القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسليم والتسلم والتسريح السياسي
نشر في سودانيات يوم 04 - 12 - 2011

من المؤكد أن الكثيرين قد اصيبوا بقدر كبير من الغضب والاحباط وخيبة الأمل بل قد يكون اشمئزازا، بسبب الاحداث السياسية التي عاشها السودان هذا الاسبوع.فهي تحمل قدرا من الاستخفاف وعدم الاحترام لهذا الشعب العظيم الذي ارتقي بقياداته هذه لمدارج التقديس.ولكننا بدورنا نتحمل مسؤولية الغفلة والعبثية حين تركنا أمرنا لسنين طويلة لهذه القيادات-الحاكمة والمعارضة.فقد عرف حزب المؤتمر الوطني باحتقاره للشعب وتجاهله لما يقول،والمثال لذلك موضوع الفساد والذي تمارسه الحكومة باستفزاز واضح.خاصة حين تطلب الدليل بينما تقرير المراجع العام بين ايديهم.اما القيادات المعارضة،فهم الآن داخل القصر بعد أن صدعونا بسلم مفاتيح البلد والجهاد المدني .
هناك ابتذال للسياسة والحكم والديمقراطية،فتصوروا المساعدة والاستشارة المقرونة بالحكمة والحنكة والخبرة، تطلبان من هم دون الاربعين.ولو قال الانقاذيون أنهم يريدون البركة والخيرة،لكان مقبولا.وأن ينسي الحزب(الأصل)أصله وفصله ويجلس مع فرعه المنشق راضيا مرضيا يقاسمه نصيبا متساويا من المقاعد. وأن يعود إبن الزعيم صاحب الاجندة الوطنية مفردا الي الخدمة العسكرية دون مئات الضباط المفصولين تعسفيا.ثم ما الذي يميزه علي الآف العقداء في الجيش لكي تقلد منصب وزير دولة للدفاع؟
هذا الحالة تستوجب اعادة التفكر في التاريخ الوطني بعيون جديدة تري كل الثقوب التي تملأ ذلك التاريخ المهمل. وأن نطرح الاسئلة من جديد علي كل الوثوقيات المقبولة دون أدني ريب أو شك.ومن أهمها:هل هؤلاء السادة ديمقراطيون حقيقة؟وهل يعني لهم هذا الوطن ما هو أبعد من دائرة المهدي وسواقي المراغنة؟ ومن يراجع التاريخ يري صلتهم بالمستعمر ثم مع الطغاة.هذا الرصد هو محاولة لتخفيف الغضب حين تعرف الاشياء علي حقيقتها.
من البداية علق البريطانيون آمالا عراضا علي دور الزعامات الدينية، ففي1899 أذاع كتشنر منشورا-اشبه بخطاب نابليون في مصر-أنه اتي ليخفف أوجاع المسلمين وليشيد دولة إسلامية تقوم علي العدل والحق ولكي يشيد الجوامع ويساعد علي نشر الاعتقاد الصحيح.وعرفت الادارة البريطانية أهمية الطرق الصوفية واتباعها الكثيرين وانتشار تنظيماتها الهرمية المتدرجة وقدرتها علي تنظيم اعضائها علي العمل في منظمات جماهيرية.وبنوا سياستهم علي ثنائية الطائفية والقبلية في اخضاع أهل هذا البلد الشاسع.
حصل بعض مشائخ الطرق الصوفية علي تسهيلات ومساعدات أي اوضاع تفضيلية وتمكنت بعض الطرق من استغلالها جيدا وراكمت ثروات هائلة. ويأتي الانصار بزعامة السيد عبدالرحمن المهدي علي رأسها.فقد استفاد المهدي بقدراته التنظيمية والادارية من هذا الوضع الي أقصى حد.وللمفارقة يسمي السيد الصادق ،الاكواخ التي كان يعيش فيها عمال السخرة الانصار في الجزيرة أبا والنيل الابيض ب:كوميونات! وكانت هذه الامتيازات بمثابة مقايضة،تنازل بموجبها الأبن عن مقاومة وكراهية المستعمرين.وقد عبر عن المقايضة، بطريقة شديدة الرمزية حين اهدي السيد عبدالرحمن المهدي، السيف الذي حورب به البريطانيون،الي ملكة بريطانيا العظمى اثناء زيارة وفد سفر الولاء للندن عام1919.
