ياسيادة الفريق اول البرهان شيل هؤلاء قبل أن يشيلك الطوفان ويشيلنا ويشيل البلد كلها    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    الداخلية السعودية تبدأ تطبيق عقوبة "الحج دون تصريح" اعتبارًا من 2 يونيو 2024    أمير الكويت يعزى رئيس مجلس السياده فى وفاة نجله    دورتموند يصعق باريس ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الأقنعة….في دار حزب الأمة القومي!!
نشر في حريات يوم 14 - 12 - 2011

تحليل سياسي: بدون قناة تلفزيونية يصعب على المعارضة السياسية أسقاط النظام القائم!!
الفاتحة:
في مقالاتي السابقة هنالك الكثير من النقاط السياسية والتحليلية التي صدقت، ولكن هل مقالة أو عدة مقالات يمكنها وحدها أن تقلب المعادلات السياسية؟ بالطبع مستحيل!! إذا رغبت أن تنفذ إلى العقل الجمعي للشعب السوداني وتسحبه نحو رؤية سياسية موحدة عليك بالوسيلة الأشمل، أي الوسيلة التي توصل للمتعلم وغير المتعلم رسالتك، وتدخل بها غرف النوم والبقالات والأندية الخ بهذه الوسيلة فقط، وفقط بهذه الوسيلة يمكنك أن تفوز على خصمك – لا تكون هذه الوسيلة سوى قناة تلفزيونية!!
المقدمة: افتراضية المسرحية.
عندما أنقسم الإسلاميون إلى نصفين في نهاية عام 1999م كان هنالك شك أنها تمثيلية!! وتضعضع هذا الشك عبر الكثير من المزايدات، والصفقات، والمشاحنات والتصريحات النارية، فكان هنالك دخان كثيف الخ ولكن السؤال ما زال قائما، هل كان انقسام الإسلاميين في الرابع من رمضان 1999م إلى قصر ومنشية تمثيلية – وهل ما تزال التمثيلية قائمة؟ مع وضع الاعتبار أن الذين يعلمون بأنها تمثيلية قد يعدون على الأصابع – ثلاثة أو أربعة أشخاص!! بينما كل الإسلاميين الأدنى بدون فرز تقاتلوا بشكل حقيقي طبقا لمصالحهم الذاتية!! ماذا كانت النتيجة؟ أصحاب التمثيلية فوجئوا بمشاكل جديدة لم تخطر على أذهانهم كأن تفترس الدولة اللوبيات الاقتصادية التي تمردت على القيادة التاريخية – وفلت الأمر من يد الشيخ الترابي!!
هذه الافتراضية يجب أن تخضع للاختبار، هنالك خمسة حيثيات تثير الانتباه:
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/ar1/exec/view.cgi/4/683
التحليل:
انتزاع السلطة السياسية بمسرحية دخول المُخَطِط القائد إلى السجن بينما منفذ الانقلاب إلى القصر – في نهاية الثمانينيات مسرحية بائسة تعكس تضخم الإسلاميين الذاتي وتورم ذواتهم، كان المبرر لها وقتها أن الغرب (جورج بوش) و(دول الخليج) لا يرغبون أن يحكم الإسلاميون (!!) السودان، والمبرر الآخر الذي لا يصرح به أن مشروع “الترابي الإسلامي” ليس بمشروع دول الخليج!! وحين حوصرت الإنقاذ طوال التسعينيات غربيا وخليجيا – كان لابد من الانقسام المسرحي!! والانقسام “المسرحي” يفيد نقطة محددة: أن تعطي خصمك كرتين وكلاهما تملكهما بخفية، وعليه -أي الخصم- أن يختار اقلهما شرا وبذلك تجلسه على قرني ثور، وعلى أيهما جلس -الخصم- يمكنك نطحه!! هكذا تصور الإسلاميون أو بالأحرى الشيخ الترابي كان يحل المأزق الإسلامي المتضخم في ذواتهم!!
إذا صحت افتراضية تمثيلية الانقسام..، تعتبر خطوة خائبة!! بسبب تضخم ذاتية الإسلاميين السودانيين وتعطشهم لاستلام السلطة لدواعي الماراثون الداخلي، توهموا أن العداء الخليجي والغربي لهم هو بسبب مشروعهم الإسلامي السوداني!! لم يدركوا في فترة التسعينيات نقطتين: الأولى أن الضغط على حكومة السودان كان دواعيه رغبة الولايات المتحدة فصل الجنوب، والثانية كيف تنقذ الولايات المتحدة الأمريكية عملة الدولار!! وكلا من النقطتين تتساوقان وتعززان بعضهما البعض. ففي “الكتاب الأمريكي” يجب أن تكون الدولة البترولية ميكروسكوبية، وعليه السودان شماله وجنوبه مرشحان للمزيد من الانقسام..!! والسبب في الميكرسكوبية هو الاحتياطي النقدي الضخم الذي قد يوفره البترول – ففي نظر الاستراتيجيين الأمريكيين والغرب عموما يجب ألا يكون البترول في دولة ذات عدد أو كثافة سكانية عالية!! هذه النقطة الاقتصادية شرحتها في بعض مقالاتي ولكن بشكل أكثر عمقا في كتابي: جهاز الاحتياطي الفيدرالي وبنك انجلترا على طاولة التشريح السودانية!!
