[ B] الخرطوم.. موازنة جديدة لا تروي الظمأ ياسر محجوب الحسين (صحفي سوداني ورئيس تحرير صحيفة الرائد الانقاذية سابقا ) أودع وزير المالية السوداني علي محمود البرلمان أول موازنة للسودان خالية من إيرادات النفط للعام 2013م، وفي ذلك رسالة قوية لدولة الجنوب بأن إصرار الخرطوم على تصفية الملف الأمني أولاً تسنده استعدادات تجعلها أطول نفساً في سياسة عض الأصابع حيث من يتألم أولاً سوف يتراجع. معلوم أن الإشكاليات الاقتصادية التي تعاني منها الخرطوم ناتجة بشكل كبير عن ذهاب (75%) من إيرادات النفط بسبب انفصال جنوب السودان، بيد أنه في الوقت نفسه أن جوبا اليوم تبدو أكثر تأثراً بسبب الوقف الكامل لتصدير نفطها عبر أراضي السودان إذ إن إيرادات النفط تشكل (98%) من مجمل الإيرادات.. ومعلوم أنه بعد حوالي (7) أشهر من سريان الانفصال تأزمت علاقات البلدين ووصلت حد المواجهة العسكرية بسبب مطالبة الخرطوم برسوم عبور نفط الجنوب، وفي الوقت نفسه اتهمت جوباالخرطوم بسرقة نفطها عندما بدأت الخرطوم في تحصيل تلك الرسوم عيناً فعمدت جوبا إلى إغلاق آبار نفطها.. وبعد توقيع الاتفاق الأخير بين البلدين في أديس أبابا بحضور رئيس البلدين في نهاية سبتمبر الماضي الذي قضى بأن يتم حل القضايا العسكرية والاقتصادية بالتزامن.. الموقف اليوم هو محاولة جوبا التنصل من الجانب العسكري وهو فك ارتباطها بالفرقتين التاسعة والعاشرة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودعم حركات التمرد المسلحة في دارفور، بينما تشترط الخرطوم الموافقة على مرور نفط الجنوب أن يتم تسوية الملف الأمني. وكيل وزارة المالية شدد على أن الموازنة الجديدة بُنيت على موارد حقيقية لم تحسب فيها الإيرادات المترتبة على إيرادات عبور نفط جنوب السودان، ملمحاً لإمكانية إعادة الميزانية لقبة البرلمان مجدداً في حال الحصول على إيرادات جديدة في حال إنفاذ وتطبيق اتفاقية التعاون المشترك مع جوبا.. العجز المعترف به والمعلن في الموازنة بلغ (10) مليارات جنيه سوداني أي ما يعادل مليار ونصف المليار دولار أمريكي.. حتى تأكيدات وزير المالية بأن موازنته خالية من أي ضرائب ورسوم جديدة، لم تكن دقيقة إذ تم فرض رسوم جديدة ستمس المواطن العادي بطريقة غير مباشرة.. صحيح أن رفع الدعم عن المحروقات نهائياً لم يتم كما كان من المخطط له خوفاً من ربيع سوداني، إلا هذه الموازنة تضمنت (تحصيل رسم اتحادي على ترخيص المركبات للمساهمة في تغطية جزء من دعم المواد البترولية).. أصحاب مركبات وحافلات النقل العام سوف يعوضون هذه الزيادات ويحملونها المواطن.. عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان بابكر محمد توم قال إن مشروع قانون ضريبة الرسم الاتحادي على ترخيص السيارات "ازدواج ضريبي" وهو أمر غير مقبول في رأيه.. بابكر رأي أيضاً أن تُحمّل هذه الضريبة على الاتصالات، في حين يرى البعض أن تُحمّل على تجارة التبغ بأنواعه، وفي ذلك محاولة للحد من آثار التبغ السالبة، فضلا عن أن الضريبة ستقتصر على شريحة محدودة، ليس كما هو الحال في السيارات أو الاتصالات.. لكن لم تكن هذه الرسوم الإشكالية الوحيدة إذ إن الاتحاد العام لعمال السودان ضغط كثيرا في اتجاه زيادة الأجور لكن وزير المالية اشترط رفع الدعم نهائياً عن المحروقات إلا أن الاتحاد يرفض رفع الدعم وفي الوقت نفسه يطالب بزيادة الأجور وهي معادلة لا تتحملها هذه الموازنة العليلة.. قبيل إعلان الموازنة شن رئيس الاتحاد إبراهيم غندور هجوما كاسحاً على وزير المالية مؤكداً أن الاتحاد لديه مشكلة مع وزير المالية الذي ظل لا يرد على خطابات الاتحاد.. في محاولة من الرئيس عمر البشير لإرضاء العمال شكل أمس الأول لجنة لدراسة هياكل الأجور على أن ترفع تقريرها في مارس القادم ويفهم من ذلك أن تمضي موازنة الوزير دون زيادة الأجور.. زعيم المعارضة البرلمانية ورئيس الكتلة البرلمانية لنواب حزب المؤتمر الشعبي إسماعيل حسين انتقد بيان وزير المالية أمام البرلمان بتخفيض التضخم إلى 22% خلال العام القادم رغم أنه أشار في موازنته المعدلة منتصف العام الحالي لاعتزامه جعله في حدود 17% فيما أقر في بيانه بلوغه 30%، وقال: "لو دخل الوزير للسوق الآن لوجد أن التضخم وصل لأكثر من 50% مضيفاً أن ما يقوله الوزير "حديث غير واقعي". أخيراً وفي ظل وضع سياسي مُعقّد يبدو أن هدف موازنة العام 2013م الوصول إلى معدل نمو 3.6% فضلا عن خفض معدل التضخم من 30% إلى 22% أمر يبدو غير سهل إن لم يكن مستحيلاً.. لكن حتى المتفائلين يرون أن الموازنة تقف في نقطة وسطى بين التفاؤل والتشاؤم.[/b]