عندما بدأت اسراب الجراد تتوافد نحو السودان كانت أجهزة الدولة الرسمية تغط في نوم عميق وتضرب بعرض الحائط كل التحذيرات التي تحدثت عن أن هناك خطر قادم فاستعدوا له، ولكن الحكومة لم تعر الأمر أي اهتمام ولم تحرك ساكنا ولم تستبن النصح، إلا ضحى الغد متجاهلة بذلك خطر الجراد على الموسم الزراعي الذي كان أصلا معتلاً وصاحبته العديد من العراقيل والصعوبات بداءاً بالعطش بالجزيرة وارتفاع أسعار الجازولين بالشمالية وغيرها من مناطق الإنتاج في البلاد، و تحركت أسراب الجراد من بورتسودان نحو الشمالية متوغلة أكثر في الأراضي السودانية دون أن تجد أدنى مقاومة لإيقاف هذا المد المتصاعد ووضع حد له، ذلك لما له من تأثير كبير على الموسم الزراعي. *معلومات عن الجراد: يعتبر الجراد من الحشرات التي تسمى بمستقيمة الأجنحة ويوجد أكثر من(02 )ألف نوع من الجراد في العالم ويسمى الجراد الموجود في السودان بالجراد الأحمر، وهو من الحشرات آكلة النباتات ويستطيع القفز(20) مرة أطول من جسمه ويلتهم السرب الواحد من الجراد حوالي(100) ألف طن من النباتات الخضراء في اليوم، وهو ما يكفي لغذاء نصف مليون شخصاً لمدة سنة كاملة. *وزارة الزراعة ترفض التصريح للصحيفة : رفض مدير عام هيئة وقاية النباتات بوزارة الزراعة الإدلاء بمعلومات ل(الميدان) وذهبت له الصحيفة مرتين لمعرفة ما يدور، لكنه رفض بحجة أنه لا يصرح لصحيفة الحزب الشيوعي وهو عضو بالمؤتمر الوطني، لأن هذا يدخله فيما أسماه(بالمتاهات) وبينما رفض هذا المسؤول التصريح كان هناك وزير الزراعة في مصر يساءل أمام البرلمان ويجيب على أسئلة البرلمانيين حول هجوم الجراد وتهوينه الأمر في البداية فشتان ما بين هذا وذاك.. *الوضع بالشمالية : وفي الولاية الشمالية قضت أسراب الجراد على الكثير من المحاصيل الزراعية وقال أحد المزارعيين في اتصال هاتفي إن الجراد قضى على (40) ألف فدان بالدبة وعدد كبير من أشجار النخيل في المنطقة الشرقية بالقولد، وإنه قضى تماما على ثمرة النخيل والمحاصيل الأخري) وأضاف: ( إن هناك طائرة رش واحدة وتقوم برش مبيد فاسد وإن الجراد الآن يتكاثر بصورة هائلة وإن المزارعين هناك يقومون بمحاربته بوسائل بدائية لا تقدم حلاً ناجعاً لمكافحة الجراد وإن كل شخص مهتم بمزرعته الخاصة) واشتكى من التجاهل الرسمي لهم وكان الأمر لا يعني السلطات في شيءٍ حسب قوله. *الجهات الرسمية.. محلك سر : وزارة الزراعة كشفت عن أن الجراد أتى بنسب كبيرة وغير متوقعة، قدرتها بمئات الملائين وإن عشرات الأسراب وصلت ويحوي السرب الواحد ما بين(50 إلى100) مليون جرادة، وإن الأسراب تصل من التاسعة صباحاً إلى الثامنة مساءاً وإن الجرادة الواحدة تأكل مقدار حجمها، عزت ذلك إلى قلة الأمطار في البحر الأحمر وإنعدام الغطاء النباتي وضعف مكافحة الجراد، أما والي الشمالية فقد استنجد بالمواطنين لمكافحة الجراد ووجدت خطوته هذه الاستنكار من كل المواطنين بالولاية وخارج الولاية. *تحذيرات الفاو..لا حياة لمن تنادي : حذَّرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية(الفاو) السودان من أن هناك أسراب من الجراد تتواجد في مناطق بمصر وأنها ستشكل خطراً على السودان، لكن هي الآن في طور النمو ولا يستطع الطيران أو انه في وضع يسمح له بالطيران لمسافات قصيرة، مما يسهل القضاء عليه قبل أن يستفحل الأمر، وقد أدرجت الفاو الوضع في السودان في مستوى التهديد وتجاهلت السلطات الأمر حتى استفحل وصار خطراً خرج عن دائرة السيطرة. *وشهد شاهدا من أهلها : جاء في صحيفة(أخر لحظة) الصادرة يوم الجمعة 22 فبراير إن مسؤولاً رفيع بوزارة الزراعة بالولاية الشمالية حذَّر من حدوث كارثة إنسانية جراء تزايد أسراب الجراد الصحراوي التي غزت الولاية مؤخراً، وكشف المسؤول أن الطائرات العاملة في الرش غير كافية للقضاء على هذه الآفة، وتحدث عن تذمر وسخط عارم وسط المزارعيين بسبب تلف محاصيلهم نتيجة لتباطؤ الجهات المعنية في المركز والولاية للقيام بالدور المنوط بها في مكافحة الجراد، وأشار إلى أن الأمر يفوق إمكانيات الولاية، ووصف الوضع بالكارثي وإن الجراد قضى على محاصيل الفول والقمح والبرسيم وفي طريقة للنخيل والموالح بالولاية. *الجفلن خلهن أقرع الواقفات: إذن الاهمال المتعمد من قبل الجهات المسؤولة بشأن الجراد أدى إلى خطر داهم قضى على الأخضر واليابس في مناطق الإنتاج ويهدد البقية بنفس المصير، اذا لم تنتبه الجهات الرسمية وتعترف أولا بالخطر وتبذل أقصى جهد يمكن بذله لإيقاف هجمات الجراد ومكافحة الجراد الذي تسرب إلى داخل السودان بصورة شاملة؛ ذلك حفاظاً على ما تبقى من المحاصيل في السودان، فهل يا ترى نحن في حوجة للعمل بالمثل القائل: الجفلن خلهن أقرع الواقفات؟