أما كيف ترغب واشنطون في إنقاذ دولارها، فبكل بساطة بسبب صدمة ظهور عملة اليورو!! لقد أستعدت واشنطون لهذه الصدمة منذ أن دحرجت صدام حسين للدخول عام 1990م في دولة الكويت – السفيرة الأمريكية شجعت صدام!! وببساطة نقول ونحن في عام 1990م (وقت قيام دولة الإنقاذ)، باقتراب ظهور عملة اليورو عام 2002م للوجود وإذا تحولت الدول المنتجة للزيت (الأوبيك وغيرها) كأن تبيع زيتها باليورو حصرا تنهار الولايات المتحدة الأمريكية في دقيقة!! والتفسير الخفي، ستتحول حوالي مائة وستين دولة غير منتجة للزيت إجباريا إلى عملة اليورو في تجارتها الخارجية وإحتياطياتها النقدية، ففاتورة الزيت تبلغ حولي 70% من مجمل صادرات أية دولة في العالم غير منتجة للبترول – الدول النامية تعجز من دفع هذه الفاتورة!! فاللعبة الحاسمة ما بعد نهاية التسعينيات في يد الدول المنتجة للزيت!! إذا قررت هذه الدول المنتجة للبترول بيع زيتها حصرا بالعملة X، ستتحول المائة والستين دولة إلى العملة X!! تبيع صادراتها بالعملة X لكي تدفع فاتورة الزيت بالعملة X!!
تعتبر عقدية التسعينيات هي أعوام الرعب للولايات المتحدة الأمريكية..لذا كان نشاط بيل كلينتون في فترتي حكمة 1992-2000م منصبة في قضية واحدة – هي السيطرة على الدول البترولية، بدءا من تشاد والسودان والصومال وانتهاءا بتركة الاتحاد السوفيتي من الدول الغنية بالنفط، وبالطبع سجنوا صدام حسين في قفص، وأنزلوا أساطيلهم في دول الخليج للسيطرة على الشيوخ لكي لا يميلوا لليورو!!
إذن الشيخ حسن الترابي توهم في التسعينيات أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في حكمهم الإسلامي!! كانت واشنطون في وادي والإسلاميون السودانيين في وادي آخر!! أختلفت الهموم، وكانت القراء السودانية السياسية لطبيعة الصراع الدولي وقتها قراءة سيئة جدا!! ولم لا تكون سيئة وقد كان على رأسها علي عثمان!! ماذا يفهم علي عثمان في الشؤون الدولية؟ على يده أنقسم السودان وذهب يجلس في أوسلو بسذاجة متناهية ليقبض…فقبض الريح!! ثم أعقبه مصطفى ويكيليكس وتربع على قمة وزارة الخارجية ثمانية سنوات ويفتخر أنه أقتحم على كلينتون مائدة طعامه وأضحك سعد العبد الله!! طبيب الأسنان الفاشل هذا يشتم الشعب السوداني بالجبن قبل أيام ويصف المعارض بالكرتون، ونذكره بعيادته القذرة “الطاقة ريحتها” وتخرج منها الروائح الكريهة، فإذا لم يستطع تنظيف عيادته فكيف مثله يدير وزارة خارجية؟ كان المرحوم الدكتور عوض دكام يضرب بعيادة ويكيليكس المثل من شدة عفنها!! وحين فشل أن يكون طبيب أسنان عرج على الكيمياء الحيوية، وحتى هذه ليس ملما بها، فسعى لنيل شهادة دكتوراه في السياسة لتسهيل معاشه وخداع البسطاء!!
لقد قرأت له الحلقات الأربعة بصحيفة الشرق الأوسط وهو يحكي الدور الذي لعبه ما بين القصر والمنشية عام 1999م..كان دوره واضحا متلبسا بالنفاق في مظهر العقلانية!! ثم ما هو الشيء الذي يفهمه “ويكي” في الإسلاميات لكي يحشر الإسلام في بحثه لنيل دكتوراه في السياسة؟ فقد حصل مؤخرا على دكتوراه في السياسة – أهداه له ما يسمى بمعهد دراسات العالم الإسلامي بجامعة ام درمان الإسلامية بتقدير «ممتاز» وذلك على رسالته البحثية: «مبدأ المعاملة بالمثل في الإسلام وفي القوانين الدولية – العلاقات السودانية الأمريكية 1990-2006م» – ثم تفضحه صفحة ويكيليكس إنه يطلب من البرتو فيرنانديز في 29 يونيو 2008م مساعدة أمريكا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل!! وربما يقول قائل أن حكومة السودان تزايد على أمريكا، ولكن حين يقول للبرتو: “إن كلام نافع لا معنى له”، و”تصريحاته المنفلتة هي للاستهلاك الداخلي الجماهيري”، نفهم أن “ويكي” يزايد لنفسه، ويلعب ورقته!! لقد خدع “ويكي” البروف محمود حسن أحمد والجميع، وأنطبق عليه قول النبي (ص): المتشبع بما لم يعطه، كلابس ثوبي زور!! هل لو ظهرت أوراق ويكيليكس مبكرا هل كان البروف محمود يجيزه بدكتوراه؟
