هو النزيف المتواصل لهجرة الكفاءات، بعد اختصار التوظيف في وظائف الشعب بشهادة الولاء، وليس غريباً أن يكون شرط من يتقدم لوظيفة " مهندس" مثلاً؛ هي حفظه لآيات من القرآن الكريم، لا درجاته العلمية، أو خبراته هي المؤهل، أو أن يكون شرط الطبيب للعمل في مستشفى هو معرفته بفقه الحيض والنفاس، لا معرفته بعلوم التوليد ، أو الجراحة، أو الطفولة، وأن يعرف الصحافي المتقدم للعمل في التلفزيون فرائض الوضوء، دون أن يعرف فن كتابة الخبر، أو مدارس الإخراج التلفزيوني، كما شملت الحملة التضييق على رجال الأعمال الوطنيين، وإخراجهم من السوق، وتعطيل صناعاتهم ، حيث توقفت نسبة 80% من الصناعات في السودان، وإغراق السوق بالصادرات الأجنبية رغم أنف شعار " نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"، واضطرار عدد من أصحاب العمل للهروب بأموالهم أو بأنفسهم على أقل تقدير. ولذلك؛ علينا أن نتفاءل رغم كل شيئ، وأن نفكر في أن الحل الأساسي لهذا التناقض هو اسقاط النظام، حتى نعيد بناء الوطن من جديد، لا سيما وأن لنا عقولاً مثل عقول غادة وعبد الرحمن وصحوة، وهم البديل، في مؤسسات الدولة الديمقراطية الحرة، ومع تركيزنا على ضرورة " البديل الفكري والمؤسسي" لا بدائل الأشخاص، إلا أن الأشخاص أيضاً هم من يبنون، ومن يؤسسون للتنمية والاستقرار.