كشف البروفيسير فيليب رويسلر بان استثمارات الصين فى السودان تندرج فى خطة المؤتمر الوطنى الاستراتيجية بالتركيز على مايسمى بمثلث حمدى. والبروفيسير فيليب رويسلر Philip Roessler أستاذ فى كلية وليام ومارى ثانى أهم كلية للعلوم السياسية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ، متخصص فى قضايا الانقلابات والحروب فى افريقيا ، وفاز بحثه (العدو من الداخل : الحكم الشخصى والانقلابات والحروب فى افريقيا) بجائزة جمعية العلوم السياسية الأمريكية لأفضل بحث فى العلوم السياسية المقارنة لعام 2011، وكلفته جامعة نيويورك ضمن فريق بحثى بدراسة لعدة سنوات عن آثار تقسيم السودان فى الهوية والاتجاهات السياسية والهجرة . ونشر فيليب رويسلر أمس 8 مايو ورقة بحثية بعنوان (التمويل التنموى الصينى واستراتيجيات البقاء السياسية (والاقليمية) فى السودان ) بموقع (معلومات المعونة Aid data ) . وبحسب فيليب رويسلر فان الصين ظلت الممول الرئيسى لمعونات التنمية فى السودان منذ أواسط التسعينات ، وساعد الدعم الصينى فى استخراج وتصدير النفط السودانى التى تستورد غالبه ، ولكن الصين ذهبت أبعد كثيراً من النفط ، حيث قدمت أكثر من (5) مليار دولار للحكومة السودانية فى القطاعات غير النفطية ، فى الفترة ما بين 200 الى 2011 . وأضاف رويسلر ان الاستثمارات الصينية ، كما توضح الخريطة المرفقة لها ، تركزت فى الممر الاستراتيجى الذى يمر من شمال كردفان الى النيل الابيض الى بورتسودان ، وفى المركز التاريخى للدولة السودانية منذ نشأتها الحديثة تحت الحكم العثمانى 1820 . وقال انه رغم مكاسب الكفاءة التى تأتى من تطوير وتعزيز شبكات النقل وتوليد الطاقة فى المناطق الاكثر نمواً تاريخياً وماحولها ، إلا ان تمويل الصين التنموى يتوافق أيضاً وبشكل مباشر مع الخطة الاستراتيجية طويلة الأمد لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم ، كما توضحها نصوص ورقة وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدى . وأضاف رويسلر ان عبد الرحيم حمدى كتب بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاقية السلام فى عام 2005 ورقة استراتيجية توقع فيها اثنين من المهددات الرئيسية الناشئة فى الفترة الانتقالية ، الإنتخابات والاتجاهات النابذة للمركز التى ربما تؤدى الى تقسيم السودان ، ولمواجهة هذين التهديدين دعا حمدى الى (استثمارات ضخمة جداً وسريعة جداً ) فى الشمال الجغرافى (الذى حمل الهوية العربية الاسلامية لعدة قرون ). وبحسب حمدى فان هذا الاستثمار حاسم للنجاح فى الانتخابات لتركز قاعدة المؤتمر الوطنى فى تلك المناطق حيث سيقترع الناخبون لصالح المؤتمر الوطنى إذا نجح فى تقديم الخدمات وفرص العمل . وفيما اعتبر سياسة عظمى ، افتتح عمر البشير عشية حملته الانتخابية 2010 كهرباء سد مروى ، التى بحسب الشركة الصينية ستضاعف من انتاج الكهرباء ، خصوصاً فى مناطق نفوذ المؤتمر الوطنى فى شمال السودان والوسط وكردفان . وماوراء الانتخابات المباشرة ، كان حمدى يبحث فى الاحتمال المتوقع لانفصال جنوب السودان ، حيث رأى ان للاستثمار الاجنبى غير النفطى أهمية حاسمة فى ضمان ان يستمر (المثلث) كدولة قابلة للحياة بعد انفصال الجنوب وربما دارفور . وأضاف رويسلر ان اطروحة حمدى تضع الآن على المحك ، فدولة السودان معلقة على خيوط ، بعد انفصال الجنوب الذى أخذ حوالى (75%) من نفط البلاد معه ، واستمرار الحرب فى دارفور ، واندلاعها فى جنوب كردفان والنيل الازرق . ومع ذلك ظل المركز متماسكاً جزئياً ، رغم الفتنة الداخلية الكبيرة فى الحزب الحاكم ، بفضل مليار دولار وردت من الصين فى السنوات ما قبل استقلال الجنوب . واستنتج رويسلر ان المعونات الصينية للسودان ، كما فى سائر البلدان الافريقية ، لديها القدرة على التدخل فى إعادة هيكلة الدولة كأهم عامل مابعد الاستعمار . وتوضح خريطة رويسلر المرفقة بأن غالبية الاستثمارات الصينية فى السودان تركزت فى المثلث ، حيث الاستثمارات التى تترواح مابين 200- 500 مليون دولار، هذا بينما لم تحظى الاطراف (خصوصاً دارفور ) إلا باستثمارات نادرة ولاتتجاوز غالبها ال 50 مليون دولار ، وقال رويسلر ان مشاريع دارفور وجنوب كردفان هى فى المقام الأول مشاريع طرق تهدف الى توسيع نطاق المركز وتعزيز روابطه مع الأطراف ، وأضاف انه من اللافت ان طريق الانقاذ الغربى الذى يربط ما بين دارفور وكردفان فشل المؤتمر الوطنى فى اكماله رغم الشروع به منذ 1990 ، وقد تحول الى أحد اهم صيحات التعبئة لمتمردى دارفور فى الفترة التى سبقت الحرب فى الاقليم . وقال رويسلر ان الاستثمارات الصينية لديها القدرة على تعزيز أوجه عدم المساواة القائمة وصب المزيد من الوقود فى نيران الحروب الداخلية ، كما الحال فى السودان ، حيث تستخدم النخبة الحاكمة مصادر التمويل الخارجى كأداة للبقاء السياسي – أى للمحافظة على السلطة (political survival ) . وتشير (حريات) الى ان السياسة الاستثمارية لحكومة المؤتمر الوطنى ، خلاف تناقضها مع مطلوبات العدالة وبناء التكامل الوطنى ، فانها وبسبب الفساد وضعف المعرفة العلمية وسوء الادارة ، قليلة الجدوى كاستراتيجية للبقاء السياسى كذلك ، حيث انتهت الى سخط واسع لدى جماهير (المثلث) نفسه الذين وقعوا ضحية للتهجير من بناء السدود ولنزع اراضيهم لصالح مافيا الفساد والمستثمرين الاجانب ، فضلاً عن غياب الحساسية الاجتماعية لدى المؤتمر الوطنى الذى ركز على الوظائف والرشاوى السياسية فيما اهمل الاحتياجات الاجتماعية للغالبية كالصحة والتعليم ومياه الشرب النظيفة والرعاية الاجتماعية .