ذكر “ويكي” حامل الجواز البريطاني بشكل مخادع في بحثه لنيل الدكتوراه: (…ضرورة إعمال السودان لمبدأ المعاملة بالمثل في علاقاته بالولايات المتحدة الأمريكية وعَزا العداء الأمريكي للسودان إلى تطبيقه للشريعة الإسلامية وتأثّرها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بجانب الموقف من حرب الجنوب ومشكلة دارفور والانقلاب العسكري على الديمقراطية. ووصَفَ السياسة الأمريكيّة بأنّها تتسم بالاضطراب بما يعكس تأثير المصالح على المبادئ، ورَهنَ تحسن العلاقات بين البلدين على مدى فهم المنطلقات الدينية المثالية والأخلاقية التي ترتكز عليها سياسة السودان الخارجية، وقال من خلال رسالته أيضا حول مبدأ المعاملة بالمثل في القوانين الإسلامية تطبيقاً على العلاقات السودانية الأمريكية في الفترة من 1990 – 2006م، إنّ إعمال هذا المبدأ من شأنه أن يُشكِّل عنصراً مُهماً في تحقيق العدالة في علاقات البلدين. وأشار إلى اضطراب العلاقات السودانية الأمريكية، ودعا خلال رسالته تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في القوانين الإسلامية تطبيقاً على العلاقات السودانية الأمريكية في الفترة من 1990- 2006م، الحكومة للتعامل بالمثل إذا حظرت الولايات المتحدة أموال السودان بواشنطن لتعويض ضحايا المدمرة (كول)، وقال: على السودان أن يفعل ذات الشيء مع ممتلكات الأمريكان لتعويض المتضررين من ضرب مصنع الشفاء. وقال إن مرد ذلك يَأتي لتغليب المصالح على المبادئ، فَضْلاً عن حرب الجنوب ودارفور والعلاقة مع إسرائيل).
وأترك جانبا وصف “ويكي” مواطني دارفور “بالقمل” لراديو NPR الأمريكي قبل سنوات ثم وصفه للشعب السوداني بالشحاتين، وأخيرا وصفه للشعب السوداني بقلة الأدب والجبن، وغمض عيونك ولا تقرأ جملته التالية لصحيفة لوس أنجلس تايمز 2005م، إنه لعب عينا لأمريكا:
(Already (Sudan) has served as the eyes and ears of the CIA in Somalia)
هل هذا الرجل يستحق دكتوراه، ولمن يعمل، ومن يخدم؟! فهل الحركة الإسلامية مخترقة؟ قطعا نعم، ومعظم الذين أخترقوا الحركة الإسلامية اخترقوها عبر مكتب الشيخ الترابي – أي باستهداف الرأس!! فيكفي أن تتأمل بقية حال رجال مايو المندمجين في الحركة الإسلامية ومواقعهم، وأن تتفحص المستشارين الذين جلسوا في نيفاشا حتى تفهم!!
هذا “الويكي” هو عينة من الطلبة الإسلاميين الذين التصقوا بالحركة الإسلامية – ثم تمرغ في العمل النقابي، ومن جمعية الصداقة الشعبية أنتقل إلى أعلى، وعرف كيف يصعد وحتى الشيخ الترابي!! وعلى أمثال “ويكي” هذا أعتمد الشيخ الترابي تطبيق الانقسام المسرحي، فماذا كانت النتيجة؟ ماذا فعل تلاميذه به؟ أنطبق عليهم قول الإمام علي في جماعة سقيفة بني ساعدة: احتجوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة!! لقد صدق “ويكي” وأمثاله أن الانقسام حقيقي، فافترسوا الدولة ليس لصالح الدين بل لمصالحهم الخاصة!! لم يدرك الشيخ الترابي إن إدارة دولة ليست هي إدارة اتحاد نقابي طلابي!!
ومع أننا نحترم الشيخ الترابي كمفكر لكنه نقول له أن جلوسه في دار حزب الأمة القومي عرى آخر كرت لعب به سياسيا!! وسيحسب جلوسه خصما عليه من عدة زوايا فكرية وسياسية – قطعا في تحليلنا السياسي!! فطلب سقوط النظام السوري هو خط أحمر في علم السياسة الوضعي والإستراتيجيات، وليس هو ضرورة دينية ولا شرعية!! ولكن الشيخ الترابي ركب الموجة..والكل يعلم أن هذه الموجة قطرية خليجية، ثم هي أشواق إسلاميين إقليميين هم بلا شك من فصيل خوارج النهروان!! فهل يعقل ألا يستطيع الشيخ الترابي الاستقراء أن موجة الإسلام السياسي الإقليمي هي صناعة مصنوعة بأموال النفط وهي بقية خوارج النهروان بقايا نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء!!؟؟ سيماهم التسبيد!! ثم ماذا تكون علاقة الشيخ الترابي بالنظام القطري؟ تقول بعض الأقاويل أن الشيخ الترابي أحد أهم الذين افتوا للابن بجواز انقلابه على أبيه في استشارة خاصة جدا!! ويا ليته لم يفعل!! فصارت قطر قلعة أمريكية، بل دولة عظمى تلعب لعبة الأمريكيين، أصبحت تحدد أي من الأنظمة العربية يبقى ومن منها يتبخر!!
