أنتوني جورجي “إن حزب النور يسعى لعرض نفسه على أمريكا ودول الغرب كبديل لجماعة الإخوان، والهدف من تلك الزيارة مقابلة القيادات السياسية في البيت لعرض أفكار الدعوة السلفية وحزبها في إدارة البلاد" . . بهذه العبارات تحدث الشيخ محمد عبد المقصود مؤسس الدعوة السلفية في القاهرة، مؤكداً أن حزب النور السلفي قد تخلى عن جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى وتحالف مع جبهة الإنقاذ، التي يسيطر عليها العلمانيون والليبراليون، للحصول على دعم الأمريكان والحكومات الغربية له . . ما الذي دعا الشيخ عبد المقصود لإطلاق تصريحه المتقدم هذا، وما أبعاد وملابسات تلك الزيارة التي تعكس ربما تحولاً مهماً في وحدة الصف الإسلامي “السياسي" المصري من جهة، والدور الأمريكي على الساحة المصرية من جهة ثانية؟ في أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي، كانت واشنطن تشهد زيارة هي الأولى من نوعها، لاسيما أن الزوار لطالما وصموا واشنطن باتهامات حادة، غير أن الرياح المتغيرة في الأجواء المصرية المضطربة، ربما كانت وراء تغيير أفكارهم، وهدف الزيارة عند وفد التيار السلفي الممثل من قيادات حزب النور، هو “اطلاع المسؤولين الأمريكيين على رؤية الحزب وتغيير الصورة الذهنية النمطية عن أفكار الدعوة السلفية" . . هل كانت هذه الزيارة هي اللقاء الأول بين الأمريكان والسلفيين؟ بالطبع لا، ففي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2012 كانت هناك حركة واضحة من قبل السفارة الأمريكية في القاهرة نحو هذا الفصيل المثير، والأعلى صوتاً منذ ثورة 25 يناير، حتى وإن لم يكن الأكثر تأثيراً في الشارع المصري، ومنذ ذلك التوقيت بات السلفيون من الزوار المعتادين للسفارة الأمريكية للقاهرة، والتي تطبق ولاشك نظرية أنه من الأفضل أن يكون هؤلاء السلفيون داخل الخيمة بدلاً من خارجها، وهو ما مكن السلفيين في نهاية الأمر من زيارة الولاياتالمتحدة . يتساءل المرء من جديد هل واشنطن في مرحلة إعادة قراءة وتوجيه للمشهد المصري، وهل بالفعل تبحث عن تيار جديد يقود الحياة السياسية في مصر؟ وإذا كان ذلك فهل يعني الأمر أن الإخوان المسلمين قد فشلوا بداية في إدارة شؤون الحياة المصرية، وأن الأمريكيين في طريقهم للتخلي عن دعمهم والبحث عن بدلاء جدد على الساحة؟ أول الأمر وهو ما تجمع عليه الآراء كافة وتؤشر إليه كل التحليلات، هو أن زيارة السلفيين تشكل منعطفاً جديداً في رؤية واشنطن لفصيل إسلامي جديد، وقد أراد هؤلاء عرض وجهة نظرهم على الخارجية الأمريكية، ومحاولة الحصول على مباركة واشنطن لحصولهم على دور أكبر في الحياة السياسية المصرية، لاسيما أنهم يرون أنفسهم البديل الجاهز و"الإسلامي" أيضا للإخوان المسلمين . كيف يمكن لواشنطن ولإدارة أوباما استقبال وفد السلفيين المعروفين بتعصبهم الشديد وراديكالية أفكارهم إلى أبعد حدود، والذين لا يملكون مشروعاً سياسياً يراهنون عليه، كما أن خبرتهم في العمل السياسي والحزبي المصري شبه معدمة، لاسيما إذا ما قورنت بالإخوان المسلمين؟ مما لاشك فيه أن تلك الزيارة سوف تضع إدارة أوباما في حرج واضح أمام التيارات المعارضة له، لاسيما في الكونغرس الأمريكي والتي تتهمه بأنه وراء وصول الإسلاميين إلى الحكم في دول الربيع العربي، عبر دعم تياراتهم السياسية، لكن من الواضح أيضاً وفي سياق البراغماتية الأمريكية المعهودة أن هناك في واشنطن سواء داخل أروقة الخارجية الأمريكية أو بين الأجهزة الأمنية الاستخبارية من يرى أنه وإن كان من غير الممكن للأمريكيين أن يلتقوا فكرياً مع أفكار السلفيين، أو يتفقوا معها لتشددها وتعنتها في مجالات حقوق المرأة والأقليات على سبيل المثال، إلا أن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك علاقة منفعة متبادلة مع الغرب . يعن لنا في هذا المقام أن نتساءل هل يمكن أن يلقى السلفيون دعماً أمريكياً، لاسيما على صعيد الرأي العام الأمريكي من قبل إدارة أوباما وسفيرته في مصر آن باترسون اللذين يستميتان دفاعاً عن المشروع الإسلامي الإخواني السلفي؟ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي كتبت صحيفة “الواشنطن بوست" الأمريكية تقول “احذروا من خطر توسع السلفيين"، مؤكدة أن العواقب التي ستواجهها الحكومات العربية الجديدة الإسلامية الصبغية نتيجة توسع السلفيين وخيمة لدرجة غير متوقعة، وبخاصة لأن لديهم هدفاً مشتركاً للتنفيذ الكامل للشريعة الإسلامية، والأمريكيون يعلمون مسبقاً مواقف التيار السلفي الذي يمثل أقصى اليمين الديني الإسلامي في مصر وتلك الدول، ومواقفه السياسية ليست سراً، في مواجهة المشاركة السياسية التي لم يشجعها شيوخ كبار منهم، واعتبارهم أن الديمقراطية مجرد وسيلة وأداة يمكن أن تستخدم فقط لتطبيق الشريعة، عطفاً على مواقفهم من الأقليات الدينية وهم الذين يطالبون أو عدد بالغ منهم بتطبيق الجزية على الأقباط المصريين، وغياب مفهوم واضح لفكر المواطنة في أدبياتهم السياسية، ومكانة المرأة التي لا تزال في نظرهم يجب أن تنحصر فقط في المنزل والأسرة والكثير من المواقف التراثية الماضية . هل استقدمت واشنطن السلفيين لاستخدامهم كمخلب قط في الحال وورقة رابحة في الاستقبال تجاه الإخوان المسلمين، الذين باتوا في نظر واشنطن غير قادرين فعلاً وقولاً على القيام بمهام الحكم في مصر؟ الجواب في حاجة إلى قراءات مطولة، لكن خذ إليك عينة من وجهات النظر الأمريكية التي تقودنا إلى القول إن المشهد التحالفي الأمريكي الإخواني وإن لم ينفصم بالمطلق فإن زلزالاً سياسياً خطراً يتهدده . عبر وكالة “انتربريس سرفيس" يحدثنا “البروفيسور" أميل نخلة “المسؤول الكبير السابق في جهاز المخابرات المركزية الأمريكية عن العالم العربي بالقول “إن برنامج حكم الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين لمصر مخيب للآمال، فقد تعثر التزامه بالديمقراطية ولم تتوقف جهوده في تحقيق شمول الجميع والتسامح السياسي" . . من يشارك البروفيسور نخلة آراءه نفسها؟ قطعاً المفكر الكبير وعالم اللسانيات الأمريكي “اليهودي العادل" نعوم تشومسكي الذي يرى أنه رغم إلقاء واشنطن بثقلها وراء الإخوان بعد ثورات الربيع العربي، فإن الإخوان كجماعة خذلت الجماهير التي ثارت على الأنظمة القديمة أملاً بمستقبل أفضل، ومضيفاً أن الجماعة تتبنى السياسات الاقتصادية اليمينية نفسها المعادية للفقراء التي كانت من أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي . . ماذا عن إدراك أوباما لأبعاد الإشكالية المصرية في أزماتها الحالية؟ بحسب ما نشرته صحيفة “أمريكان انترناشيونال" فإن إدارة الرئيس أوباما تلقت تقارير مخابراتية، تتوقع سقوط الرئيس مرسي ونظام الإخوان في مصر خلال ثلاثة أشهر، ودعا التقرير الإدارة الأمريكية إلى التحرك لبحث مرحلة ما بعد حكم الإخوان وإيجاد بديل مساند للمصالح الأمريكية . هناك حتماً من لا يرى في مصر فصائل مدنية جاهزة للحكم غير الإسلاميين، وعلى هذا الأساس فإنه يجب دفع الإخوان المسلمين برفق في طريق الديمقراطية وألا يتم التخلي عنه بسهولة أو بسرعة . يحار المرء كثيراً في فهم ما تريده واشنطن، والحيرة تزداد إذا وضعنا تصريحات منسوبة لوزير الخارجية الأمريكي وتتسق مع تقارير الاستخبارات الأمريكية، إذ يروج أن كيري قال “إذا كان لمرسي ملاك حارس فإنه لن يظل في السلطة لأكثر من ستة أشهر" . غير أن المؤكد أن نتائج استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً في واشنطن، وفي مقدمتها معهد بروكنجز قد أثارت بالفعل مخاوف الأمريكيين، إذ أظهرت أن 70% من المصريين غير راضين عن سياسات الحكومة الاقتصادية، وأن الأوضاع تسير إلى الانهيار الاقتصادي في ظل غياب سياسات حكومية لمواجهة تراجع الأداء الاقتصادي وانخفاض معدلات النمو، وارتفاع نسبة البطالة والتضخم، إضافة إلى معاناة المصريين من ارتفاع الأسعار وغياب عدد من السلع الرئيسة . . هذا ما يرصده رجل الشارع البسيط، أما النخبة فترى أن الاقتراض الذي يسارع إليه الإخوان من كل صوب وحدب، كارثة للأجيال المصرية القادمة، فقد بلغت الديون الخارجية المصرية حتى نهاية إبريل الماضي 8 .38 مليار دولار . . هل حان وقت رحيل مرسي والإخوان؟ لا أحد يعلم علم اليقين ماذا تخطط واشنطن، وهل يمكن لها أن تكرر رهانها على الإسلاميين من جديد، لكن من يقرأ التقرير الحديث الصادر عن معهد المجلس الأطلسي- الأمريكي في واشنطن مؤخراً، وما فيه من أن “الجيش سيقوم بدور مهم في مستقبل العملية الديمقراطية في مصر"، يضع علامة استفهام حول عودة محتملة للقوات المسلحة، التي باتت الصحافة الأمريكية ذاتها تطالب بعودتها إنقاذاً لمصر من الأزمة الاقتصادية وانتشالها من الحرب الأهلية هل ستصدق تلميحات السفيرة الأمريكية “آن باترسون" التي أشارت إليها في لقائها مع وفد رجال الأعمال المصريين في واشنطن مؤخراً، من أن أمريكا تفكر في الجيش لإطاحة حكم مرسي والإخوان معاً؟