قصة سفر الولاء هي فضح مبكر لطبيعة هذه القيادات وحقيقة وطنيتها،
يجب أن تعرفها هذه الاجيال التي حرمتها الانقاذ-عمدا-من دراسة تاريخ الوطن.فقد جمع الحاكم العام البريطاني المشائخ ورجال الدين والاعيان ليشرح لهم ملابسات اندلاع الحرب العالمية الاولي وانضمام تركيا لالمانيا ضد الحلفاء.وتحمسوا لتأييد بريطانيا واصدروا العرائض التي جاء فيها:-" حكومتنا العادلة التي لم ير الاسلام والمسلمون منها الا كل خير ديني ودنيوي وجميعنا في استياء من قيام تركيا بهذه الحرب التي نتبرأ منها فانه لا مصلحة فيها للمسلمين".ثم:-" تركيا التي حاربنا ظلمها من قبلكم(...)نرفع لحكومتنل العادلة ولاءنا واخلاصنا قلبا وقالبا،اذ لم نر منها سوى احترام ديننا وتعمير مساجدنا وتوظيف العلماء لتعليم ديننا وتوظيف القضاة الشرعيين للفصل في امورنا بموجب الشريعة المحمدية،وتشييد المدارس لتربية اولادنا وتعليمهم وتسهيل طريق الحج للزيارة النبوية ونشر العدل والامان في جميع انحاء بلادنا وحسن معاملتنا".(للتفاصيل راجع :مكي شبيكة-السودان عبر القرون،طبعة دار الثقافة،بيروت،ص471).
******
ادخل البريطانيون الطائفتين في تنافس وسباق لتأكيد الطاعة من خلال التلويح
بالامتيازات.وبالنسبة للختمية،يري(فول)ان السنوات التي سبقت عام1924 شهدت اعادة تنظيم الختمية لتصبح أقوى المجموعات نفوذا في السودان.فقد استفادوا من هزيمة المهدية"وكانت فترة علاقة حميمة مع الحكومة،وقام الختمية خلالها بدور الوسيط الفعّال لأفكار وسياسيات السلطة الادارية".ويضيف:-"وساعدت عائلة الميرغني خلال الحرب في الشؤون الدولية والسودانية ايضا.واثناء الاستعداد للثورة العربية،فان السيد علي لم يقدم النصح لونجت فحسب،بل كان الوسيط الذي كان ونجت يتصل عن طريقه بالشريف حسين في مكة(...)وعند تنظيم الاوضاع في غرب الجزيرة العربية،ساعد السيد علي مجهود البريطانيين لتحسين علاقاتهم مع الشريف حسين ومع محمد الإدريسي حاكم عسير".(جون فول،1992:265) وكان السيد علي علاقة وثيقة مع ونجت منذ المهدية.ومع أن سلاطين لم يكن عموما بالطوائف الدينية إلا أنه كان يعتبر السيد علي صديقا مخلصا للحكومة-حسب تعبيره.
