تصاعدت الخلافات العاصفة بجسد المؤتمر الوطني وسرت كالنار في الهشيم، وانطلقت نيران التباين بالولايات أكثر ضراوة بعد تشكيل الحكومات الولائية وخروج قادة بارزين للوطني بتلكم الولايات عقب المحاصصات والترتيبات الداخلية الجديدة واشتد (تورنادو) الخلاف بولاية القضارف التي كلما هدأ الوضع قليلا ازداد أواره بدرجة أعنف من السابقة. بينما التحقت النيل الأزرق بخلافات قديمة متجددة بالجزيرة. لكن العامل الرئيسي بكل تلك التباينات يؤكد أن كرسي السلطة له قصب السبق والجدارة في إشعال فتنة الإسلاميين؛ ذات الكرسي اتسعت الرؤى حوله خصوصاً بشأن الخلاف الأكثر تأثيراً بعد خروج مجموعة الترابي وتشكيلها المؤتمر الشعبي؛ وهو التباين الذي أطاح بأحد أبرز قادة الإنقاذ الأمنيين؛ المدير الأسبق لجهاز الأمن والمخابرات والقائد المعزول عن مستشارية الأمن القومي؛ صلاح عبد الله (قوش). غير أن قوش- حتى وإن أرجأ ما بنفسه إلى حين- رسخ للإسلاميين القابعين على سدة الحكم كيفية التقبل الكامل لنتائج الخلاف حتى وإن أُخرج من موسم حصد المقاعد خاوياً بلا نصير. غير أن آخرين لم يذهبوا إلى ما فعله قوش بعد أن علت العصا وانخفضت الحكمة وصوت العقل. ومع الاشتعال الحالي لأزمة الخلاف بالنيل الأزرق والتي تعد امتداداً لاشتباك عاصف في أبريل 2002م باحتفال الحزب بالدمازين استقبالاً لرئيس الحزب بالولاية آنذاك عبد الرحمن أبومدين. وهبت العاصفة عندما ذكر القيادي فرح العقار في خطابه أسماء أعضاء في المؤتمر الوطني قال إنهم عارضوه في الانتخابات الأخيرة، وشكرهم على ذلك، ما أثار حفيظتهم وجعلهم يعتلون المنصة ليعتدوا على فرح، وتطور الأمر عندما هبّ أنصار العقار لصد الاعتداء.. وتحول الاحتفال لمعركة استُخدمت فيها العصي بحضور قادة مركزيين، وتواصل الاشتباك لخارج قاعة الاحتفال بعد أن هشّم أنصار العقار، زجاج سيارة معتمد الدمازين ورئيس المؤتمر الوطني بالمحلية وقتذاك عبد الله الزين. وخبتْ الخلافات فينة من الزمن لتتجدد حالياً في خضم الإعداد للتشكيل الحكومي المتعطل وفقاً للأوضاع الأمنية بالمنطقة والتي حتمت تعيين مباشر للوالي من رئاسة الجمهورية عقب عزل الرئاسة بموافقة البرلمان القومي والولائي للوالي السابق مالك عقار، وجمد الوطني عضوية خمسة من أبرز القادة بينهم ثلاثة وزراء لا يزالون يؤدون مهامهم الدستورية وسط احتجاجات قادت المركز للبحث عن حل للأزمة التنظيمية للوطني هناك. في وقت نفت عضو المجلس التشريعي سهام هاشم استناد التجميد إلى خلافات حيال الدفع بوزراء جدد بعد أن جمدت عضوية العاقب وزير الشباب والرياضة، وزروق فضيل عبد الرحمن وزير الحكم المحلي، وكمال خلف الله وزير الزراعة، إضافة لاثنين آخرين. بينما شدد القيادي قطبي المهدي على قدرة الوطني على إنهاء الخلاف بوقت وجيز. وبالقضارف اشتعل الأمر حتى بلغ بوالي الولاية كرم الله عباس أن يتوعد المتفلتين من أعضاء المكتب القيادي بحزبه بالمحاسبة والتحقيق معهم في تصريحاتهم الأخيرة الناقدة لحكومة الولاية وميزانتيها التي قال بأنهم شاركوا في إعدادها ومناقشتها بالأمانة الاقتصادية. ووجّه بإجراء تحقيق وفرض عقوبات في مواجهتهم دون مجاملات مهما كانت أوزانهم السياسية، حفاظاً على ما أسماه هيبة الحزب. وتابع في احتفال بتذويب حزب الشرق نفسه داخل الوطني أمس الأول: «لن تكون هناك تيارات إصلاحية أو غيرها.. ومن أراد الإصلاح فأروقة الوطني مفتوحة لعضويته لتحقيق ما يريدون عبر