قبل أقل من أسبوع على جولة محادثات تستضيفها إثيوبيا, لحل خلافات بشأن النفط بين السودان وجنوب السودان, عادت الخلافات تطل برأسها مجددا بعد هدوء نسبي شارك في صناعته كثير من الوسطاء –كإثيوبيا ولجنة حكماء أفريقيا بزعامة رئيس جنوب أفريقيا ثابو مبيكي– والمستفيدون كالصين التي طالبت عبر مبعوثها للخرطوم وجوبا بضرورة إيجاد صيغة توافقية تنهي الخلافات بين الطرفين. ففي حين بدا وكأن الخرطوموجوبا تتجهان نحو التهدئة تمهيدا لبداية مباحثاتهما بالعاصمة الإثيوبية بشأن عدد من القضايا العالقة في العشرين من الشهر الحالي، اختار الجنوب اتجاه جس النبض لمعرفة ما إن كانت الخرطوم ستتخلى عن بعض مواقفها المعلنة أم لا؟ وكان جنوب السودان أعلن أن حكومة الخرطوم ستسمح بعبور نفطه عبر ميناء بورتسودان، مقابل رسوم عبور ستقدر بحسب المعايير الدولية المتعارف عليها، وأن جوبا ستقدم تسهيلات مالية قدرها 2.6 مليار دولار للخرطوم لإنقاذ اقتصادها حتى يتعافى من الآثار الاقتصادية المترتبة على انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو/تموز الماضي. وكانت مباحثات الطرفين بشأن النفط -الذي يعتبر جزءا من الترتيبات الاقتصادية- بدأت قبل انفصال الجنوب والتي بنيت على فلسفة أن يساعد كل منهما الآخر "حتى يتم الانفصال الاقتصادي تدريجيا خلال أربع إلى خمس سنوات ".تقدير فجوة وفي سياق البحث عن تكامل اقتصاد الدولتين طلب من السودان تقدير الفجوة التي سيحدثها الانفصال وتوقف نحو 75% من إيرادات النفط. ما دفع الخرطوم لإعلان تقديرها الذي بلغ 10.5 مليارات دولار لخمس سنوات، الأمر الذي رفضه الجنوبيون. واتفق الطرفان على تقديرات البنك الدولي الذي قدر أن الفجوة في المدفوعات الداخلية ب7.4 مليارات دولار خلال خمس سنوات والفجوة في ميزان المدفوعات الخارجية ب15.5 مليار دولار لذات الفترة. لكن حكومة جنوب السودان رأت التمسك بموقفها باقتراح طلبت بموجبه الاعتماد على تقدير 7.4 مليارات دولار يسدد منها الجنوب للسودان 2.6 مليار ويتولى المجتمع الدولي تسديد 2.4 مليار دولار على أن يتحمل السودان ما تبقى من الفجوة. غير أن حكومة السودان رفضت المقترح بحجة عدم الثقة في المجتمع الدولي وضعف المقترح الجنوبي في حد ذاته كما يقول مفاوضوها. سيد علي زكي: التفاوض تحت الخطوط الحمر ما زال مسيطرا تنازلات ضرورية ورغم تباعد الرؤى بين ما يطلبه السودان والذي لا يقل عن 10.5 مليارات دولار وما يقترحه الجنوب 2.6مليار، فإن التوصل لصيغة مثلى وفق تنازلات محددة هو الحل الأمثل للمشكلة, بحسب مراقبين. فالحكومة السودانية تبدي اعتقادها بأن طاولة التفاوض هي الحكم في شأن أي مقترح، مشيرة إلى أن ما نسب للمسؤول الجنوبي –كبير مفاوضي حكومة جنوب السودان باقان أموم- عن قبول السودان بالمقترح القاضي بدفع الجنوب مبلغ 2.6 مليار دولار لم يكن حقيقيا "بل رفضه السودان من قبل". وتقول عبر الناطق الرسمي باسم الخارجية العبيد أحمد مروح للجزيرة نت إن الأمر برمته سيناقش في العشرين من الشهر الحالي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ويشير الناطق إلى أن ما يثار من الجنوب "يؤكد أن جوبا غير جادة في التوصل إلي حلول حقيقية". فرق شاسع لكن المستشار بالبنك الدولي التجاني الطيب اعتبر أن هناك وجهات نظر غير متقاربة بين الطرفين، مشيرا إلى أن الفارق بين مقترحات الطرفين لا يزال شاسعا جدا " بحيث لا بد من المرونة في التفاوض للاتفاق على أي من المقترحات المطروحة"، داعيا إلى ربط النقل بنسبة مئوية متفق عليها "لأنها ستكون متمشية مع التجارب العالمية". أما الخبير الاقتصادي سيد علي زكي فرأى أن الخلافات السياسية ظلت تستخدم في كافة المحادثات بين البلدين، مشيرا إلى إمكانية توصل الطرفين لاتفاق مرض لهما جميعا، معتبرا أن التفاوض "تحت الخطوط الحمر" ما زال مسيطرا على مفاوضاتهما. وقال للجزيرة نت إن مطالبات السودان في بداية الخلافات أضعفت موقف الحكومة "لأنها بدأت من سقف عال قبل أن تبدي مرونة في إمكانية التراجع"، مشيرا إلى أن التهديد بإغلاق الخطوط الناقلة في وجه النفط الجنوبي "يمكن أن يفقد السودان كثيرا من المميزات الهامة". ولم يستبعد أن يخسر الجنوب بسبب قرارات الحكومة السودانية "لكنه يمكن أن يعوض تلك الخسارة مع ارتفاع أسعار النفط في العالم"، مؤكدا حاجة الدولتين إلى اتخاذ مواقف مرنة بجانب ما يتطلبه الأمر من حيطة وحذر. طريق النفط السوداني إلى العالم يفاقم الأزمة بين الخرطوم وجوبا