الخرطوم - النور أحمد النور يمر اليوم 24 عاماً على وصول الرئيس السوداني عمر البشير إلى الحكم عبر انقلاب عسكري دبّره الإسلاميون في نهاية حزيران (يونيو) 1989. وبات البشير أطول حكّام البلاد عمراً في السلطة منذ استقلالها في عام 1956 ويُعتبر «عميد الحكّام العرب». وتمر المناسبة بهدوء على غير العادة، إذ لم يحتف بها قادتها كما كانوا يفعلون، ولم يتذكرها الشعب السوداني المثقل كاهله بأوضاع اقتصادية معقّدة وظروف معيشية قاسية وأوضاع سياسية قاتمة وأمنية هشة. وظلّ قادة الحكم يتراجعون كل عام في الاحتفاء لمناسبة وصولهم الحكم، فكانت المناسبة قبل أكثر من عقدين لاستعراض القوة العسكرية والإنجازات التنموية وعطلة رسمية تذكّر المواطن بتغيير حكم «الإنقاذ الوطني»، ثم صارت احتفالات رسمية وموسم مخاطبات سياسية، قبل أن تأتي الذكرى خلسة الآن وتمر من دون أن يشعر بها أحد. وتأتي المناسبة بعد قرابة عامين من فقدان البلاد ربع مساحتها الجغرافية وخُمس عدد سكانها بانفصال جنوب السودان في تموز (يوليو) من عام 2011. وكان تقدير أهل الحكم أن الانفصال سيتبعه استقرار أمني ورفاه اقتصادي، غير أنه بعد عامين لم يجلب الانفصال سوى مزيد من الحروب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق واستمرار الحريق في دارفور. فقد السودان الجنوب والسلام معاً، وبعد أن كانت الحرب تجري على أطراف البلاد الجنوبية في الحدود مع أوغندا وكينيا أي نحو ثلاثة آلاف كيلومتر، صارت المواجهات العسكرية في قلب الدولة ولا تبعد عن الخرطوم سوى 350 كيلومتراً، مما عزز الضغط السياسي والأمني على مركز السلطة. حمل البشير على النظام الديموقراطي الذي انقض عليه قبل 24 عاماً أنه لم يحقق للبلاد استقراراً سياسياً، ولكن الاستقرار المنشود لا يزال بعيد المنال، إذ تشهد الساحة السياسية تجاذبات واستقطابات حادة وانقساماً يكاد يجر الوطن إلى تناحر يذهب بما تبقى منه. وبعد أكثر من عقدين لا تزال البلاد تبحث عن دستور دائم، ومعادلة سياسية للحكم تكون مقبولة للسواد الأعظم من الشعب، وتسوية بين مركز البلاد وهامشها تحقق استقراراً، وتراض بين مكونات الدولة يُوقف شد الأطراف الذي يهدد وحدتها. ذهب الجنوب بنحو 70 في المئة من عائدات الموازنة العامة للدولة التي غابت بغياب النفط، وفقد الجنيه السوداني نحو ثلثي قيمته وتجاوز معدل التضخم 40 في المئة وتراجع مستوى دخل الفرد وتمدد الفقر والفاقة والبطالة، واعترفت قيادة الدولة أن الحد الأدنى للأجور لا يكفي الموظفين وأسرهم. وكشف استطلاع للرأي العام أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومركزه الدوحة وأعلنت نتائجه الأسبوع الماضي، أن 54 في المئة من السودانيين يرغبون في الهجرة إلى خارج البلاد، 79 في المئة منهم دوافع هجرتهم تحسين أوضاعهم المعيشية، و5 في المئة لأسباب أمنية، و4 في المئة لأسباب سياسية، ويُعد ذلك مؤشراً على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد. كما أن استمرار النظام الحاكم بتركيبته الحالية يبدو صعباً الآن. فقد أضاع قادة الحكم فرصاً عدة لإجراء إصلاحات سياسية بسبب التوازنات الداخلية التي لا تتيح للنظام دفع ثمن تلك الإصلاحات، إذ إنها ستكون على حساب طرف وعنصر قوة لطرف آخر، مما أدخل البلاد في حال جمود، فتعقدت مشكلاتها وضاقت فرص المناورة لحلها، وصارت مرشحة للتغيير وفق سيناريوات مختلفة. ومن السيناريوات المطروحة في السودان حالياً بروز تيار إصلاحي من داخل النظام الحاكم نفسه، وإقصاء طبقة تتحمل مسؤولية التدهور وتقف حجر عثرة أمام أي تغيير خوفاً من دفع ثمنه، ثم تحقيق مصالحة وطنية، أو انقلاب عسكري يتولى الحكم فترة انتقالية، وإجراء انتخابات تسلّم السلطة إلى من تفرزهم صناديق الانتخابات، وأخيراً قيام انتفاضة شعبية تطيح نظام الحكم القائم وتشكّل سلطة انتقالية تهيئ الظروف لمرحلة ديموقراطية جديدة.