استطاع البريطانيون خلال الثلاثين عاما الاولي عقب الاحتلال،تأهيل الطائفتين
للعب الدور الحاسم في سياسات :فرق تسّد،وفي تخذيل العناصر الوطنية الناشئة.وقد فطن احمد خير لدور الطائفية حين انقسم الخريجون بين الطائفتين والسيدين،بداية مما عرف بمعسكريّ :الفيليين والشوقيين.وقد اثار ذلك الانقسام ألم خريجي الاقاليم وبعض المحايدين،واستهجنوا هذه الظاهرة:-"أن رأوا الفريق المسيطر علي النادي يعتمد علي تأييد المهدي باشا له ماديا ةأدبيا وعدديا.أما الفريق الثاني فقد كان زعماؤه من انصار المرغني باشا لكنه كان يرتكز في القاعدة علي جمهرة الثائرين علي القيادة الدينية،المتطلعين الي فجر جديد، ونهضة علمانية متحررة من فساد التقاليد".(كفاح جيل،ص70). وقال البعض لو كان الزعماء الدينيين متفقين معهم علي قضايا ومبادئ،لجاز للمثقفين أن يسيروا معهم.ولكن واقع الأمر بخلاف ذلك-" فان المنطق يقضي علينا أن نحتفظ بتوازن القوى وأن نستفل هذا الموقف الي أبعد مدى لمصلحة حركة شعبية مستنيرة فاهمة ديمقراطية وإلا فاننا نرتكب خيانة تاريخية نحو الوطن بالانحراف عن الجادة".(ص107)هذا تحذير مبكر للمثقفين ولكن كانت لهم حساباتهم الخاصة.فقد كان الكثيرون يرون انه من الواقعية التعاون مع الزعماء الدينيين لأنهم يحظون بنصيب ساحق من التأييد الشعبي.لذلك يرون أن التعاون معهم أمر لازم لنجاح أي حركة شعبية.(ص105).ولكن هل هذا التنازل بلا ثمن؟لقد دفعوا الثمن ولم يكونوا اكثر ذكاءا من المولانات –كما ظنوا.ويقول شوقي في قصيدة كتابي:
وكم منجب في تلقي الدروس تلقي الحياة فلم ينجب
أو كما نقول بالسوداني: القلم ما بزيل بلم.
هذه صورة لتعامل القيادات الدينية مع الاستعمار بالاضافة لتحالف الخريجين وتنازلتهم لحساب القوى التقليدية.ولايسمح المقام بتفصيل مرحلة الحركة الوطنية،وسوف احاول كتابتها في سانحة اخري.ونقفز الي سؤال ديمقراطية الطائفتين.
*********
لم تصمد الطائفتان طويلا امام اختبار الديمقراطية بعد الاستقلال1956.فقد قام حزب الامة بتسليم السلطة للعسكريين في 17نوفنبر1958،في صفقة تقضي بعودة السلطة لهم بعد فترة قصيرة ولكن لم يلتزم العسكريون بسبب دخول عناصر ختمية(اللواء شنان)في الصراع.وبدأ حزب الامة بعد هذا في معارضة النظام.ومن الناحية الاخري،شرع الختمية في دعم العسكريين.واصدروا مع بعض المتعاطفين معهم،ما عرف بمذكرة كرام المواطنين،في9/12/1960.وبعد مقدمة مقتضبة تقول المذكرة:-"...وساد البلاد جو من الاستقرار الذي يؤمن كن مواطن مخلص أن توفيره امر لازم لسير التقدم وليجني الشعب ثمرات الاستقلال الذي كافح من أجله".ويهاجمون القوى المعارضة بسبب مطالبتها بالديمقراطية:-" ولقد حاولت التشبث بالديمقراطية التي كانوا هم السبب في تشويهها وجعلها مركبا ذلولا للوصول إلي أغراضهم الخاصة وأغراض المستعمرين من ورائهم هذا بالرغم من ان المواطنين جميعا يعلمون بأن الثورة قد اعلنت بأنها بصدد إيجاد ديمقراطية سليمة مستمدة من واقع البلاد وتقاليدها وطبيعتها".
وتكرر نفس الموقف مع انقلاب25مايو1969 فقد بادر الختمية بتأييد الانقلاب بسبب التقارب المحتمل مع مصر.وأصدر الامين العام لحزب الشعب الديمقراطي،الشيخ علي عبدالرحمن الامين،كتابا تحت عنوان:الديمقراطية والاشتراكية في السودان،دعا فيه لفكرة الحزب الواحد.