فَضَّل الشيخ الترابي إذن مجاراة الريح الإقليمية..ومع أن سوريا ليست موضوع هذا المقالة، ولكن خيار الجلوس في مؤتمر واحد – إذا أضفنا غندور – ضد سوريا بداية غير موفقة، ربما أختير كمناسبة للتطبيع بعناية فائقة!! الواضح إنه تمت طبخة اكبر من طبخة القصر، هذه المرة من مطبخ المنشية، مع السيدين الصادق والميرغني – وكما يقول المثل: تعلموا الحلاقة على رؤوس اليتامى – واليتيم هنا بلا شك النظام السوري الذي جلسوا معا لينعوه!! فهذه الجلسة هي أول جلسة تطبيع للشيخ الترابي للجمهور السوداني تمهيدا للإعلان بانتهاء المسرحية!! ونجزم أن كل تصريحاته السابقة مثل إسقاط النظام في يومين هي من قبيل امتصاص الغضب الجماهيري وتخديره، بل إجهاضه، ومن علاماته غزل الشيخ في الشيوعيين لتخديرهم واحتوائهم وسرقة قرارهم!!
بتفحص عقلية الشيخ الترابي السياسية حين جارى النميري وقت أعلن هذا الأخير الشريعة في سبتمبر 1983م – بمعزل عن الترابي نفسه، وخروج تنظيم الشيخ في طابور ضخم بموازاة القصر الجمهوري لتأييد هذا القرار دون أن يمدحوا صاحب الشريعة ولو بكلمة واحدة تذكر أسمه نكاية فيه – يمكننا فهم شيء!! نفهم أن الشيخ الترابي لن ولن يفكر ولو للحظة واحدة ليسقط هذا النظام الفاسد القائم!! ونفس هذا العقلية السياسية التي تحصد النقاط، نجدها تجاري الموجة الإقليمية ضد النظام السوري..وكأن المطلوب لدى الشيخ الترابي، نقطة لصالح الاسلاموية: استبدال النظام في دمشق وأن ترفع لافتة إسلامية جوفاء في سوريا لا معنى لها كما نراه في السودان!!
ماذا جرى مؤخرا من صفقات؟
لقد وضح تماما لكل من المؤتمر الوطني والشعبي أن تجربتهما الإسلامية المتضامنة فاشلة بجدارة!! بل ذهب الشيخ الترابي لمصر بنفسه لكي يحذر الإسلاميين من التجربة السودانية الفاشلة ويعطيها عصارة تجربته، وفحواها: فشل نظرية “أهل الحل والعقد” للماوردي وأبي يعلي الفراء الحنبلي – الأحكام السلطانية، فالجماهير هي الأصل في كل شيء!! أما حجة الشيخ الترابي أن السبب العسكر..فهي حجة ساقطة، لقد سند الجيش الإسلاميين عشرين عاما ومع ذلك فشل الإسلاميون وليس العسكر!! وبما أن الفكر هو الذي يقود السياسة وليس العكس، فتجربة الانقاذ قبل أن تكون فاشلة سياسيا فهي فاشلة فكريا!! لم يدرك الشيخ الترابي أن الطنين حول مصطلح العلمانية secularism هو رجرجرة خليجية متهافتة، فهذا المصطلح في بيئته الغربية لا يعني سوى “البيعة” social contract، خلاصته: أن الدولة الإسلامية في الأصل هي دولة مدنية – تعتمد عل بيعة الشعب إذا أخذنا بنظرية الشورى القرآنية، ودعك من رجرجات الماوردي وأبي يعلي الفراء في أهل الحل والعقد والحكم بالسيف أو لمن غلب!! حتى هذه الشورى القرآنية لا نراها مطبقة في السودان حين أحتقروا الشعب السوداني، وصارت الشورى حكرا في قلة قليلة، ثم في مؤتمر الحركة الإسلامية – بينما غيب الشعب السوداني بالكامل!! الطريف الطابور الخامس السلفي تقدم لرئيس الجمهورية بمسودة لدستور يلغى نظام المجلس النيابي – يرغبه نظام ملكي مثل دول الخليج أو بالأحرى أموي!!
الصفقة التي تمت في الخلف والتي أخذت شهورا من المساومات هي للقفز على العصيان المدني القادم لو أستمرت دولة المؤتمرين الوطني والشعبي على حالها. كانت خلف الكواليس مساومات ماراثونية لوقف عجلة السقوط فانتهت بوضع ابني السيدين بجوار قمة السلطة!! بينما أخذ الشيخ الترابي ينفس عن الاحتقان الشعبي بالتلويح اللفظي!! فتمرد جماهير الوطني الاتحادي الأصل والأمة القومي على قياداتها وتصميمها على إسقاط النظام، هو مؤشر واضح أن قيادات هذين الحزبين عقدت صفقة خلفية، ومؤشر أن الشعب السوداني لن يقبل بشيء دون إزاحة هذا النظام الشائه بشكل جذري، فدولة يسهل فيها سرقة المال العام ويعم فيها الفساد بلا رقيب، وتكثر فيها المظالم ثم لا تستعظم دماء المسلمين، ثم لا ولاية على المال العام من قبل وزارة المالية أو أية جهة رقابية أخرى، وتدمج جميع السلطات دون فصل في يد واحدة، كما تحرسها العديد من أجهزة المخابرات خوفا من الشعب – لا يمكن تسميتها بدولة إسلامية!!
