د.علي عبدالقادر/ باحث أكاديمي / باريس [email protected] ها هي الأيام بل الأشهر تنصرم بعد بتر وبيع الجزء الأول من السودان، ومازالت النخب الحاكمة فعلياً للبلاد وخاصة "الخال الرئاسي"، في حالة سكرة ما همها الأمر كثيراً طالما هي مُطْمَئنة و مُطَمْئنة من ولي نعمتها "أمريكا قد دنا عذابها"، بالبقاء في سدة الحكم بعد أن دفعت الانفصال مهراً. ودليل على تلك السكرة ذلك التصريح المنسوب للبروفسور عبدالله الصادق مدير مصلحة المساحة بالسودان والقائل بأن خريطة السودان بعد انفصال الجنوب أحلى وأجمل؟ قل لي "يا هداك الله" هل إجابة ذلك الشخص الذي أشتبه في سكره على أيام شريعة 1983م، عندما سئل هل أنت سكران؟ فأجاب بأنه "سكران وشيوعي كمان"، هل تلك الإجابة تدل على السكر الذي يستوجب الحد أم تعليق البروفسور؟ كنت ومازلت ضد ذرف الدموع والبكاء على اللبن المسكوب والولولة التي لا تجدي نفعاً، ولذلك أجد نفسي اليوم أوجه نداء لكل غيور ووطني على السودان وخاصة مؤسسات المجتمع المدني بأن ندع القوم في سكرتهم يعمهون وليحكمونا وليتحكموا فينا ما شاء الله أن يحكموا، خاصة وأن غالبية أهل السودان لا تبحث عن سلطةً كبعض أحزاب المعارضة ولا تبحث عن مصالح خاصة كتنابلة السلطان والسدنة والانتهازيين ومن لف لفهم وحام حول السلطة. وليتفق غالبية الشعب المغلوب على أمره على عملية تصحيحية في اتجاه معاكس لما أتت به الفترة الإنقاذية، وهي عملية إنقاذ ثوري للسودان تتمثل في مبدأين : أولاهما : أن يتم توحيد الكلمة والموقف وان يتفق الجميع على برنامج بسيط يتجسد في نبذ كل أشكال القبلية و الجهوية التي بذرتها وزرعتها الإنقاذ عن قصد. بل العمل وبفعالية على التذكير بأنه قبل الإنقاذ كان الشعب السوداني على قلب رجل واحد، وكيف إن كل العائلات وبدون فرز يوجد فيها ولها نسب مع كل القبائل. و أن إذكاء تلك الجهالات هي تخلف ما بعده تخلف، و "أنها فتنة طهر الله منها أيدينا" "فلنطهر منها" قلوبنا. ومثال عملي لذلك فأنه يجب على الأساتذة في المدارس والمدربين في ميادين الكرة قبل كل نشاط التذكير بأن الجميع سواسية ولا تفاضل بينهم إلا بالعطاء والجهد والإخلاص. المبدأ الثاني هو أن لا يقبل أي مواطن سوداني ولو كان جندي في القوات النظامية التعدي على حق مواطن سوداني آخر وإن أستوجب ذلك عدم إطاعة أوامر رؤسائه، وخاصة الأوامر التي تدفع المواطن لظلم أخيه. تلك الأوامر قد تتخذ صور منافع ومصالح لمنفذ الأمر، أو تتم عن طريق غسل الأدمغة كما في الحرب الجهادية في الجنوب. وبذلك تنطفئ النار المستعرة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. ثم تحل محلها نوع من الثقة بين الغالبية العظمى للمواطنين فيشيع العدل الاجتماعي من خلال التعامل الشفاف والنظيف بين المواطنين. إذن المقترح يتلخص في أن يقسم كل مواطن بينه وبين نفسه على نبذ الجهوية والقبلية بكل أشكالها وأن لا يتعد على حق مواطن أخر، وليكتب عهداً أمام الله أو يحلف بما هو مقدس لديه ويلتزم ضميرياً كافة "الشعب الفضل" بالبوادي والحضر و في تلك الأنحاء الباقية حتى الآن ضمن السودان بذلك. ثم ليعمل كل مواطن على الالتزام به على المستوى الفردي ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومقترح الوثيقة والتي هي قابلة للتعديل والتطوير هو التالي : أنا المواطن فلان الفلاني أقسم بالله أو بما هو مقدس عندي بأن أنبذ القبلية و الجهوية والحزبية والطائفية بكل إشكالها وأن لا أتعدى على حق مواطن سوداني أخر أو أشهر سلاح في وجهه ولو أمرت بذلك من الجهات الحاكمة أو غير الحاكمة. والله أو ما هو مقدس عندي علي ما أقول وكيل. وهذا المقترح هو وسيلة احتجاج سلمية، فالشعب الصابر لا حول له و لا قوة له ولا قبل له بالحكومة ومكرها وعدتها وعتادها الظاهر أو الباطن منها وكذلك لا يسعى لاستعمال أي صورة من صور العنف في مقاومة الحكومة أو الثورة عليها. بل كل ما لديه هو الصمت الرافض من جانب ومن جانب أخر عدم تفعيل القرارات البائسة للحكومة في استعمال زيد ضد عبيد ثم تقريب أحمد وإبعاد محمد وغيرها من الأساليب الحكومية التعسة، إذ أن قرارات الحكومة لا تنزل لأرض الواقع ظلماً وفحشا وتنفيذاً إلا من خلال مواطن أخر. غالبية الشعب السوداني رفضت الجمهورية الإنقاذية الأولى والجمهورية الثانية جملةً وتفصيلاً ورفضها يترجم بالصمت وعدم الانصياع للقرار الحكومي الجائر والذي ينفذه النظام باستعمال بعض المواطنين ضد البعض الأخر. نعم للشعب السوداني أسلوب فريد في الثورات قام به عدة مرات وهو شعب معلم لكثير من الشعوب ولكن هذه المرة عليه أن يتعلم من ربيع الثورات العربية الأخرى ويتعظ من تجربتها ومن ذلك إعلان الشعب صراحةً بأنه لا يريد أن ينازع العصبة الحاكمة الأمر بل يتركه بينهم وبين الله ليقضي فيه امرأ كان مفعولاً. وبذلك يوصل الشعب من خلال رفضه الصامت رسالته للحكومة بما يعني أنها يمكن أن تحكم إن أرادت وحسابها على الله وان الشعب يريد فقط الحفاظ على وحدة التراب الوطني الفضل و الهوية الوطنية وبعضاً من الحقوق البسيطة المتمثلة في حق العيش الكريم وحق العلاج وحق التعليم وللإنقاذ أن تحكم بعد ذلك إلى قيام الساعة. هذه دعوة لرؤية واقعية اسعافية تتدارك الوضع الحالي وتنقذ ما يمكن إنقاذه من الوطن الآيل إلى التفتت والزوال، والحث على جمع الصف والاستفادة من أراء ومقدرات كل من بداخل السفينة وتعاهد على ألا يحدث كل منهم ثقب جديد أو يوسع من الاخرام الموجودة حالياً، بل يتحد كل أفراد الشعب المحكوم بما فيه الكفاية للوصول بالشعب إلى بر الأمان وتجنيب البلاد اللبننة والصوملة و إلا غرق الجميع إذن هذا المقترح هو من باب هذا أو الطوفان.