أما بالنسبة للانصار فيقوم السيد الصادق المهدي بمهمة فلسفة وفكرنة موقف الطائفة من الديمقراطية.وقد كان لفكر الوحدة والفتنة والفرقة الناجية،أثره المشوش علي فكرة الديمقراطية في ذهن(الصادق)المهدي.وقد وصل به التشويش وسوء الرؤية لدرجة حرمان الدول الحديثة الاستقلال من حق التعدد الحزبي خشية الفرقة.ففي حديث عن ضرورة وحدة الدول الافريقية،والتي يراها مجرد دويلات لا معنى لها(عدا مصر ونيجريا)الا في اطارات اتحادية موسعة.وهنا يكتب بثقة:-" اما النظام السياسي الملائم لهذه البلدان فلا يمكن أن يكون النظام البرلماني المتعدد الاحزاب لان هذا النظام لا ينجح الا في مجتمعات نالت قدرا معلوما من التطور الاجتماعي والاقتصادي.هذه البلدان خامات تفتقر للبناء ولا يمكن أن يقوم تغير البناء في لجة الصراع والافتراق.ان المجتمعات المتقدمة في اوربا وامريكا عندما تواجهها ازمات كبرى تعلق نظامها السياسي وتوحد الاداء والادارة والقيادة في ظل احكام استثنائية.وبلداننا في ظروف تأزم شامل لا يفلح في مواجهتها الا اتحاد الارادة الوطنية".
(احاديث..،ص118-119).ويضحي(الصادق) بالديمقراطية من اجل الوحدة،فالتعدد والاختلاف لا يقودان –حسب رأيه- الا للفتنة.ولكنه يحذر من محاولة توحيد الارادة قسرا وعن طريق الاجهزة البوليسية،فهذا مستحيل وعالي الكلفة.وهنا يستدرك ويشترط "انبعاث نظام ديمقراطي شعبي يوحد الارادة بوسائل عديدة دون اللجؤ لسياط الجلاد".(نفس المصدر السابق).والشعبي هنا غير الحزبي،باعتبار أن الشعب شئ واحد غير منقسم.وقد اوصله طلب الوحدة الي تبني صيغة الحزب الواحد أو تحالف قوى الشعب العامل حتي وان لم يقلها صراحة.فهو يقول بأن القوى التقليدية في مجتمعاتنا لا تستطيع تحقيق الطفرة المنتظرة لانها لا تضم من الاصل الا جوانب راكدة ولاتلم من العصر الا القشور.والفئات الحديثة قليلة العدد،والقوات المسلحة"ربما استطاعت ان تقوم بدور محدد كالعملية الجراحية لازالة بعض العوائق في سبيل الطفرة ولكنها غير مؤهلة وحدها لتحقيق عمليات التصميم والبناء الجديد".(المصدر السابق،ص164).ويصل في النهاية لضرورة تحالف كل هذه القوى الاجتماعية ليتكون منها تيار غالب واسع القاعدة يستطيع التفاعل مع قاعدته العريضة.وينتهي بالقول بمطلب سياسي:-"اتخاذ نظام يوحد ارادة المجتمع ويحمي امنه وحريته ويحقق مشاركة اهله في المسيرة".(ص165).