الشيخ الترابي بلا شك في ورطة فكرية وسياسية، ولن يخرجه منها إلا السيدان الصادق والميرغني(!!). وهنا لجأ الشيخ الترابي إلى أسلوب وضع جميع الكروت على الطاولة للسيدين ولكن ليس بدون تضخيم، فحواها باختصار: إن النظام القائم رغم فساده وعواره إذا سقط…ستكون نكسة على الإسلام والحركة الإسلامية داخليا وإقليميا وعالميا!! ونقول للشيخ الترابي، ليس الأمر كذلك!! ونذكره إذا كان يخاف من العار من سقوط هذه الدولة المهترئة فعليه أن يختار: إما العار وإما النار!! فالله سبحانه وتعالى لا يمضي الخطأ في الدين قط، أما إذا الشيخ الترابي يعتقد أنه مأجور أجرا واحدا حين يخطئ أنصحه أن يبحث فيها، فحديث عمرو بن العاص هذا من الموضوعات والمكذووبات!! وكما سلم الشيخ الترابي هذه الدولة لهؤلاء الجهلة غير الأكفاء وانتهوا بها كأن يصبحوا لصوصا عليه أن يرجع هذه الدولة لأصحابها الشرعيين – الشعب السوداني!! فمتى كان دين محمد عنصري؟
يجب أن يرجع السودان إلى أحضان الشعب والدولة المدنية وفصل السلطات، وعلى الأحزاب الإسلامية التي ترغب أن تطبق الإسلام على المجتمع عليها أن تفهم إنها عملية طويلة الأجل، وهذه لا تكون إلا بإرادة وقناعة الشعب نفسه، وهي ليست محصلة عملية يوم واحد كما يتخيل الفرد ذهنياnot one-day job، فوظيفة الأحزاب هي توفير معززات التوجه الإسلامي، ليس بالاعتماد على أسلوب المخابرات والخديعة وتجنيد الفاقد التربوي – واحتقار الشعب وسرقة المال العام باسم الإسلام، وليس عبر مصادرة الصحف، وليس بتجفيف السودان من الكتب – بينما توفر كتب بن تيمية وحده لا شريك له، وليس عبر رفع العناوين فقط وبيع أشرطة الكاسيت في السوق العربي..بل عبر الدراسات الإسلامية الحقيقية.الخ وقبل كل ذلك الابتعاد عن دول الخليج!!
نقطة ضعف الشيخ الترابي أنه صاهر آل المهدي – فهذه المصاهرة سلاح ذو حدين!! رغم إيماني أن حزب الأمة القومي، والصادق المهدي بالتحديد، كارثة على السودان، فمن جانب، مصاهرة الشيخ الترابي لآل المهدي أهلته لكي يجلس ويلعب لعبة الكبار..!! بينما نفس هذا الارتباط أوقعه في ثنائية لاواعية مع خصمه، فنحن لا نرى مردود الشيخ الترابي الفكري إلا انعكاسا وقياسا وتماهيا مع أيديولوجية وعقيدة الصادق المهدي وسلوكه السياسي الرمادي، والأخير يعتقد أن جده الإمام محمد أحمد المهدي…هو المهدي المنتظر الحقيقي!! هذه النقطة لا يستطيع الشيخ الترابي أن ينقضها صراحة وعلنا، فاصبح مثل المفكر الذي يخون نفسه أو وظيفته، ونفس هذه النقطة هي التي تعطل من حزب الأمة القومي كأن يصبح حزبا طليعيا تقدميا بقيادة الصادق، فالصادق لا يغامر كأن يصادم النظام القائم بجدية لإسقاطه خوفا من تحطم كيان الأنصار وتفتت عقيدته في جده على أنه المهدي الحقيقي - خاصة إذا رمى النظام السلفي القائم بسهامه على نقطة المهدوية!! فالصادق منحاز إلى أمتيازه الطائفي والطبقي والوظيفي ولا يأبه لمصلحة الشعب السوداني بشكل حقيقي!! أقرأ مقالتي في امحمد أحمد المهدي:
http://www.hurriyatsudan.com/?p=27511
أما السيد الميرغني..فقضيته لا تختلف عن قضية الصادق المهدي ولكنها اقل تعقيدا، فبينما الصادق يعتبر جده هو المهدي المنتظر الحقيقي ولا يكون إلا من نسل فاطمة الزهراء عليها السلام، فالميرغني يعتبر نفسه من نسل الرسول (ص) مباشرة – وليس هنالك أحد أفضل من أحد!! عندما ترى الخطين الأحمرين، علك تسأل من هو هذا الشيخ المكي طليعة الاستعمار البريطاني في الجزيرة العربية والسودان!! يمكنك الاستنتاج أنه شخص تم تجنيده بالمال وكان الوقت 1884م هو قمة التخطيط البريطاني لابتلاع الجزيرة العربية. ولا يفوت على فطنة القارئ أن الشيخ المكي أحتاج إلى شخص أسمر البشرة حتى يؤدي المهمة بكفاءة للبريطانيين في السودان فلم يكن سوى الميرغني!! وفي ظننا إنه نجدي وليس مكيا، فالكوارث كلها تأتي من نجد!!
