بعد انتظار دام 83 عاما تشعر جماعة الاخوان المسلمين في مصر اخيرا بأن هناك فرصة لان تكون محورا لنظام الحكم في مصر ويأمل الاسلاميون في ان يقودوا نهضة أمة تعاني من تراجع اقتصادي وسياسي حاد. وسيحدد هذا الطموح قبل أي شيء اخر الخطوات التالية لجماعة تدين بالفضل في بقائها حتى الان للطريقة العملية التي تتعامل بها مع الاوضاع. ومن المرجح ان يواصل الاخوان المسلمون اتباع طريقة حذرة على أمل تبديد مخاوف في الداخل والخارج بشان رؤيتهم المستقبلية لمصر. وقرب الاداء القوي للاخوان في الانتخابات التي بدأت هذا الاسبوع البلاد الى احتمالات لم تكن واردة على الاطلاق قبل عام.. مثل تشكيل حكومة قد تتأثر بل ربما قد تقودها جماعة كانت محظورة ابان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. شعار الاخوان المسلمين الذين يتزعمهم أطباء ومهندسون ومعلمون هو "الاسلام هو الحل". لكنها تتحدث باللغة ذاتها التي يتحدث بها اصلاحيون اخرون عندما يتعلق الامر بالحاجة للديمقراطية واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية في مصر. ويقول منتقدون ان هذه اللغة تخفي أهدافهم لتحويل البلاد الى دولة اسلامية خلسة وقمع الحريات في مصر التي يسكنها 80 مليون نسمة منهم عشرة في المئة من المسيحيين. في مكتب للاخوان داخل مبنى سكني بسيط في منطقة سكنية مطلة على النيل تحدث أحد القياديين عن برنامج سياسي أدى الى عقد مقارنات مع جماعات اسلامية معتدلة أخرى في المنطقة. وقلل عصام العريان وهو طبيب "حان الوقت أن نبني دولة حديثة.. دولة قانون حديثة.. دولة ديمقراطية". وكان العريان سجينا سياسيا عندما أطيح بمبارك في فبراير/شباط وهو أيضا قيادي في حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الاخوان المسلمين. ورفض مقارنة حركته بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ذي الجذور الاسلامية وقال في مقابلة "أتمنى أن يكون لدينا نموذج مختلف". ومضى يقول "نتمنى أنه عندما نبني بلدا ديمقراطيا حديثا في مصر ان يكون مثالا طيبا ويلهم اخرين ببناء نظام ديمقراطي". هذه أهداف تتحدث عنها منذ زمن الطويل الجماعة التي كانت تنتقد بشدة مبارك خلال 30 عاما قضاها في السلطة. وأبقى مبارك على حظر كان مفروضا على الجماعة التي كان كثيرا ما يلقى القبض على أعضائها وقيادييها من امثال العريان. ويظهر هذا علاقة الجماعة المضطربة بالدولة منذ أن تأسست عام 1928 على يد حسن البنا الذي كان يعمل بالتدريس. وعلى الرغم من أن الاخوان نبذوا العنف في مصر في السبعينات ظلت شكوك الدولة مستمرة ازاء اهدافهم. وفي عهد ما بعد مبارك يواجه الاخوان المسلمون منافسة جديدة من جماعات اسلامية اكثر تشددا ظهرت كمنافسين. وتحدث قياديو الاخوان عن أحزاب سلفية جديدة باستخفاف يصل الى حد الترفع. لكن في الشوارع تعاون الجانبان خلال الفترة التي سبقت الانتخابات التي بدأت الاثنين. وعزز هذا من رأي المصريين العلمانيين وقطاع أكبر من المجتمع بأن الاخوان لهم نفس رغبة السلفيين في تطبيق اكثر صرامة للشريعة. ويتساءل البعض عما اذا كانت الجماعة ربما تحظر الاختلاط بين النساء والرجال على الشواطئ او بيع الخمور. مثل هذه الخطوات ستضر بقطاع السياحة الذي يعمل به واحد من كل ثمانية في مصر. ولا يساهم