كشفت احدى الوثائق السرية الامريكية التي سربها موقع ويكيليكس عن لقاء بين القائم بالأعال الامريكي بالخرطوم حينها البرتو فرنانديز وغازي سليمان المحامي عضو المجلس الوطني عن الحركة الشعبية في ديسمبر 2007 . ودعا غازي الامريكان الى قبول حكم العسكريين باعتباره ( الجن التعرفو) . وقدم معلومات مغلوطة في بعض الجوانب للوصول الى غايته ، ولكن تشير تعليقات القائم بالاعمال الامريكي الواردة في الوثيقة الى ان للامريكان معلومات أدق عن الأوضاع . والاطروحة الرئيسية التي قدمها غازي ان السلطة الحقيقية في الانقاذ لدى ثلاثة عسكريين ، عمر البشير وبكري حسن صالح وعبد الرحيم محمد حسين ، وانهم ليسوا اسلاميين وانما عمليين طهروا القوات المسلحة السودانية من الاسلاميين ! وان الآخرين من المدنيين في قيادة الانقاذ ليسوا سوى عرض للزينة . وقال فرنانديز في الوثيقة التي سربت في 30 أغسطس ضمن ربع مليون وثيقة من 274 سفارة أمريكية في العالم ان غازي سليمان بدأ حديثه بانتقاد سياسة الولاياتالمتحدة في السودان واصفا اياها بأنها “خرقاء، وتلبي الغضبة الأخلاقية الخاصة لها حول دارفور وليس التأثير على الأحداث على أرض الواقع كما يجب"، واشار الى ان الأمريكان مع أنهم ساعدوا في تحقيق اتفاقية السلام إلا أنهم لا يقدرون مدى ثوريتها وضروريتها لتحويل السودان بل حتى تحقيق السلام في دارفور. ورأى بأن السياسة الأمريكية متناقضة داخليا، وتسعى لمعاقبة نظام منبوذ وبناء السلام والتحول من خلال ذات النظام في نفس الوقت. وقال: “ليس هناك من عذر لكم في عدم إدخال أيديكم في القذارة والاشتراك في تحويل الامور في السودان “، لكنه قال إن الحاجة إلى تفجير السودان بسبب جرائمه في دارفور “يشل" المرونة الاميركية. (أي أنه يطالب الأمريكان بالمرونة وغض النظر عن دارفور وقبول النظام بقذارته- حريات) . وقال فرنانديز إنه طمأن غازي بدور أمريكا في دعم اتفاقية السلام. وجاء في الوثيقة ان غازي سليمان وصف القيادة المدنية (الشمالية) في السودان بأنها مجرد منظر للعرض وأن السلطة الحقيقية تمارس من قبل ثلاثة أشخاص هم الرئيس البشير ووزير الرئاسة بكري حسن صالح ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وثلاثتهم جنرالات ليسوا من القبائل النيلية الصغيرة (الدناقلة والجعليين والشايقية) التي تقول الرواية التقليدية انها تسيطر على السلطة السياسية في السودان ف"بكري وعبد الرحيم من النوبيين، وهما من الجنرالات المعروفين بكثرة السكر والعلمانية"، وقال سليمان لفرنانديز بحسب الوثيقة إنه حتى البشير مع أنه من الشايقية “لكنه كذلك في طرف منه إفريقي فيفترض أنه من الفلاتة الأفارقة الذين هاجروا أصلا من غرب أفريقيا". وقال سليمان لفرنانديز إن هؤلاء الثلاثة طهروا الجيش من الجنرالات الإسلاميين وإنهم براجماتيين نسبيا. ووصف سليمان الجيش بانه “ضعيف عسكريا ولكن قوي سياسيا" مشيرا الى ان معظم الجرائم في دارفور ارتكبتها القوات والمليشيات غير النظامية و"وحدات مرتبطة أيضا بصديقك صلاح قوش المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الذي هو أيضا علماني وبراجماتي نسبيا ولكنه صديق للأميركيين من منظور قومي". وقال سليمان لفرنانديز بحسب الوثيقة الطويلة التي تلخص لقاءهما في 14 ديسمبر 2007 ناصحا له بالتعامل مع الجيش من باب “جنا تعرفه ولا جنا ما تعرفه"، إن القوات السودانية المسلحة برغم مساوئها لا تزال مؤسسة وطنية (ما عدا في الجنوب بالطبع حيث لم تعد موجودة) ولكن “ليس هناك شيء يسمى