بت صيدلة الخرطوم وسوق ستة الحاج يوسف..قالوا الوطن لا يتسع لنا معا لكننا نعرف أكثر من غيرنا أن هذا كذب صريح استيلا قايتانو في الخرطوم.. مشاهدات من تأبين حلمنا القديم جلست استيلا جوار الكاتب الأرتيري حجي جابر كأجنبية كاملة الحسن والبهاء، الصور الفوتغرافية والضحكات المصطنعة تعمدها كاتبة من دول الجوار، المشهد كله يقول: أكملت لكم انفصالكم ورضيت لكم الجنوب وطنا آخر. وقفت بعيدا جدا أرمق استيلا بحزن عاشق خسر للتو معركته، الكرنفال جميعه أقيم من أجل تأبين حلمنا القديم بوطن حدادي مدادي، وها هي استيلا تدخل الخرطوم بجواز سفر واستقبال في المطار مع ضيوف البلاد. استيلا بت صيدلة الخرطوم، وسوق ستة الحاج يوسف، عضو موتمر الطلاب المستقلين بجامعة الخرطوم وزميلتنا على مقاعد المجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم. قالوا الوطن لا يتسع لنا معا، لكننا نعرف أكثر من غيرنا أن هذا كذب صريح، على مقاعد المجلس الأربعيني وفي الصالة الصغيرة جلسنا جميعا، توماس من الجنوب والتعايشي من أقصى الغرب وشخصي من الغرب الأوسط وتاج الختم من أقصى الشمال وبلول من الجزيرة وجمع من أولاد الخرطوم. كان المجلس الأربعيني مهرجانا للتنوع الديني والإثني والجهوي والطبقي ومختلف الميول والهوايات. زاملنا استيلا في مجلس الاتحاد.. جميلة، ودودة، كثيفة الحضور، قادرة على إطلاق النكات في أحلك الظروف. يوم رشحنا الاتحاد هي وشخصي لتمثيل جامعة الخرطوم في أحد الموتمرات الأدبية بالقاهرة جهزت نفسي لرفقة طويلة وجميلة بهارها الحكايات والأنس الشفيف، لكن صديقا لنا من تنظيم آخر قال انظروهم، حال وصولهم للاتحاد ساروا على ذات الطريق. السفر، الترفيه، النثريات. لم يكن التزامنا النضالي يومها يسمح لنا بتحمل تلك الترهات، ورفضت السفر مغاضبا وتناست استيلا الأمر وأطلقت نكتة كما ذكرها لي صديقنا بانقا لاحقا (محرمي أتاخر في الإجراءات)، لم أكن أعرف استيلا هل هي مسلمة، أم مسيحية، أم عابدة أرواح وحتى الآن لا أعرف، سؤال الدين والقبيلة ظل في سنوات المشاريع الكبيرة جريمة لا تغتفر، لذلك أصبحنا نتعرف على بعضنا سنوات الانتظار. إبان أحداث الجنوب الأخيرة عرفت أن الشاب (ورر) الطالب السابق بكلية الآداب والصوت الانفصالي القوي سنوات التسعينيات قد اغتيل في الأحداث، بكيناه بحق الزمالة، بكينا شبابه الغض ومشروعه الذي دافع عنه كل سنوات حياته (قيام دولة في جنوب السودان) ومع ذلك أول ما فعلته الدولة أن سرقت روحه وحلمه.. سألت لام أكوي لماذا أنت خارج الجنوب؟ وهل أنت مطارد؟ دعني أسألك لأول مرة وفي خجل: ما هي قبيلتك؟ ذات حضور لفرقة البالمبو جلست جوار استيلا في الميدان الشرقي بالجامعة ومضت تشرح لي بفصاحتها البينة وروحها الودودة معنى الرقصات وكلمات الأغنيات التي تمثل قيم القبيلة وتمجد الشجاعة والوفاء وتحكي في إيقاع أفريقي راقص وقوي يمازج بين القوة والجمال كثنائية نادرة الحدوث. إبان فعاليات جائزة الطيب صالح هربت من حضور حديث استيلا في القاعة، وشاهدته لاحقا في اليوتيوب، قدمت استيلا إفادات قوية بروحها الفكهة رغم حديثها عن أحلك حقب السودان الحديث وحروب أبنائه التي خلفت مجتمع النزوح والفقر والحقد الاجتماعي والاستبعاد والشعور بالغربة التي قادت لاحقا لخيار الانفصال. قال لي مصطفى بانقا: لماذا لا نأخذ صورة تذكارية مع استيلا؟ قلت: صورة لماذا؟ تحاججت معه وتراجعت للخلف هاربا من طرحه، شعرت بأنني لا أرغب إطلاقا في صورة معها، الصورة نحتاج إبرازها لنقول: انظروا كنت قرب استيلا تلك اللحظة، الصورة إثبات لشي يحتاج لتوثيق. استيلا صديقتنا، ودفعتنا وبنت تحالفنا الذي رمى بثقله خلف معركة الوحدة، الصورة ستذكرني بتلك الخسارة. أنقذنا موظف الشركة الراعية للتكريم لأنه يريد أن يأخذ استيلا إلى برنامج معد للضيوف واستيلا في الأوراق الرسمية أجنبية. الموظف لا يعرف سوى الأوراق الرسمية، شكرته في سري، فقد أنقذني من موقف عصيب وهربت من الصورة وسرت في شارع النيل وبقلبي حزن أسود محمد الفكي سليمان: صحيفة اليوم التالي