المؤسسية». وتابع «لا مجال لمن يريدون خلق بطولات شخصية نتيجة أمراضهم النفسية. أمامهم خياران: إما الانصياع لقرارات المؤسسة، أو جلوسهم على الرصيف صامتين في انتظار موسم التسجيلات». وأرسل عباس رسائل لمتفلتي حزبه الذين قسى عليهم بدمغهم بأمراض نفسية. وقال بأنه لن يلتفت إلى أحد أو أي مجموعات ضاغطة بالإعلام. كاشفاً عن أن داء عضال يعاني منه المؤتمر الوطني بالقضارف، فضلا عن تدافع داخلي لشخصيات مؤثرة بعد أن (ضربت الفتنة) الحركة الإسلامية واحتكم الجميع لأهوائهم وهواجسهم حسبما قال. وواصل كرم الله حربه على قادة بحزبه بلهجة حادة بقوله: «من يريد أن ينزل علينا بالمظلات نحن جاهزون له بالبنادق». ويتضح بجلاء أن إبعاد كرم الله لبعض القادة من تشكيله الوزاري قاد لحالة الاحتقان الحالية خاصة وان الجميع يتفق داخل البيت التنظيمي ويعود مستخدماً المظلة الإعلامية لتصفية حسابه مع الوالي المختلف معه. وبالجزيرة لم يعد خافياً أن الخلاف السابق للقيادي القوي عبد الباقي علي مع الوالي الزبير بشير طه والذي وصل مرحلة افساد مؤتمر الوطني بالمناقل وانتقل لتشكيل النقابات التي بلغت حد رشق مجموعة بقيادة عبد الجبار عبد القادر للموالين للزبير طه بالكراسي وفارغ الأواني الزجاجية، ولا يزال الخلاف يراوح نفسه رغما عن تدخل رئيس الجمهورية المشير البشير قبيل الانتخابات الماضية 2010م وإنهائه حالة التباين بزيارته قرية الشكينيبة ومحلية المناقل المقر الحصين لعبد الباقي علي بصحبة الزبير طه. فلم تهدأ العاصفة قليلا حتى دفعت قيادات بارزة بزعامة رئيس المجلس التشريعي الأسبق عبد الباقي الريح بمذكرة شديدة اللهجة للمركز مستهجنة السياسات الإدارية لوالي الجزيرة، ورجحت حينها التحليلات وقوف عبد الباقي علي خلف المذكرة وموقعيها، لتندلع حمى الصراع من جديد في الوقت الراهن بعد أن تعرض القيادي البارز عبد المنعم الدمياطي في أعقاب صفقة سكر قيل إنها حُولت من كوتة الولاية لجهة أخرى عبر نافذين ما أغضب الزبير طه حسبما قال المراقب السياسي بو دمدني محمد الأمين حماد ل (الأحداث) الذي لفت إلى أن استحقاقات أخرى لأُسر كبيرة دعمت الوطني بالانتخابات ولم تجد مقابلا لنصرتها بتعيين أحد أبنائها بالوزارة أو المعتمديات، علاوة على استحقاقات للاتحادي المسجل، والأمة الإصلاح والتنمية، بتحالف مركزي مع الوطني ضيقت فرص استيعاب عناصر من الوطني في الوزارة لتتسع دائرة الخلاف. ورغم إطلاق قيادات بارزة بالمؤتمر الوطني بولاية الجزيرة مبادرة سياسية لرأب الصدع ووحدة الصف في الحزب وفقما نقل القيادي بالحزب عبد الله بابكر ل (smc) واستهدافها الأساسي لجمع الشمل بين القيادات ومد جسور الثقة مع الذين ابتعدوا عن العمل السياسي في المراحل السابقة نتيجة لما بدر من خلافات بين أعضاء الحزب التي تتصل بالمسائل التنظيمية والتنفيذية بالولاية بجانب وقف الهجوم الإعلامي السالب على برامج الولاية التنموية والاقتصادية والسياسية، إلا أن ما عطار المبادرة يصعب معه إصلاح ما أفسدته كراسي السلطة بتقريبها هذا ولفظها ذاك، ما يستدعي التدخل السريع للمركز للحاق الوضع التنظيمي لحزبه بولايات ذات تأثير مباشر على العملية السياسية بالخرطوم، حتى لا يذهب الحزب والانتماء له مع ذهاب كرسي السلطة ويتحول قادته إلى مصير قابله من قبل أباطرة الاتحاد الاشتراكي في عهد مضى وأضحوا مع تدفق الدماء في الشريان السياسي السوداني نسياً منسياً. الخرطوم: محمد عبد الحكم