لو قرأ أيُّ شعب من الشعوب على مستوى الكرة الأرضية خبراً يقول إن شحنة من الأسلحة ضُبطت لدى حركة متمردة في طريقها إلى عاصمة بلادها لزلزلت الأرض زلزالها أمّا في السودان فإن الخبر يمر كما لو كان خبراً عن مباراة بين فريقي الهوبجي والجكيكة!! المانشيت المدوِّي لم تورده (الإنتباهة) بالرغم من أنها أولى به ولكنه ورد في (السوداني) بعنوان (ضبط شحنة سلاح في طريقها إلى الخرطوم) إذ قال الخبر إن جهاز الأمن، يا مفاوضي الحريات الأربع، ضبط شاحنة مليئة بالأسلحة تتبع للجبهة الثورية المتمردة في ولاية النيل الأبيض وكانت الشاحنة في طريقها إلى الخرطوم وأوردت بعض الصحف الخبر مصوَّراً وشاهدتُه بعيني رأسي في التلفزيون القومي. العقيد خالد العقيد مدير أمن الولاية، بورك فيه، قال في مؤتمر صحفي إن الأسلحة مهرَّبة من دولة مجاورة وكان يقصد بالطبع جنوب السودان لأن الدولة المجاورة للنيل الأبيض هي جنوب السودان وليست بوركينا فاسو ثم قال إنها كانت مرصودة وكانت جزءاً من دفعات أخرى وإن صاحب الشاحنة أُغري بمبلغ ضخم (400) جنيه للقطعة الواحدة من السلاح أي ما يقرب من نصف مليون جنيه لكل قطعة سلاح!! بالله عليكم ألسنا نعيش داخل برميل من البارود؟! ثم أود أن أسأل كم بربِّكم عدد الشاحنات التي نجحت في التسلل إلى الخرطوم وإلى المدن الأخرى سيَّما وأنَّ الأسلحة لم تكن مكشوفة وإنما كانت مخفية داخل تانكر الوقود بمعنى أن اكتشافها يحتاج إلى شيء من التحقُّق والتفتيش الدقيق كما أن المال الذي يلوي أعناق الرجال كفيل بتسهيل المهمة في حالة اكتشاف الشحنة كما تعلمون!! هذه ليست نهاية القصة إنما بدايتها أما النهاية فإنها تعيدنا إلى السؤال الذي بُحّت أصواتُنا وأوشك معين قلمنا أن ينضب من تكراره: ماهي علاقة اتفاق الحريات الأربع بهذه الشحنة التي ضُبطت وبعشرات الشحنات التي لم تُضبط والمخبّأة في الأحياء الطرفية داخل الخرطوم في انتظار إثنين أسود جديد تأتي به اتفاقية (باقان إدريس عبد القادر) التي تُتيح لأعضاء الحركة الشعبية حتى من الذين احتلوا هجليج الإقامة والتملك والعمل في الخرطوم وفي بقية أنحاء السودان بل تُتيح لهم أن يتمتّعوا بالحريات التي يُمنحونها طول عمرهم لا ينزعها منهم نازع مهما ارتكبوا من جرائم ودمَّروا وخرَّبوا وتجسَّسوا!! هل تذكرون أخي إبراهيم محمود أن شرطتكم ضبطت في كثير من أحياء الخرطوم بعد الانفصال جماعات جنوبية مسلحة بالكلاشنكوف وهي يقاتل بعضها بعضًا (الجريف مثلاً) وأن ذلك السلاح لم يُكتشف إلى أن أعلن عن نفسه ولعلع في قلب الخرطوم بين القبائل الجنوبية المتناحرة؟! هل سأل أيٌّ من المسؤولين نفسه يوماً لماذا وُقِّعت اتفاقية الحريات الأربع مع دولة تحتل أرضنا ويُقيم جنودُها الذين تُتيح تلك الاتفاقية لهم دخول البلاد.. يقيمون حتى اليوم في تراب بلادنا؟! هل سألوا أنفسهم عن علاقة ذلك بحديث باقان عن أنهم مستمرون في العمل من أجل إقامة مشروع السودان الجديد حتى بعد الانفصال؟! هل سألوا أنفسهم عن الخلايا النائمة والقنابل الموقوتة التي تعمل الحركة على زراعتها في أحشاء بلادنا من خلال تلك الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات مثل اتفاق نافع عقار وما سيُفضي إليه التفاوض مع عرمان وما يسمى بقطاع الشمال؟! هل تذكرون قرائي الكرام الأسلحة التي عُثر عليها خلال تفتيش منزل رياك مشار في الخرطوم قبل عدة أشهر؟! في تقرير مخدوم نشرته (السوداني) عن الخلايا النائمة ورد أن الأجهزة الأمنية رصدت في وقت سابق تلك الخلايا في ولاية الخرطوم في كلٍّ من الحاج يوسف وجبرونا وسوبا الحلة والدروشاب وجبل أولياء والكلاكلات وخارج الخرطوم في كلٍّ من النيل الأزرق والنيل الأبيض والقضارف... هذا ما رُصد فكيف بما لم يُرصد؟! معلوم أن الحركة الشعبية والحركات المسلحة الموقِّعة على اتفاقية أبوجا كانت موجودة في الخرطوم بأسلحتها بل إن القوات المشتركة التابعة للحركة أو الجيش الشعبي لتحرير السودان كانت موجودة بموجب اتفاقية نيفاشا هذا علاوة على الحراسات الخاصة ولم ينسَ سكان أمدرمان معارك حي المهندسين بأمدرمان بين قوات مناوي والشرطة كما أن الانشقاقات داخل الحركات المسلحة تؤدي إلى انتشار السلاح وبيعه فضلاً عن أن التقارير الأمريكية تحدثت مؤخراً عن تسرُّب أسلحة ليبية داخل السودان ودول أخرى مجاورة. لعلّ اغتيال الشهيد بلندية رئيس مجلس شورى ولاية جنوب كردفان وصحبه قبل نحو شهرين ومسلسل الاغتيالات الأخرى التي أشار إليها الشهيد مكي بلايل تكشف عن مخطط الحركة الشعبية التي أفلحت أخيرًا، في ظني، في اغتيال مكي بلايل ورفاقه الأبرار وهذا المخطَّط قد يطول كل السودان مع تركيز خاص على الخرطوم والله يكضب الشينة!! لستُ أدري هل ترى السلطات الأمنية ما نراه أم أنها تكتفي برصد تلك الخلايا النائمة ومحاربة تسرُّبها من حدود دولة الجنوب والحدود الأخرى متجاهلة الكوارث التي تأتي من تلقاء المنبطحين الذين ما فتئوا يفجعوننا بالاتفاقيات الخطيرة والمهينة مثل الحريات الأربع التي أكد المفاوضون على أنها سارية ومثل الاتفاقيات الأخرى المقبلة التي تحدَّث باقان أنها ستكون حزمة واحدة في إطار صفقة واحدة جاهزة ستُبرم خلال الجولة المقبلة وهي التي تعتبر أخطر من تسرب السلاح الذي لن يعمل بكفاءة بدون إبرامها؟! أرجو علاوة على الشعب السوداني المغلوب على أمره والمهدَّد في أمنه أن يقرأ هذا المقال كلٌّ من د. نافع والمهندس إبراهيم محمود والفريق أول محمد عطا وأسأل الأخير: هل استشرتَ قبل توقيع اتفاق الحريات الأربع وأقول لدكتور نافع أسألك بالله أن تقضي على هذا الاتفاق رحمةً بهذا الشعب وبهذا الوطن وخوفًا من الله أن يسألكم يوم يقوم الناس لرب العالمين.