اعتبر كثير من الصحفيين والمراقبين المؤتمر الصحفي الذي عقده النائب الأول للرئيس السوداني الأسبوع الماضي ضربة البداية في إطار حملة لخلافة الرئيس البشير الذي جدد وبشكل حاسم خلال حواره مع هذه الصحيفة عدم رغبته في الترشح مرة أخرى لرئاسة البلاد في الانتخابات القادمة في أبريل 2015.. بعد (4) أيام فقط عقب عودته من إجازته السنوية الطويلة نسبياً، دعا علي عثمان محمد طه إلى مؤتمر صحفي دعيت له قيادات أجهزة الإعلام المحلية ومراسلو نظيراتها الأجنبية.. الرجل بدا بلياقة ذهنية عالية ومعنويات تعانق السماء.. المؤتمر جاء على خلفية أحداث سياسية مهمة.. فالرجل معنيٌ بعاصفة إعلان البشير زهده في الرئاسة بحكم أنه الأقرب لخلافة البشير بحكم موقعه القيادي سواء في حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو في كابينة القيادة التنفيذية فضلاً عن تاريخ سياسي مترع بالنشاط.. طه جاء من رحلته الخارجية وفي جعبته "اختراق" مهم في علاقة حزبي المؤتمر الوطني بقيادة البشير والمؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي، إذ التقى الرجل الثاني في حزب الترابي المقيم في ألمانيا الدكتور علي الحاج محمد وهو لقاء يعتبر الأول من نوعه على هذا المستوى عقب انشقاق حزب المؤتمر الشعبي عن حزب المؤتمر الوطني في العام 1999 والذي عرف بالمفاصلة.. الممانعون في الطرفين قللوا من اللقاء واعتبروه لقاءً اجتماعياً لا أكثر، بينما أقر الرجلان بأنهما نقاشا القضايا الوطنية كافة وأن نتيجة اللقاء سيعرضها كل منهما على مؤسسات حزبه. في ذات المؤتمر الصحفي طرح طه مبادرة لحوار شفاف وغير مشروط بين الحزب الحاكم وبين أحزاب المعارضة، وقد لاقت المبادرة قبولا من جانب المعارضة مع بعض التحفظات التي ربطت نجاح المبادرة بشرط إطلاق الحريات وتهيئة البيئة الملائمة للحوار.. حشد طه العديد من العبارات والكلمات ليصوغ بها إجابة محكمة تمكنه من تخطى مطبات أسئلة الصحفيين بشأن موقف الرئيس البشير من الترشح، وكان باطن تلك الأسئلة غير ظاهرها وهي تقول للرجل هل أنت خليفة البشير الأكثر حظاً؟ ومعروف أن للرجل قدرة فائقة في التعامل مع الأسئلة "الملغومة"؛ ففيما أكد شعبية البشير وضرورة أن يستكمل استحقاقات سياسية مازالت قيد الإنجاز وأن لمؤسسات الحزب الحاكم كلمة فصل في أمر الترشح، أكد في الوقت نفسه أن البشير صادق في قراره وقناعته بعدم الترشح مع إشارة منه إلى إتاحة الفرصة للوجوه الجديدة في إطار ضرورة تواصل الأجيال ونقل الخبرات إليها.. لقد كسب طه نقاطاً كثيراً إلى رصيده السياسي بالقياس إلى التناول الصحفي لمخرجات المؤتمر وإشادة الصحافة بقدرة الرجل على الإجابة على كل الأسئلة الصعبة وأظهرته وكأنه رجل المرحلة. عند وفاة النائب الأول للرئيس الفريق الزبير محمد صالح في حادث سقوط طائرة في العام 1998م، وجد البشير في علي عثمان الرجل المناسب للقيام بمهمة النائب الأول.. وعند اختلاف البشير مع الترابي في العام التالي 1999م انحاز طه للرئيس البشير وأصبح رمزاً للقيادة الحركية للإسلاميين الذين انحازوا لجانب البشير.. لقد برز نجم طه منذ أن أنتخب رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1967م.. وقد ظهرت مواهبه السياسية منذ أن ابتعث وعمره 30 عاما إلى بريطانيا في العام 1977 للقاء القيادي الاتحادي البارز المرحوم الشريف حسين الهندي، زعيم الجبهة الوطنية المعارضة لحكم الرئيس الأسبق جعفر نميري، لينقل وجهة نظر جبهة الميثاق الإسلامي حول عملية المصالحة الجارية حينذاك مع نظام نميري.. كذلك استفاد طه كثيراً من تقديمه المبكر للقيادة، تحديداً منذ العام 1986م عندما أصبح نائباً للأمين العام للجبهة الإسلامية القومية التي كان يقود أمانتها العامة الدكتور الترابي، وكذلك قيادته للمعارضة البرلمانية في مواجهة رئيس الوزراء الصادق المهدي. لعل أبرز المحطات السياسية للرجل ترأسه مفاوضات السلام بين شمال وجنوب السودان حيث أفضت إلى توقيع اتفاق السلام الشامل في التاسع من يناير 2005م.. دور الرجل في إنجاح الاتفاقية أكسبه الاحترام الدولي والإقليمي.. وكنتيجة لاستحقاقات هذه الاتفاقية أدى طه القسم نائباً ثانياً لرئيس الجمهورية مفسحاً المجال لقائد تمرد الحركة الشعبية في الجنوب جون قرنق ليحتل مكانه كنائب أول ممثلا للحركة التي وقعت مع حكومة البشير تلك الاتفاقية. قد لا يكون الطريق معبداً للرجل لخلافة البشير بهذه البساطة، لكنه بدون شك قد قطع شوطاً مقدراً ويبقى الأقرب للخلافة بكل المقاييس، وستكون خلافة البشير وهو الضابط في القوات المسلحة السودانية محكاً مهماً لتداول السلطة بين العسكريين والمدنيين، فهل يقبل الجيش الذي ظل دوره في مسرح السياسة السودانية حاضراً بقوة بزعامة علي عثمان محمد طه، المحامي ورجل الدولة المحنك؟ الشرق