النقطة الثانية ذات الأهمية هي تعمد السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني أن يكتب “الشيخ الميرغني” وكذلك “ومعه شيخ..” وبما أن الأفغاني من نسل الرسول صلى الله عليه وآله لذا هو يلقب بالسيد، فمن يلقب “بالشيخ” فهو قطعا ليس من نسل النبي وإن حمل درجة علمية – ولكننا نشك كون الميرغني كان شيخا أو عالم دين ولم يكن دوره سوى بسبب لون بشرته لاستمالة القبائل السودانية وخداعها، ولكي يستميلهم وينجح في مهمته أوهمهم إنه من نسل الرسول (ص). و”يقال” تعني أن هذه البعثة البريطانية كانت موضوع الأخبار بين الدول، فحتى أخبار انتصارات “المهدي” نفسها طارت كل مطار وألهمت المسلمين حتى خراسان والهند الخ لكي يهبوا ضد البريطانيين.
وفي تقديري، الاثنان على خطأ – أي الحفيدان الصادق والميرغني!! كلاهما ليس من نسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم!! كذلك تدعي الأسر الحاكمة بالمثل في الأردن والمغرب – ولا أعتقد أيضا كأن تكون لحمتهم من لحمة نبينا العظيم عليه أفضل الصلاة وعلى آله الطيبين الطاهرين!! والقياس واضح – فالأسرة الأردنية تتعيش على مدفوعات المخابرات المركزية الأمريكية، والثانية تتعاون مع الموساد وتتآمر على الأمة الإسلامية!! وحاشا لله أن تنحدر ذرية الرسول صلى الله عليه وآله هذا المنحدر!! وبالمثل حين نقرأ ماذا كتب جمال الدين الأفغاني في صحيفته (1884م): العروة الوثقى..أن الميرغني دخل السودان لتسكين القبائل وتزعن بالولاء للحكومة البريطانية..وكان الميرغني يحث القبائل السودانية على معاونة البريطانيين، وحين تقرأ ماذا رد عليه عثمان دقنة..يكتشف القارئ الكريم أنه يعيش في كذبة سياسية ودينية كبيرة عمرها قرنان!! لذا تجد السيدين لا يحبان أمثال جمال الدين “الحسيني” الأفغاني ولا يحبان الشيعة ولا إيران ويعتبرونهم منطقة خطرة قد تكشف أوراقهم المزيفة – فالأول يرسل أبناءه وبناته لكي يتعلموا في الأردن – “الهاشمية”، ولا يدرك الصادق المهدي أن العائلة المالكة الأردنية هي تركية الأصل والدم، فتركيا العثمانية أحتاجت إلى “عين” لها في الحجاز فعينت تركيا بعد أنعمت عليه لقب “هاشمي” و”شريف” لأنها لا تثق في العرب – وفي مقدمهم الأشراف الحقيقيين!! ونقول للصادق المهدي بلطف، لو رغبت أن يختلط أبناؤك بالهاشميين الأقحاح فعليك بإيران وبشكل خاص أصحاب العمائم السوداء!! ولم أستغرب أن يتعلم أبناء محمد عثمان الميرغني من منازلهم وحتى إكمال الثانوي ويعين لها معلمين الخ ولا يدرسون في مدارس “العامة”. هذه الإستقراطية لا يعرفها نبينا العظيم ولا ذريته بحق وحقيق، فنبينا خيره ربه ما بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا – فأختار التواضع، أي أن يكون عبدا نبيا، وكان حين يجلس ليأكل لا يجلس إلا جلسة العبد!!
وأسدل الستار عربيا على جمال الدين الأفغاني وعلى سيرته، حتى أهل الخليج يبغضونه ويسفهونه ويصفونه زورا بالماسونية!! كل هذا لأنه كان يحارب البريطانيين!! بينما يعظم القرضاوي أمثال محمد رشيد رضا الذي بذر بذور الوهابية في مصر…وقد أجمع كل الباحثين المخضرمين أن الأفغاني هو الذي أحيا هذه الأمة الميتة والتي شبعت موتا على يد الأتراك أربعة قرونا ونصف!! من يرغب في العروة الوثقى عليه بهذه الوصلة:
http://www.4shared.com/document/Zf_H2dW7/_______.html?cau2=403tNull
في ختام هذا التحليل نقول للشعب السوداني لقد تآمر عليه الإسلاميون المنتفعون من رفع لواء السلفية الخليجية والطائفيون المحليون مرة أخرى، ولكن الجديد في المراغنة وبحسبهم هاشميين (!) سحبوا أمراء الوهابية بندر بن عبد العزيز، وفيصل بن مقرن بن عبد العزيز (والده رئيس الاستخبارات العامة في السعدية) نحو تأسيس البنك الإسلامي السوداني كمستثمرين فكان أن بيض بنكهم مصنع السلام للأسمنت وصحيفة الصحافة!! وعموما، كل المؤشرات تقول أن الشيخ الترابي هو الذي يقود بخفية وهو المهندس الحقيقي، وان الانقسام لم يكن سوى عملية مسرحية ساذجة مردها تضخيم الذات والدور السياسي وعدم الإيمان باستحقاق الشعب السوداني كأن يقود نفسه بمنأى عن هؤلاء، فهنالك العديد من القضايا المفصلية في الدين وفي التاريخ لم يتطرق لها الشيخ الترابي، فلا يكفي قوله للصحف أن السلفيين “مخلصين ولكن هم ضيقو الأفق”، فهل سأل الشيخ الترابي نفسه أين الكتب التي كتبها علماء الإسلام في الوهابية في قرنين من الزمان؟ أين أختفت وكيف أختفت؟ وما عددها؟ تقارب الألف كتاب!! وما رأيه في الحديث النبوي: سيماهم التسبيد!! وهل الحركات السلفية التي اكتسحت البلدان العربية الطرفية هي موجة خوارج سلوكا وفكرا وعقيدة أم لا في رأيه؟ ثم كيف تفتح أبواب السودان مشرعة لهؤلاء؟ وما رأيه في عقيدة بن تيمية الحشوية؟
نحن في هذه المقالة نرى هنالك ما يبرر أن يذهب هذا النظام القائم ويرحل وأن يسلم البلاد للشعب السوداني، فلن يفيده تكميم الصحف وملاحقة الخصوم أمنيا وحرق شخوصهم السياسية بأساليب ميكافيلية، وإشعال الحروب باسم الإسلام الخ ولن يفيده السيدان في إطالة عمره مع غياب الحريات، رغم أن النظام خطى خطوات كبيرة في هذا المنحنى واختطف الدولة، لذا على المعارضة السياسة السودانية أن تتبنى قيام قناة تلفزيونية..وتخاطب الشعب السوداني كافة، وهي الوسيلة الأنجع بعد أن نجح النظام في تكميم الصحافة وشراء مؤسساتها الواحدة بعد الأخرى. فضلا إلى ذلك، هذا النظام القائم نظام عسكري أمني من الدرجة الأولى، لا يفقه في الإسلاميات شيئا، فهل رأيتم أعمى يقود أعمى!! هذا هو حال الواقع السوداني. وعلى المعارضة السياسة السودانية أن تتوقف وتفكر جيدا فالولايات المتحدة الأمريكية تهيئ الواقع السياسي العربي لكي يتبنى النموذج التركي في كل من دولة مصر، وليبيا، وتونس واليمن الخ..أن يحكم العسكر من الخلف، بينما “تدور” الأحزاب في دائرة مفرغة وترعى من كلأ الفساد – وطبيعة النظام السوداني العسكرية القائمة توفر الشروط الأمريكية المطلوبة ما بعد فصل الجنوب!! لذا واشنطون لن تساعد المعارضة السياسية لإسقاط هذا النظام، ولقد فهم المؤتمر الوطني هذه “الرسالة” مبكرا.
كثير من السودانيين لا يفهمون الحالة التركية، ففضلا عن الفساد التركي المريع في نهب المال العام، تعتبر المناصب القيادية العليا في لجيش التركي منذ عام 1924م هي رهينة في يد يهود الدونم ولا تخرج من عائلاتهم قط!! فعلى سبيل المثال لا الحصر قيادات الجيش التركي هي التي تفسد أية مصالحة أو حل سياسي لمشكلة الأكراد (10 مليون) والشعب التركي، وكأن تظل المشكلة قائمة تصبح المشكلة فاصلة جغرافية ما بين العرب وتركيا حتى لا يتوحدا في خلافة وهي من إلهامات ما بعد الحرب العالمية الأولى!! وقد وصف العديد من الخبراء أن الحالة الإسلامية التركية الحالية هي حالة إسلامية بلا أخلاق، بقدر ما يسمح بها الجيش التركي نفسه والولايات المتحد الأمريكية!! وعن الحالة السورية، أكد الخبير العسكري الروسي والجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف أن حكومة أردوغان اليوم: “أصبحت تحت سيطرة أباطرة المال العالميين والساسة الأمريكيين، معربا عن اسفه لدور تركيا الشبيه بأداة لإشعال حرب كبيرة”. وتابع الجنرال القول أن “الولايات المتحدة إلى جانب أباطرة المال وبشكل تدريجي يسعون إلى السيطرة على بعض الدول المستقلة، وفي حال قامت هذه البلاد بمقاومتهم يحاولون إبادتها، وهذا ما حصل في يوغسلافيا والعراق وليبيا”. وشدد على أن أي عملية عسكرية في هذه المنطقة ستحرم الاقتصاد الصيني من النفط، وكذلك الحال مع أوروبا، والحرب ستتدحرج إلى حدود روسيا. واعتبر الجنرال ذلك بانه مشروع لإنقاذ الدولار “وهذه جريمة ضد البشرية”.
ونحن نؤيده مائة في المائة أن مهمة أوباما الأولى حين صعوده السلطة هي إنقاذ الدولار!! من يقرأ كتابي: جهاز الاحتياطي الفيدرالي وبنك أنجلترا على طاولة التشريح السودانية، يفهم هذه النقطة جيدا!! ما قاله الخبير ليونيد إيفاشوف ليس دعاية جوفاء ضد الغرب!!
