عادت المظاهرات المليونية إلى ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية القاهرة أمس الجمعة، مفعمة بأجواء ثورة 25 يناير/كانون ثاني الماضي التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث وجه المشاركون فيها رسالة إلى المجلس العسكري الحاكم بضرورة الإسراع في إنهاء الفترة الانتقالية وتسليم السلطة إلى المدنيين. وبعد عدة أسابيع من غياب التجمعات الضخمة -التي باتت سمة أثيرة له منذ انطلاق الثورة- اكتظ الميدان أمس بالمتظاهرين بسبب مشاركة أغلب القوى السياسية، وفي مقدمتها التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، إضافة إلى حركة شباب 6 أبريل وعدد من مجموعات شباب الثورة. قوى غائبة وغابت عن المظاهرة عدة قوى سياسية مهمة تتقدمها الجمعية المصرية للتغيير ورئيسها محمد البرادعي، إضافة إلى المرشح الرئاسي المحتمل عمرو موسى، وأحزاب الوفد، والتجمع والكرامة، والمصريين الأحرار. وتميزت المظاهرة بانطلاق أحد روافدها من ميدان مصطفى محمود بالجيزة الذي كان مكان تجمع المؤيدين للرئيس المخلوع خلال الثورة التي أطاحت به، وهو ما اعتبره البعض إيذانا بأن الميدان عاد إلى حضن الثورة من جديد. وحملت المظاهرة أسماء متعددة مثل "جمعة المطلب الوحيد"، و"جمعة حماية الديمقراطية وتسليم السلطة"، و"جمعة رفض الوثيقة"، لكن الهدف كان واحدا وهو مطالبة العسكر بسرعة تسليم السلطة، فضلا عن التعبير عن الرفض لوثيقة المبادئ الدستورية. وكانت هذه الوثيقة -التي حملت اسم "وثيقة السلمي" نسبة إلى علي السلمي نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي- العامل الأساسي في عودة المظاهرات المليونية، بعدما شعرت قوى سياسية أساسية بأن المجلس العسكري يريد فرض هيمنته على الحياة السياسية، وخصوصا عملية كتابة الدستور المقبل، فضلا عن الحصول على وضع استثنائي يجعله بمفرده القيّم على ميزانية الجيش وضعا وإقرارا. انتقادات وأثارت الوثيقة الكثير من الانتقادات الحادة للمجلس العسكري، وهو ما تجلى في معظم الكلمات التي ألقيت خلال المظاهرة. وقال المرشح المحتمل للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح "إننا مستعدون لتقديم شهداء جدد لحماية الثورة ممن يريدون إجهاضها"، مطالبا المجلس العسكري بضرورة تحديد موعد نهائي لتسليم السلطة في موعد أقصاه أبريل/نيسان المقبل. وبدوره قال مرشح رئاسي محتمل آخر هو محمد سليم العوا إن التظاهرات يمكن أن تتحول إلى عصيان مدني، إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الشعب بنقل السلطة إلى المدنيين، ورفض وثيقة السلمي للمبادئ الدستورية، مؤكدا أن الشعب هو من يقرر ولا يوجد فوقه أحد، في حين قال المرشح المحتمل للرئاسة حازم أبو إسماعيل إنه سيعود إلى الميدان في التاسع من الشهر المقبل إذا لم تتحقق المطالب.تحذيرات وحذر الداعية الإسلامي صفوت حجازي المجلس العسكري من الطمع في السلطة، وقال إن عليهم ألا يفسدوا ما قاموا به في بداية الثورة بالطمع في السلطة. وأكد أن مصر "لن يحكمها إلا رئيس مدني منتخب، ويجب تسليم السلطة له قبل منتصف العام المقبل". وقال إنه في حالة المماطلة سيتم انتخاب رئيس مدني من ميدان التحرير، معتبرا أن ثوار 25 يناير أخطؤوا عندما تركوا الميدان وخرجوا دون تشكيل مجلس لقيادة الثورة. أما الشيخ حافظ سلامة -الذي كان قائدا للمقاومة الشعبية بمدينة السويس خلال حرب 1973 ضد إسرائيل- فصب جام غضبه على المجلس العسكري، واعتبر أن "إدارته السيئة بعد الثورة أضاعت هيبته وتقديره عند الشعب"، كما طالبه بسرعة الرحيل عن السلطة، معتبرا أنه بعد مرور نحو عشرة أشهر على سقوط مبارك لم يتم تحقيق أي من أهداف الثورة. وعلى عكس معظم المليونيات الكبرى في الأشهر الماضية، فقد افتقدت مظاهرة الجمعة بيانا اعتاد المجلس العسكري على إصداره عشية كل مليونية متوقعة، يحذر فيه من عواقب التعدي على المنشآت الحيوية والعسكرية، ويطالب المتظاهرين بحماية أنفسهم، لكن اليوم مر بسلام ودون أي أعمال شغب أو عنف.