برنامج حزب الحرية والعدالة الذي يقع في 79 صفحة كثيرا في تبديد تلك المخاوف. على سبيل المثال فانه ينتقد ساحة الغناء في مصر ويقول انها أصبحت ترتبط في الاذهان "باثارة الشهوات". ويقول برنامج الحزب ان من أهدافه "توجيه الاغنية المصرية الى أفق أكثر أخلاقية وابداعا واتساقا مع قيم المجتمع وهويته ودعم شركات الانتاج التي تلتزم بهذا التوجه". يقول علي خفاجي امين الشباب في حزب الحرية والعدالة البالغ من العمر 28 عاما ان المخاوف من الجماعة مبالغ فيها. ويصف خفاجي وهو عضو في الجماعة منذ أن كان في المدرسة الثانوية جماعته بأنها معتدلة جدا ومنفتحة. وأضاف أن هدف الجماعة هو انهاء الفساد وبدء الاصلاح والتنمية الاقتصادية وأن هذا ما جذب الكثير من الانصار للانضمام اليها بمن فيهم هو نفسه. ونفى خفاجي ما يدور عن حظر الاخوان للخمور أو اجبار النساء على ارتداء الحجاب في حالة توليها السلطة. وأضاف أن فرض مثل هذه القواعد ضرب من الجنون وان جماعة الاخوان لا تتسم بالجنون بل هي جماعة عقلانية لها فهم جيد بالشعب المصري والاسلام. وتمثل سياسات الاخوان في المستقبل مصدرا للقلق في الخارج تماما مثلما هو الحال في الداخل. ففي الولاياتالمتحدة التي تدفع لمصر 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويا أبدت شخصيات منها السناتور الأميركي جون مكين مخاوف. وحذر مكين في مارس/اذار من أن يؤدي صعود الجماعة الى شكل "اكثر تطرفا" في الحكم. لكن ادراكا من الولاياتالمتحدة للدور الذي من المتوقع أن تقوم به الجماعة فانها على اتصال بها في الوقت الحالي. وتتساءل حكومات اجنبية كيف يمكن ان يتصرف الاخوان اذا أصبح لهم كلمة مسموعة في السياسة الخارجية وكان من معالمها في عهد مبارك التحالف مع الولاياتالمتحدة والسلام مع اسرائيل. ولا تخفي جماعة الاخوان التي تمثل مصدر الهام ايديولوجي لجماعات في أنحاء المنطقة منها حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) التي تعتبرها واشنطن منظمة ارهابية عداءها لاسرائيل. ويقول زعماؤها انهم لا يريدون الغاء معاهدة سلام 1979 مع اسرائيل لكنهم تحدثوا عن احتمال اجراء استفتاء عليها. ويقول دبلوماسيون ان الارجح هو الابقاء على المعاهدة مع الغاء كل أشكال التعاون مع اسرائيل. ويتوقع محللون ودبلوماسيون أن تتجنب الجماعة على المدى القصير المجالات التي تثير جدلا وأن تركز على الاصلاحات التي يمكن أن تلقى توافقا. وقال دبلوماسي غربي "من حواراتنا مع الاخوان المسلمين نتوقع منهم ان يكونوا عمليين وأن يتعاونوا مع قطاع عريض من الشركاء للتوصل الى حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية الصعبة التي تواجه مصر". وقال شادي حامد وهو مدير الابحاث في مركز بروكينغز الدوحة ان الاخوان ربما يحاولون تشكيل ائتلاف في البرلمان الجديد مع جماعات علمانية ادراكا منهم للمخاوف الموجودة لدى قطاع من المصريين. وقال "سيبذلون قصارى جهدهم لاظهار أنهم سيتعاونون مع جماعات اليسار والجماعات الليبرالية". كما يتعين عليهم تحديد العلاقة مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد حاليا منذ الاطاحة بمبارك. وعلى الرغم من مساندتهم لخطة المجلس العسكري لنقل السلطة في فترة ما بعد مبارك الى الحكم المدني فان الاسلاميين