من الناحية الأخرى، دعا بوق قطر يوسف القرضاوي في آخر تصريح له الدول العربية (طبعا غير الخليجية) إلى الاستفادة من النموذج التركي في الحكم، قائلاً إن هذا النموذج استطاع فيه الإسلاميون أن يفوزوا على العلمانيين بهدوء. وبهذا التصريح يعبر عن سياسة الدولة القطرية والأمريكية!! وتنعكس رؤية البوق القطري أيضا على الحالة السورية، فليس السلفيون فقط يتم تجميعهم من كل حدب وزجهم في سوريا لخلق الفوضى عبر الإرهاب والمتفجرات كما فعلوا في العراق، بل هنالك كميات مهولة من السلاح يتم تهريبها عبر تركيا، والهدف تفكيك الجيش السوري عبر حرب عصابات في المدن، ثم بعدها يقفز جنرال على السلطة بانقلاب…وبالطبع يجب أن يكون انقلاب سني وليس علوي!! قال أمير قطر في جلسة خاصة إنه مستعد دفع مئة مليار دولار لإسقاط النظام السوري!! وذهب البوق أبعد من ذلك حين صرح “للفاينانشيال تايمز” بعد أن فشلت المؤامرة على سوريا، إن من حق السوريين الطلب من دول أجنبية وبدعم من الأمم المتحدة التدخل في بلادهم في حالة فشل الدول العربية وقف حمام الدم (السلفي)!! ووضح الدور الذي يلعبه البوق ويصب في خدمة دولة إسرائيل بالكامل، فالمراهنة على الأخوان المسلمين بانهم سيتبعون سياسة صارمة مع إسرائيل أمر غير وارد وذلك بعد تصريح البوق القطري بان الإسلاميين سيتعاملون مع إسرائيل بحكمة أي أن المعاهدات مع إسرائيل ستحترم من قبل الإخوان المسلمين.
اين يكون موقع الدولة السودانية من الإعراب في اثنين وعشرين عاما؟ صفر كبير. صفر في السياسة الداخلية والخارجية، وصفر في الدين، وصفر في التنمية الاقتصادية، وصفر في حسن الأخلاق والسلوك، وصفر في الجغرافيا حين أنقسم الجنوب، وصفر في التاريخ حين يسجل لهم مجازرهم وسجونهم – النتيجة رسوب ولا تقل عن عشرة “كحكات” حمراء!! اضف إلى ذلك أن المؤتمر الوطني نفسه مخترق أمنيا من قبل المخابرات الخليجية والغربية، فماذا تبقى من السودان؟ ولا نحتاج إلى دليل، فمن يقود هذه السياسة الحالية وتنتهي إلى ما نراه، من حقنا أن نشك أن أصابع داخلية مجندة خارجيا تلعب على القرار السياسي بنغمة معينة!! وأطرف ما قرأت في هذا الموضوع هو للكاتب الصحفي حيدر المكاشفي: الجاسوس السوداني..! لعلك تقرأها وتأخذ راحة من مقالتي وتبتسم قليلا:
http://www.hurriyatsudan.com/?p=4228
فالقناة التلفزيونية ستعري الجميع أمام الشعب السوداني، فمن جانب حين يعجز الطاهر حسن التوم في إكمال الصورة السياسية أو الدينية أو الأخلاقية أو الحالة الاقتصادية، يمكن للمعارضة أن تكملها كأن تخاطب الشعب السوداني والعالم بالصوت وبالصورة!! ويمكنها أن تصل إلى كل أفراد الشعب السودان في أي مكان وزمان!! ويجب أن تكون قناة محترفة وليست مثل قناة صاحب قناة المستقلة الذي حولها إلى “كنبة” لكي يوفر باقي العصافير في جيبه!! أين يكون مقرها؟ مصر…ولا شك أن مصر أم الدنيا!! ففيها كل شيء، الدعم المالي، والكوادر الفنية والحريات..يمكن أن يدعم هذه القناة ماليا الاتحاد الأوروبي، اليابان، الدول الإسكندنافية، دولة جنوب السودان، سوريا، الجزائر، كوبا، إيرلندا، فنزويلا، أستراليا، نيوزيلندا، كندا.، وجميع السودانيين في القارات الخمس والخليج، ولا تتوقعوا دعما من دول الخليج، وليس من الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من بريطانيا والأفضل الابتعاد عن هذه الدولة الخبيثة، وليس من فرنسا فهم أخبث من البريطانيين، وليس من إيران فلن تدعمكم حتى لا تتهم بنشر االتشيع في العالم العربي…ويمكن للسودانيين تحديد يوم لبدء تجميع الدعم المالي مثلا في 28 فبراير 2012م بعد عمل التنسيق السبقي عبر الأنترنيت!! وقبل أن أنسى.عليكم بنسيان هذه القيادات القديمة إلا من رحم ربك، لقد أدخلوكم نفقا مثل النفق اليمني..فلعبة الوساطة الخارجية وعصلجة النظام، دخلت الثورة اليمنية في ثلاجة تشريح الموتى – ممنوع على الشعب اليمين أن يقطف الثمرة – مسموح له فقط إصلاحات، هذا هو الموقف العربي والإقليمي والدولي الغربي من الثورة اليمنية!! فأين موقعكم أنتم من الإعراب الدولي؟ هذا السؤال يجب الإجابة عليه بكفاءة.
(كاتب) و (محلل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.