يوسف الكويليت كلمة الرياض لايمكن التقليل من أهمية التحرك الشعبي الذي ساد دول الربيع العربي، لكن الخلاف بين الحسم بالثورة، ومقاومة أجهزة الدولة ظل معقداً، فقد نجحت الثورات بإسقاط أنظمة تونس وليبيا واليمن، وبقيت سورية تعيش معركة طويلة بين الشعب والسلطة، لكن أثبت الوقت أن الشعب السوري يملك قدرة التحدي واللعب على دورة الزمن التي ستأتي لصالحه.. في السودان جرت مظاهرات في عدة مدن احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقطعاً الحكومة ليست بمنأى عن صدام مع المعارضة إذا تهيأت ظروف تجر الشارع معها، لكن في حال السودان فالرئيس البشير أحاط نفسه بالجيش والأمن ومليشيات تعادلهما بالقوة والحجم، ثم مكّن قبيلته «الجعليين» من دعمه وفقاً للتركيبة السودانية التي جعلت القبيلة تلعب دور الدرع لمن ينتمي لها وخاصة إذا وصل أحد أعضائها إلى المركز الأول في الدولة.. التشابه بين نظاميْ سورية والسودان قائم على حلقات تحيط بالسلطة عندما منحتها الامتيازات حتى إن جهاز الأمن السوداني، هو من يمتلك القطاع التجاري من أدنى البسطات إلى قوائم الاستيراد والتصدير وحتى التقنيات، ودخول الجامعات والابتعاث يخضعان للواسطة فالأولوية لأصحاب الولاء للدولة، وفي أجواء كهذه، قد تستنسخ ثورة سودانية مماثلة للسورية، وهناك من يتردد ومن يشجع، ومن يرى أن كسر قوة السلطة يحتاج إلى عمل لم تعد قوى الثورة، إن وجدت، قادرة عليه، وهؤلاء ينطلقون من أن الحكم استطاع تفتيت قوى المعارضة وتشتيتها بطرق أقرب للبوليسية، ولذلك فإن نظام البشير يصعب تفكيكه بدون دماء وخسائر كبيرة، الجانب الآخر يرى أن البشير مثل الأسد يتكئ على تحالف غير معلن مع إيران للاستقواء بها ضد ما يزعم تلاقي المصالح ضد الغرب الذي اعتبره راعياً للإرهاب ومطالباً قضائياً.. مناطق ضعف السلطة كبيرة، إذ إن انفصال الجنوب الذي يمتلك النفط خلق مأزقاً أمنياً بإشعال الحروب بين الشمال والجنوب، وإيقاف النفط الذي كان حلم البشير بدعم اقتصاده، والذي أصبح في حال سيئة، ولولا تحويلات العاملين في الخارج من السودانيين لأصبح المشكل أكبر.. الحكومات العسكرية صارت إرثاً وعبئاً على معظم الدول العربية التي شهدت الانقلابات، وتحولت إلى قطاع مملوك للعسكر، والمحاسيب، وتخريب البنى الأساسية التي كان يديرها، ويرعاها قطاع متمرس يملك الرؤية والتجربة، وقد تحولت هذه الدول من قاعدة إنتاج زراعي وصناعي، إلى مستورد للسلع الرئيسية، رغم إمكاناتها الهائلة في المياه والقوى العاملة والروافد الأخرى.. السودان كل التقارير تضعه في طليعة الدول من حيث الإمكانات، لكن مكنة الانتاج والإصلاح السياسي والاقتصادي، ورفع مستوى التعليم والبنى الأساسية تعطلت بسبب الحكومات العسكرية المتعاقبة، والبشير جزء من العنقود الذي أخذ السلطة بهذه الأساليب.. عموماً أرض السودان حبلى بالمفاجآت، وتأثرها بما يجري في محيطها لاشك انه سيقود إلى تطورات لا يدري أحد ما ستصل إليه..