يرتابون في استراتيجية المجلس ويريدون انهاء دوره في الحكم. ومن الممكن ان تمهد دعوة الاخوان لان يشكل البرلمان حكومة جديدة في يناير/كانون الثاني عندما تنتهي الانتخابات الساحة لمواجهة مع المجلس العسكري لان القادة العسكريين قالوا السبت انهم سيحتفظون بسلطاتهم. لكن بأي حال فان الاخوان الذين اكتسبوا الثقة من خلال مساعدة الفقراء خلال عهد مبارك سيستهدفون النمو الاقتصادي للحد من الفقر واقناع الناخبين بأنهم يصلحون لحكم البلاد. وقال حامد "سيتعين عليهم أن يحققوا انجازا ما. ستكون لقمة العيش هي محور تركيزهم... لكنهم يهتمون أيضا باضفاء الطابع الاسلامي لكن هذا لا يرد كثيرا في خطابهم هذه الايام". وتابع "سوف ينشغلون بالسياسات الاقتصادية". الملتحون' يحكمون مصر: السياحة تحتضر نتائج الانتخابات المصرية تتأجل يوما آخر، والأزمة الاقتصادية مهمة صعبة تنتظر الحكومة الجديدة. قال مسؤول في اللجنة القضائية العليا للانتخابات المصرية إن اللجنة أجلت إلى الجمعة إعلان نتائج المرحلة الأولى لأول انتخابات حرة في البلاد منذ نحو 60 عاما وسط توقعات بأن يحقق الاسلاميون الاغلبية في البرلمان وسط تزايد المخواف على القطاع السياحي من هذا النجاح، في وقت رسم المجلس العسكري الحاكم صورة قاتمة للاقتصاد. وسيعزز نجاح الاسلاميين في انتخابات مصر اكثر الدول العربية سكانا اتجاها في شمال افريقيا حيث يقود اسلاميون معتدلون الآن الحكومات في المغرب وتونس بعد مكاسب انتخابية. وكان مقررا أن تعلن اللجنة نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية الخميس، لكن إعلانها تأجل لاستمرار الفرز في بعض الدوائر بجسب مسؤول في اللجنة. ولن تعلن نتائج القوائم الحزبية إلا في يناير/ كانون الثاني بعد انتهاء المراحل الثلاث للانتخابات. وتعتقد جماعة الاخوان المسلمين أقدم الجماعات الإسلامية وأكثرها تنظيما أن حزب الحرية والعدالة الجديد ذراعها السياسي على وشك أن يحصل على نحو 40 في المئة من المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية بعد المرحلة الأولى من التصويت هذا الأسبوع. ويراقب العالم عن كثب الانتخابات المصرية ولديه حرص على استقرار البلاد التي تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل وتمر بها قناة السويس التي تربط بين أوروبا وآسيا، وكانت حليفا للغرب في احتواء المتشددين الإسلاميين في عهد مبارك، كما يراقب الغربيون التغيرات السياسية بلد كان وجهتهم السياحية المفضلة. ودعت الولاياتالمتحدة وحلفاء غربيون لها المجلس العسكري إلى التنحي سريعا وتسليم السلطة لحكم مدني. وبدأت قوى غربية تتقبل فكرة أن الديمقراطية في العالم العربي ربما تؤدي إلى تولي إسلاميين السلطة، لكنها قلقة أيضا من أثر الحكم الإسلامي في مصر على معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل عام 1979. وقالت حركة 6 ابريل التي كانت من القوى الأساسية المحركة للانتفاضة المصرية إنه ليس هناك ما يدعو للقلق. وقالت صفحة الحركة على موقع "فيسبوك" إنه يجب عدم القلق من انتصار قائمة أو تيار سياسي لأن هذه هي الديمقراطية وإن مصر لن تسمح لأحد باستغلالها مرة أخرى. وإذا تأكدت هذه النتيجة فإنها تعطي الأحزاب الإسلامية اختيار التحالف لتشكيل كتلة أغلبية لكن