عبّر(الصادق)عن رفضه للتعدد الحزبي الذي يسميه التفرق الحزبي،في خطاب شهير بعد المصالحة الوطنية،جاء فيه:-" وغني عن البيان أن شعبنا لا يرجع القهقرى بل يمضي بإرادة الله وعزيمة أهله إلي الأمام فلا عودة للتفرق الحزبي، ولا مكان لسياسة خاضعة للأحساب والأنساب،ولا فرصة لتعكير وحدة الوطن بين شمال البلاد وجنوبها".(الصحافة28سبتمبر1977).وكان(الصادق)خلال هذه الفترة يؤكد علي كيان" قومي" جامع دراءا للفرقة،يقول:-" ومعلوم أن النضج في السودان لم يكتمل مما جعل الصراع بين الاحزاب صراعات طائفية قبلية إقليمية،وهذا الصراع-مع الضعف الذي أصاب الكيان السوداني كله علي يد تلاعب مايو والتفكير بفكرة الثورة الاجتماعية- يعرض للفتن والدمار،فلا مناص من حزم السودان برباط قومي وحشد إمكانياته كلها في تغيير مكثف للخلاص". وبعد هذه المقدمة يحدد الكيان المقترح في ما أسماه:المؤتمر الشعبي،ويصفه:-" يكون التنظيم السياسي الجامع شعبيا بمعنى أنه يستقطب وفق السياسات المذكورة هنا كل القوى السياسية السودانية الوسطى المذهبية والإقليمية ويكفل مشاركة القوى الفئوية"،ثم يضيف:-" إذا استوعبت القوى السياسية درس الماضي أدركت أن العودة للنظام الحزبي القديم طريق مقفول،وان انفراد حزب مدني بالسلطة او حزب مذهبي طريق إلي كارثة(...) إذا أدركت ذلك فإنها سوف تجد أن لا مناص من العمل لإقامة تنظيم شعبي ديمقراطي جامع تتفادي:الاستبداد والتمزق".(مقترحات عن البديل-يناير1974).ويبدو هذا الفكر غريبا علي صاحب شعار:الديمقراطية عائدة وراجحة!ولكن أغلب الإسلاميين يخشون الفتنة حتي ولو كان السلطان جائرا،أو سلطان غشوم خير من قتنة تدوم.
ليست النخبة الحديثة مبرأة من غدر الديمقراطية،واتفق تماما مع تحليل (عبد العزيز حسين الصاوى)الذي يقول فيه:-"دخول النخبة في نظام مايو كان دليلا علي يأسها من احداث التغيير من خلال الديمقراطية أو البرلمانية أو الليبرالية حسب الرؤية التي سادت منذ الاستقلال.وكان السلوك السياسي للاحزاب مبررا لموقف سلبي تجاه الديمقراطية ككل باعتبار أن ما جربناه هو النظام الديمقراطي.واعتقد كثيرون منهم بان النظام المايوي قادر علي احداث التغيير دون معارضة أو مقاومة.فكانت الخطط الاقتصادية الطموحة والتنظيم السياسي الواحد الجامع والموحد حسب نظرتهم."في مجلة
كتابات سودانية العدد3 ابريل1993
*********
أخيرا،
هذه الجولة التاريخية أرادت القول أن احداث الاسبوع الماضي هي نتيجة منطقية
لتراث طائفي بدأ من مطلع القرن الماضي وانتهي بأداء القسم ذاك الاسبوع.وعلي القوى الحديثة أن تتوقف عن العويل الذي تعودت عليه عند المحن والنكبات.وعليهم أن يعلموا بأن الأمر عملية تسليم وتسلم اخري بدأت في30 يونيو1989 بين الاسلامويين والطائفية،ولكن الجبهة غدرت بهم في البداية ثم عادت الي امها وما احلي الرجوع اليه.وكل الارهاصات الاولي تدل علي التسليم والتسلم،أولها الانقلاب المكشوف الاقرب لحادث حركة أو مرور.فالاحزاب الحاكمة:الامة والاتحادي علي علم كما صرحوا لاحقا.ثانيا،مذكرة الصادق التي وجدت في حوزته عند الاعتقال يوم7/7/1989 وقوله لديكم القوة وعندنا الشرعية فما الصيغة الجديدة؟ثالثا،تفاوض الترابي مع السيدين في كوبر،وتقديم عرض لحكم أهل القبلة المتفقين علي تطبيق الشريعة حسب برامجهم لانتخابات عام1986.وهي ذات مشترك اعظم:نهج الصحوة،الجمهورية الإسلامية وتطبيق الشريعة.وستكون الخطوة التالية أونهاية التاريخ في السودان.تسريح كل هذه الاحزاب من الخدمة وتكوين حزب اسلامي عريض وشامل يقود تجمع الربيع العربي أو يقدم" للربيع" الاسلامي،النموذج السوداني هدية مجانية لتطبيق المشروع الحضاري الاسلامي.
د. حيدر ابراهيم علي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.