خالد بابكر ابوعاقلة - القوات المسلحة جاهزة الآن للحركة في كل اتجاه .. فهي قد فقدت تماما الفكرة القديمة التي كانت توجهها وتغذيها وتدفعها للعدوان ( الجهاد ) .. وهي بعد انفصال الجنوب ( ارض الجهاد) قد ارتخت تماما وأصبحت في حالة سيولة معنوية وفكرية وهي تحس بالحصار الداخلي والخارجي المشدد وتحس بفشل الإنقاذ في كل امتحانات الوطنية والذكاء السياسي في نكبة تقسيم السودان وتعرضها للسخرية من العالم الخارجي في مسائل داخلية كعبور النفط والتفاوض مع الحركة الشعبية الشمالية .. إن الجهاد الذي افرغ من معانيه الجليلة بإدخاله في حروب داخلية يشارك فيها مسلمون وانقسامه إلى قسمين متصارعين بين ما يسمى ( المنشية ) و ( القصر ) ثم القضاء على كل معانيه نهائيا وإلى الأبد بعد أن صار من مستحيلات العصر الحديث بأفكار مؤسس الإنقاذ وصانع المناصب الرئاسية حسن الترابي الذي جعل منه معادلا موضوعيا لموت ( اللص ) الذي تسور في ليلة ظلماء بيت أحد الناس فعاجله صاحب الدار بضربة قاتلة وتركه في (الحوش ) يتشحط في دمائه أو ذاك الرجل الذي مات في أحضان زوجة خائنة فتح زوجها الباب فوجده في فراش الزوجية يعيث فسادا في الأرض فعاجله بطعنة مميتة .. إن هذا المشعبذ الممخرق صنع جهادا أخطأ طريقه وصنع قوات مسلحة منتقاة من بني جلدته تستيقظ الآن لتعرف حقائق الجهاد وحقائق الموت وحقائق معرفة الإنسان للغيب التي تجاوزت حقيقة وجود الجنة إلى حقيقة دخول واعراس ( المجاهدين ) فيها لبنات الحور .. إن على الإنقاذ أن تفكك مليشياتها الآن لأنها من بقايا التسعينات الملطخة بهواجس الغيبيات وبقايا حروب الجنوب الخاسرة التي كانت تمارسها عقول تعيش في القرون الوسطى وبقايا الهوس الديني الذي أنتهي زمنه وأن تستبدلها بقوات قومية على جناح السرعة - إن كان في العمر بقية – وإن كانت بالفعل تود البقاء أكثر لأن تلك المليشيات التي أنتفت عندها عقيدة الجهاد تعيش بلا أي هدف وطني بديل سوى أن تنقلب على من يقودونها ويحددون لها حروبها بلا أي ( وجهة ) دينية أو جزاء أخروي محتمل أو وجهة الدفاع عن الشعب والوطن كما كانت قديما بعد أن أغلق( الحلاج) أبواب الجنة التي عرضها السموات والأرض أمام دماء الشهادة المكذوبة .. فإذا كان الخلفاء قد أغلقوا باب الإجتهاد ليحجروا على الناس الأخذ بما هو جديد في العصور السابقة فإن بعض الناس في العصور الحديثة ومن ذات البنية الدينية قد صرحوا بعبثية ( الجهاد) وضحكوا على العقول التي تقبل نوعية ذلك الجزاء في العالم الآخر حينما استبدلوا ذلك الجزاء بكرامة الإنسان المنصوص عليها في كل أخلاقيات الأمم في دفاع الإنسان عن نفسه وعرضه ووطنه بلا مقابل غير الحرية والكرامة والعزة التي هي جماع إحساس الإنسان بنفسه وقيمة وجوده وهكذا وفي اتجاه آخر غير اتجاه العابثين بالجهاد والأحاسيس الدينية رأينا الضباط اليابانيين في الحرب العالمية الثانيةيقتحمون الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر بالطائرات كأول من حارب بسلاح الجسد في التاريخ البشري دفاعا عن القومية والوطنية اليابانية ثم رأيناهم ينتحرون من هول الهزيمة وانكسار الروح الوطنية في حرب توفرت فيها كل اعذار الهزيمة والقاء السلاح والذهاب الى البيت وعلى الشفاه إبتسامة أننا خسرنا معركة ولم نخسر حربا .. هذه الروح الآن معدومة في قواتنا المسلحة التي اعتمدت على عقيدة الجهاد الدينية الهشة التي لا تصمد للأحداث والتي بناها أهل الإنقاذ فوق الأحاسيس الإنسانية التي هي أصل كل إحساس واعتقاد وفكرة بل فوق الإحساس الطبيعي للكائنات الحية التي تدافع عن أنجالها ومسكنها وطعامها وحياتها حتى الموت دون انتظار لشيء بعد الموت . مادام أن الإنقاذ المطلوبة للمحاكمات الدولية التي تقف خلفها كل جيوش ومبادئ الإنسانية في العالم قد أحست بالعجز وبحق كل إنسان استيقظ من أوهام الحور العين أن ينقلب عليها ويرفع السلاح أمام انفها إلى درجة أنها لا تستطيع الآن أن تحاكم أحدا متهما فإن الانقلابات التي بلغت 3 انقلابات خلال شهر واحد ستستمر إلى الأجل المحتوم كما يؤكد العقيد ( الطيب السيد) قائد المحاولة الإنقلابية الجديدة .. فقد كشفت المصادر عن حديث دار بينه ومدير المخابرات العسكرية مشيرة إلى أن الطيب قال له " يمكننا أن نعتقلك في مكتبك الآن , ولكن هذه لن يحل مشاكلكم , فإما أن تتغير القيادة وينصلح حال البلد أو كل يوم حتلاقوا إنقلاب , فخلفنا العشرات ممن سيقومون بذلك " .. فهذه المليشيات المسماة إسلامية لا برنامج لها في إطار دولة لم تصل إلى حد ( الخلافة ) وليس أمامها انجازات عسكرية تشعرها بان القيادة الدينية على حق وليس خلفها إمبراطورية واسعة تدافع عنها وتموت من اجلها وليس في مخيلتها وأدبياتها قدوة دينية زاهدة عادلة أمينة كعمر بن عبد العزيز أو الإمام المهدي كأقرب نموذج في العصر الحديث وليس في عقيدتها الفقهية المدعومة بفقهاء المصلحة والانصياع عقيدة إسلامية محددة تمنعها من الانقلاب أو التمرد فالسلاح هنا اقوي من ( البيعة ) ولذلك فإن القوات المسلحة الآن على قناعة تامة وأكيدة أنهم لا يواجهون أسلاميين في السلطة وإنما انقلابيين ظهروا في سنة 1989 ليس إلا . السلطة أصبحت هدف الجميع .. ولما اصبحت الانقاذ ذات صلاحيات محددة وفقدت الكثير من سلطاتها على مساحات شاسعة فهي ايضا اصبحت تبحث عن السلطة وكي تجدها كاملة لابد من الإنقلاب على نفسها وهي تبحث عن أعدائها فهناك انقلاب وهناك انقلاب مضاد وهناك انقلاب داخل الانقلاب وكلها انقلابات صامتة تنذر بالمواجهات في الشوارع ولا حل إلا بتلك المقولة التي ظهرت في أول الإنقاذ من أناس يعملون ويعاونون الآن الإنقاذ ( سلم تسلم ) .