ليس من الواضح ما إذا كان الاخوان سيدعون حزب النور للانضمام إلى الائتلاف بعد انسحاب الحزب من القائمة التي يتزعمها حزب الحرية والعدالة. ويخشى بعض المصريين من احتمال أن تحاول جماعة الإخوان المسلمين فرض قيود على البلد الذي يعتمد بصورة كبيرة على النشاط السياحي والذي يمثل فيه المسيحيون عشرة في المئة من بين نحو 80 مليون نسمة. ورفض علي خفاجي أمين الشباب بحزب الحرية والعدالة هذه المخاوف قائلا إن هدف جماعة الاخوان هو القضاء على الفساد وبدء الإصلاح والتنمية الاقتصادية. وأضاف خفاجي البالغ من العمر 28 عاما أنه سيكون من الجنون محاولة حظر شرب الخمر أو فرض الحجاب. وقال شادي حامد مدير الأبحاث في مركز بروكينجز الدوحة عن الإخوان "سيتعين عليهم أن يحققوا إنجازا ما. ستكون لقمة العيش هي محور تركيزهم." وقال مجدي عبد الحليم وهو منسق مجموعة من مراقبي الانتخابات يدعمهم الاتحاد الأوروبي "لأول مرة نرى في مصر انتخابات لا يوجد فيها إرادة سياسية من قبل الدولة لتزوير الانتخابات." وأضاف "في مجملها جرت الانتخابات في جو من النزاهة". وتابع "كان هناك عدد لا بأس به من التجاوزات لكنها لا تبطل الانتخابات". ويقول المجلس العسكري الذي يتعرض لضغوط متزايدة لإفساح الطريق للحكم المدني إنه سيحتفظ بسلطة اختيار الحكومة أو إقالتها. لكن زعيم حزب الحرية والعدالة محمد مرسي قال الثلاثاء إن الأغلبية في البرلمان يجب أن تشكل الحكومة. وقال موظف ملتح أدلى بصوته للإخوان في القاهرة "جربنا الجميع لماذا لا نجرب الشريعة مرة". وقال مسؤول عسكري كبير إن احتياطي النقد الأجنبي المصري سوف يهوي إلى 15 مليار دولار بنهاية يناير كانون الثاني بينما ذكر البنك المركزي في أكتوبر تشرين الأول أنه 22 مليار دولار في وقت تتدفق فيه الأموال إلى خارج البلاد. وقال اللواء محمود نصر عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والمحاسبية في تصريحات صحفية إن اتساع العجز في الميزانية يمكن أن يفرض إعادة نظر في دعم السلع الذي يكلف الدولة الكثير خاصة البنزين وذلك من أجل توفير المال. وسيتعين على أي حكومة جديدة التعامل مع أزمة اقتصادية دفعت بالفعل سعر الجنيه المصري إلى أدنى مستوى منذ نحو سبع سنوات بعد تدني النشاط السياحي وانهيار الاستثمارات في جو الاضطرابات التي أعقبت سقوط مبارك يوم 11 فبراير/ شباط. ويسعى كمال الجنزوري وهو رئيس وزراء أسبق طلب منه المجلس العسكري تشكيل "حكومة إنقاذ وطني" إلى إتمام المهمة خلال اليومين القادمين لكنه أقر أمس الأربعاء بأن خمسة من مرشحي الرئاسة المحتملين رفضوا دعوات للانضمام للحكومة الجديدة. ويقول محتجون عادوا إلى ميدان التحرير الشهر الماضي غضبا من عزوف المجلس العسكري فيما يبدو عن تسليم السلطة إن القادة العسكريين يجب أن يتنحوا بدلا من تعيين رجل من العهد الماضي مثل الجنزوري البالغ من العمر 78 عاما والذي كان رئيسا للوزراء خلال عهد مبارك في التسعينات. وقال محمد طه (46 عاما) وهو محاسب يؤيد الكتلة المصرية التي تضم ليبراليين ويساريين إن الانتخابات كشفت عن أن شباب الثورة فشلوا في طرح برنامج قابل للتطبيق. وأضاف "ثورتهم سرقت منهم ويبحثون عمن سرقها". ميدل ايست أونلاين Dimofinf Player http://www.youtube.com/watch?v=5oh9A4PBsEk