ما مدى صحة سيناريو إزاحة نائب البشير؟ ياسر محجوب الحسين تموج الساحة السياسية السودانية هذه الأيام بجدل التشكيل الوزاري الجديد وهذا أمر طبيعي يحدث كلما اقتربت حكومة الرئيس عمر البشير من تعديل أو تشكيل وزاري جديد؛ بيد أن المثير هذه المرة بروز تسريبات صحفية تتحدث عن ابعاد الرجل الثاني في الدولة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه واسناد منصب رئيس البرلمان له بحجة أن البلاد مقدمة على معركة دستورية فاصلة تتمثل في إقرار دستور دائم يحل محل الدستور الانتقالي الحالي الذي صدر مع انفاذ اتفاقية السلام الشامل الموقعة في 2005 بين حكومة السودان والحركة الشعبية التي كانت تقاتل الخرطوم في أحراش الجنوب يعضد ذلك خلفية الرجل القانونية.. لكن هل بالفعل سيتخلى البشير عن ساعده الأيمن الذي كان الكفة الراجحة في ما عرف بالمفاصلة التي خرج بموجبها الدكتور حسن الترابي من الحكومة وكوّن حزباً معارضاً باسم المؤتمر الشعبي وأصبح طه رمزاً للقيادة الحركية للإسلاميين الذين إنحازوا لجانب البشير؟.. أم أن الأمر مجرد تسريبات صحفية في صحف بعينها يقف من وراء تلك التسريبات منافسو طه في حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة البشير والغرض منها ارباك الرجل واخراجه عن وقاره الذي عرف به؟.. البعض يؤكد أن الرئيس البشير يثق فقط في بعض قادة الجيش ولا يعول كثيراً على النخب السياسية المدنية من أمثال طه؛ بل يستخدم معهم تكتيكا معينا بحيث لا يتمكن أيٌّ منهم من الاستقواء والبروز على حسابه، ولذا فهو أي البشير سعيد بأن تدور معارك بينهم ليضعف بعضهم بعضا ويكون وحده هو الرابح.. في نفس الوقت يرى البعض الآخر أنه لا غنى للبشير من رجل بمواصفات نائبه الأول الذي تمثل إزاحته في الوقت الحاضر خسارة كبيرة للبشير قد يصعب تقدير حجمها. ومنهم من يرى أن إزاحة الرجل استهداف مباشر للبشير نفسه من خلال كشف ظهره، ويرون أن طه زاهد في كرسي الرئاسة رغم أنه الأقرب في حين أن آخرين يسعون بطرق مختلفة وأساليب مستحدثة لخلافة البشير وربما يرون في طه عقبة كأداة في طريقهم سواء كونه ذراع يمين للبشير أو باعتباره خليفة قويا محتملا له. يعتبر طه رجل دولة من طراز فريد ويمتلك قدرات سياسية كبيرة واحترام وتقدير سواء من جانب الذين يتفقون معه أو من جانب الذين يختلفون معه.. عند وفاة النائب الأول الأسبق للرئيس البشير الفريق أول الزبير محمد صالح في حادث سقوط طائرة في العام 1998م، وجد البشير في طه الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية حينها الرجل المناسب لملء فراغ منصب النائب الأول.. لقد برز نجم الرجل منذ أن انتخب رئيساً لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1967م.. وقد ظهرت مواهبه السياسية منذ أن أُبتعث وعمره 30 عاما إلى بريطانيا في العام 1977 للقاء القيادي الاتحادي البارز المرحوم الشريف حسين الهندي، زعيم الجبهة الوطنية المعارضة لحكم الرئيس الاسبق جعفر نميري، لينقل وجهة نظر جبهة الميثاق الاسلامي حول عملية المصالحة الجارية حينذاك مع نظام نميري.. كذلك استفاد طه كثيراً من تقديمه المبكر للقيادة، تحديداً منذ العام 1986م عندما أصبح نائباً للأمين العام للجبهة الإسلامية القومية التي كان يقود أمانتها العامة الدكتور الترابي، وكذلك قيادته للمعارضة البرلمانية في مواجهة الصادق المهدي.. لعل أبرز المحطات السياسية للسيد علي عثمان محمد طه ترؤسه مفاوضات السلام بين شمال وجنوب السودان حيث أفضت إلى توقيع اتفاق السلام الشامل في التاسع من يناير 2005م.. دور الرجل في انجاح الاتفاقية أكسبه احتراماً دولياً وإقليمياً.. وكنتيجة لاستحقاقات هذه الاتفاقية أدى طه القسم نائباً ثانياً لرئيس الجمهورية مفسحاً المجال لقائد تمرد الحركة الشعبية في الجنوب جون قرنق كنائب أول ممثلا للحركة التي وقعت مع الحكومة الاتفاقية. إن كان الهدف من إزاحة طه توسيع المشاركة السياسية بإسناد المنصب لحزب الأمة على سبيل المثال أو حزب المؤتمر الشعبي فإن الإزاحة تكون منطقية ومن المؤكد أنها ستتم بكامل الرضا من جانبه أما إن كانت حلقة من حلقات الصراع بين أفيال حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة البشير فإن تداعيات الأمر قد لا تكون محسوبة وستقضي على من تبقى من تماسك في حزب المؤتمر الوطني وحينها سيكون الرئيس البشير أكبر الخاسرين.