لم تكن الإجراءات الأمنية المشددة هي اللافت الأبرز الوحيد في زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت للخرطوم، بل إن اكتفاء الطرفين بتشكيل لجان مشتركة, وإحجامهما عن إصدار بيان مشترك بشأن القضايا العالقة بينهما كان الأكثر بروزا. ولم يخيب الطرفان ظن كثير من المراقبين والمحللين السياسيين الذين استبعدوا إمكانية تجاوزهما لكافة الخلافات وتحقيق اختراق جدي يضع الحلول الممكنة على طاولة البحث. ويبدو أن تمسك كل طرف بموقفه من تلك القضايا –وإن لم يعلن عن ذلك صراحة- لم يحفزهما بالتالي للمضي قدما نحو المعالجات الشاملة، رغم ما وصفاه بحسن النوايا الذي ساد الحوار واللقاءات المشتركة. فالرئيس عمر حسن البشير -الذي أكد سيادة روح الإصرار لحل كافة القضايا العالقة بجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية- أكد تكوين لجان وبسقف زمني محدد لمعالجة المشكلات بين البلدين. بداية جديدة وقال للصحفيين إن ما يجمع بين الدولتين أكبر مما يجمع بين أي بلدين آخرين، مؤكدا أن الزيارة "بداية لانطلاقة العلاقة المتميزة بينهما". أما نظيره الجنوبي سلفاكير فاعتبر الزيارة فرصة طيبة "للنقاش والتفاوض للوصول إلى نتائج حول قضايا أبيي والقضايا الاقتصادية والسياسية الأخرى"، مؤكدا ما تم تكوينه من لجان لأجل مناقشة تلك القضايا. واعتبر سلفاكير في كلمته للصحفيين أن تكوين اللجان "تأكيد على الرغبة في عدم العودة للحرب من جديد"، مشيرا إلى أن حكومته لن تسمح بتدخل أي عنصر يريد أن يعود بالبلدين إلى مربع الخلافات والقتال "لأننا نتباحث لأجل الاستقرار وسنحارب جميعا العدو الذي يحاول الوقوف ضد بلدينا". السودان الجديد لكن المحلل السياسي حسن مكي اعتبر أن هناك اتجاها بدولة الجنوب يقوده المؤمنون بنظرية السودان الجديد "يريدون استنزاف السودان -باعتقادهم ضعف حكومته- لأجل الإطاحة بها بالتنسيق مع الحركة الشعبية قطاع الشمال". وأشار في تعليقه للجزيرة نت إلى وجود آخرين يرغبون في علاقات طيبة وتصفية كافة المسائل العالقة، معتبرا أن "هذه الفئة هي الأضعف في الدولة الوليدة". وعبر عن اعتقاده بأن مجموعة السودان الجديد "ربما أصبحت هي سيدة الموقف لسيطرتها على المؤسسة العسكرية والسياسية بدولة الجنوب"، مشيرا إلى أن زيارة سلفاكير "محاولة لتبرئة الذمة مما يمكن أن يحدث مستقبلا وليس لمعالجة القضايا العالقة". أما الكاتب والمحلل السياسي محمد على سعيد فلم يستبعد أن يكون الطرفان قد فشلا في الاتفاق على حل أي من القضايا الحساسة مثل أبيي ومسألة التمرد بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وترسيم الحدود بين الدولتين. بيان مشترك ونبه إلى أن عدم إصدار بيان مشترك بين الجانبين "دليل على عدم توصلهما لأي اتفاق"، معتبرا أن اتفاقهما على معالجة خلافاتهما بدون الاعتماد على أطراف خارجية "هو الأمر الإيجابي الوحيد". لكنه -أي سعيد– شكك في حديثه للجزيرة نت في مقدرتهما على الاستغناء عن وساطة الاتحاد الأفريقي وغيره من الوسطاء، مؤكدا نجاح صقور الطرفين في كسب الجولة الحالية "على الأقل في المرحلة الحالية". واعتبر أن تكوين اللجان "أمر درج عليه الطرفان منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005 ولا يعني تحقق أي نجاحات بدون وسطاء أو تدخلات أجنبية".