السودان، السودان دولة ضعيفة" فهو كبير جدا ويفتقر حقيقة للهوية الوطنية. والرؤية الوحيدة المتقدمة لما يمكن وما ينبغي أن يكونه كانت اتفاقية السلام الشامل بسبب جون قرنق. وأشار سليمان إلى أن السودان مثل الكثير من الدول الأفريقية “قبلي للغاية"، وعلى الناس أن يختلطوا ويتزاوجوا خارج قبائلهم ولكن هذا لا يحدث في العادة فالتركيز على العائلة العشيرة والتجمع القبلي. وقال سليمان لفرنانديز مشيرا للأوضاع في الجنوب إن البعد القبلي موجود بالتأكيد في الجنوب وحذر سليمان من الدفع باتجاه مكافحة الفساد في الجنوب بأشد مما يجب، وقال بأن الممارسة الأفريقية الطبيعية تهتم برعاية العائلة والقبيلة خاصة وأن البطالة مرتفعة في الجنوب وفرص العمل ضئيلة ولا يوجد مصدر حقيقي للثروة خارج الدولة (97 ٪ من الإيرادات قادمة من عائدات النفط) ونصح فرنانديز بالعمل على تطوير المجتمع “بحيث تهدفون إلى زيادة الشفافية والنزاهة ولكن لا تفعلوا ذلك بأكثر من اللازم لأن الفساد يشتري السلام الاجتماعي في الجنوب في الوقت الراهن". ورد القائم بالأعمال الأمريكي بحسب الوثيقة بانه يدرك المفهوم الذي يشير إليه سليمان، ولكن إذا كان الفساد يعرقل التنمية ولا يوفر “عائد السلام" في الجنوب فإنه يرفع من التكلفة الاجتماعية ويزعزع الاستقرار واستمرار الحركة الشعبية لتحرير السودان في السلطة. ويقول فرنانديز إن سليمان يحمل رأيا معاكسا لرأي ياسر عرمان الذي أرسله في وثيقة سابقة حول انتخابات عام 2009م إذ يعتقد أنه في النهاية سوف تتفق الحركة الشعبية بشكل ما مع حزب المؤتمر الوطني. باعتبار أن “الخطر من العمل ضدهم بتقسيم قاعدة اتفاقية السلام الشامل" عالي جدا ، وتلك هي الطريقة الوحيدة لضمان تنفيذ الاتفاقية مما يجعل الحركة الشعبية والمجتمع الدولي ملصوقين بالجن الذي يعرفونه “البشير وشركته". وقال سليمان إن التعامل مع المؤتمر الوطني سهل لأنه لم يعد ايديولوجيا كما كان بل “مجرد حكم أقلية فاسدة تسعى للسلطة “. وقال انه يرى مراجعة نسبة قسمة السلطة لنسبة أكثر إنصافا لتكون مثلا “50/50 أو 50/40″ في المجلس الوطني بدلا عن ال52% للوطني مقابل 28% للحركة الحالية، وأن تعدل الاتفاقية ليكون هناك رئيس وزراء (عن الحركة الشعبية) تحت رئاسة البشير، وقال “ولكن كثيرين في الحركة يعارضون حتى هذه المقترحات لأنهم يفضلون ألا تمس اتفاقية السلام الشامل باي مراجعات. “ وعلق فرنانديز قائلا في نهاية الوثيقة بأن غازي سليمان شخصية مثيرة للجدل داخل الحركة الشعبية وقال إن البعض يرونه عديم النزاهة بشكل كبير جدا وبرغم كونه في نهاية ستينياته إلا أنه طموح سياسيا جدا. وبرغم الكثير الذي يقال حول قربه من جون قرنق ، إلا أنه ليس جزءا من الشماليين في الدائرة الداخلية للحركة الشعبية كياسر عرمان ومنصور خالد وليس موثوقا به من قبل سلفا كير. نحن نتفق عموما مع تحليله لاتفاقية السلام الشامل ولواقع الدولة السودانية الضعيفة والفساد. وأضاف فرنانديز معلقا على وصفه للسلطة في السودان: إن وصفه للثلاثي البشير/ بكري/ عبد الرحيم مثير للاهتمام وصحيح بمعنى أن كلا الجنرالين أصلا عسكريان وولاءهما للبشير وليس لهما اي علاقة بالاسلام السياسي أو حزب المؤتمر الوطني. لكن البشير ليس مديرا مباشرا micromanager ويفضل تفويض السلطات، فالمسؤولين مثل علي عثمان طه نائب الرئيس وزعيم الحزب نافع علي نافع لديهم الكثير من السلطة حتى لو احتفظ البشير لنفسه بحق الموافقة النهائية. ولعب كلا هذان المدنيان دورا هاما وربما مؤذ في دارفور.