دخل شمال وجنوب السودان في حرب جديدة أطلق عليها "حرب العملات"، وسط تحذيرات من انعكاسات سلبية على اقتصاديات البلدين، بعد أن أعلنا عن طرح عملتيهما الجديدة "الجنيه السوداني" منذ أمس بالخرطوموجوبا، في وقت يتداول فيه الجنوبيون كتلة نقدية من الجنيه القديم بما يعادل 700 مليون دولار. وقال خبراء اقتصاديون إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية في تبديل عملتها، منذ أمس، ستواجه بإجراءات اقتصادية صعبة في الطلب على العملة الصعبة، وبدأت في عاصمة السودان الجنوبي، جوبا، عملية طرح العملة الجديدة، وتحمل اسم "جنيه السودان الجديد"، وعليها صورة زعيم الحركة الشعبية ومؤسسها، الراحل الدكتور جون قرنق ديمبيور. تكلفة الطباعة وبدأت المصارف في عملية تبديل العملة القديمة بالجديدة؛ استعدادا لبدء تداولها هذا الأسبوع. وتأتي عملية إصدار العملة الجديدة في وقت كشفت فيه مصادر اقتصادية لصحيفة "الشرق الأوسط" عن أن العملة القديمة المتداولة بالدولة الجديدة تبلغ 2 مليار جنيه (700 مليون دولار). وفي السياق ذاته أعلن محافظ بنك السودان المركزي، محمد خير الزبير، عن بدء طرح العملة الجديدة في فروع البنك اعتبارا من يوم أمس، توطئة لعملية الإحلال عبر القنوات الرسمية خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، لافتاً إلى أن تكلفة الطباعة تجاوزت ال40 مليون يورو. وأكد الزبير في تصريحات صحافية أمس، تعاونه مع دولة السودان الجنوبي في عملية استبدال العملة المتداولة بالدولة الجديدة، البالغة ملياري جنيه (ما يعادل 700 مليون دولار)، والتعاون معها في كل المسائل المتعلقة بعملية استبدال العملة، إلا أنه أكد جاهزيته للدخول فيما سماها حرب العملات، إن رأت دولة الجنوب ذلك، حال التماطل وعدم الوصول لاتفاق بشأن العملة المتداولة بالجنوب. وقال المتحدث الرسمي باسم المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم، إبراهيم غندور: "كان الاتفاق أن تستمر هذه العملة في التداول ما بين ستة أشهر إلى عام واحد، ولكننا كنا نعلم أن الحركة الشعبية كانت تطبع عملتها الجديدة سرا ضمن ترتيب تخريب الاقتصاد السوداني، مع أننا كنا صادقين دون تآمر". في غضون ذلك اعتبر خبراء اقتصاديون أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية في تبديل عملتها، منذ أمس، ستواجه بإجراءات اقتصادية صعبة في الطلب على العملة الصعبة، على عكس دولة السودان الجنوبي الوليدة، التي تمت تغطية تكلفة طباعة عملتها من الدول المانحة، وأن لديها سندا من عائدات النفط التي تصل نحو 90 في المائة من ميزانية الدولة. وقال الخبير الاقتصادي، دكتور محمد إبراهيم كبج، إنه تحمس لفكرة تبديل دولة الجنوب عملتها الجديدة بقيمة الجنيه القديم لدولة السودان، مضيفاً "بغض النظر عن قيمة العملة التي سيتم تبديلها، فإن حكومة السودان الجنوبي كانت ذكية في أن تترك قيمة الاستبدال واحدة للمواطن". ضمانات بتصدير النفط وأوضح أن دولة الجنوب لديها سند وضمانات بتصدير النفط، الشيء الذي يفقده السودان الشمالي، مشيرا إلى أن الجنيه السوداني سيتدهور بشكل سريع. وقال: "السودان في عام 2010 كانت عائداته تصل إلى نحو عشرة مليارات من الدولارات، وبعد استقلال الجنوب فإن عائداته لن تتجاوز الأربعة مليارات دولار من المغتربين والصادرات التقليدية". وتابع: "هذه الفجوة ستتم تغطيتها من السوق السوداء، التي ستصبح الشريك الأكبر في تغطية الطلب على الدولار، حتى يكون هناك استيراد"، معتبرا أن اقتصاد دولة السودان الجنوبي ستكون مستقرة؛ لأنها مدعومة من النفط، وأن قيمة الجنيه ستصبح أقوى في الفترة المقبلة. وحذر كبج من حرب العملات بين الدولتين الجارتين، وقال إن السودان الشمالي سيكون هو الخاسر فيها، قائلا إن دولة الجنوب ثبتت عملتها الجديدة بالعملة القديمة حتى يتم امتصاصها من السوق، على عكس الشمال الذي ستتدهور عملته في مقابل الدولار. وأضاف أن سعر الدولار في مقابل الجنيه السوداني اليوم وصل إلى 3.50 جنيه، مؤكدا أن الإحصاء المركزي في الشمال أوضح أن إنفاق الأسرة الواحدة تذهب نسبة 65% منه إلى الغذاء، وأن نسبة 35% تدفع للسكن والعلاج والتعليم. وتابع: "الإجراءات الاقتصادية التي يمكن أن تتخذها دولة الشمال ستواجه بالاحتجاجات وعلى العكس تماما فإن الجنوب لن يواجه مثل هذه المشكلات". من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، عامر الأمين بريمة كافي، إن الشمال سيتأثر بشكل أكبر من تبديل العملة في الوقت الراهن وبالسرعة التي تم بها، وأضاف أن التأثير سيكون في الاحتياطي النقدي، والالتزامات الخارجية، وقوة العملة المحلية في مقابل الدولار والكتلة النقدية المتداولة في السوق، إلى جانب العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتبادل التجاري. ويرى أن الاستقرار السياسي هو الذي ينجح الحركة التجارية المحلية، خاصة في تبادل الشيكات، وأن دولة الشمال سيقع التأثير الاقتصادي عليها أكبر من دولة السودان الجنوبي، التي أصبحت مقبولة في العالم، وأنها سوق بكر ومنفتحة.