داهمت قوة من جهاز الأمن منتصف الاسبوع المنصرم مقر وكالة (الحياة) بالسوق العربى بالقرب من فندق سنترال بالخرطوم ، لصاحبها المستشار السابق للرئيس ومدير جهاز الأمن ووزير الرعاية الاجتماعية الأسبق، والقيادي بالمؤتمر الوطني، أمين الأمانة السياسية قطبي المهدي بعد صدور تعليمات عُليا اعتبرت أن عمله في السوق الأسود للعملات الأجنبية أصبح قضية رأي عام، وهو ما ثبت بالفعل عند المداهمة، والوكالة هي مجرد واجهة لصرافة عملات أجنبية. لكن ما هي قصة القيادي ذو الشخصية الغامضة مع الأموال، خاصة العملات الأجنبية؟! دعونا ننظر في السيرة الذاتية الغريبة للسيد قطبي. عندما تولى قطبي المهدي منصب مدير عام جهاز الأمن قادماً من إيران بعد ثلاث سنوات قضاها سفيراً هناك، سرعان ما أطلق عليه الضباط من قيادات جهاز الأمن لقب “سماحة جمل الطين"، بعد اكتشافهم حالة الخواء التي تحيط بمظهره الوسيم، وأزيائه الأنيقة، واسمه الرنان، كما اكتشفوا حالة الغموض تحيط بشخصيته هي مرض نفسي يصنف ضمن حالات الإحباط المزمن (chronic depression). وكما يحرص قطبي المهدي على لقب “دكتور" الذي يوضع زوراً قبل اسمه، يحرص على نحوٍ أشد على وضع “المسدس" بشكل واضح تحت سترته، وبنفس الحرص يحرص على سائق السيارة والحرس في المقعد الأمامي ويتمترس هو في الخلف، وعلى فتح الباب له في النزول والطلوع. كذلك البدلة الأمريكية من خالص الصوف في عز صيف الخرطوم، دون التخلي عن القطعة الخامسة “الصديري" (vest)، بعد البنطال والقميص وربطة العنق والجاكيت! المعروف أن قطبي المهدي قد ترك جامعة الخرطوم في السنة الثانية، وغادر إلى الكويت ليعمل في وظيفة صغيرة مع رجل الأعمال الإسلامي المعروف (كابتن/النور زروق)، ثم غادر إلى السعودية للعمل في رابطة العالم الإسلامي، المؤسسة التي كان يديرها بعض الإسلاميين السعوديين، حيث نُقل للعمل في مكتب الرابطة بكندا، واستمرَّت رحلته تلك 23 عاماً، لم يعُد فيها إلى السودان إلا بعد عامين من حكم الإسلاميين، أي بعد قيام الإنقاذ وتمام (التمكُّن) من السلطة. لكن سرعان ما اكتشف قطبي المهدي أن العنصرية المؤسسة على القبلية هي طريق الصعود في مدارج حكومة الإنقاذ، فرأى نفسه بوصفه (جعلياً) أحق من علي عثمان بمنصب نائب الرئيس، ولم يهتم بالمنصب الآخر لعلي عثمان، أي نائب الأمين العام، لأسباب يسهُل تقديرها، ولأنه أكبر سناً من علي عثمان وأبكر منه دخولاً إلى جامعة الخرطوم، وأقرب منه قبلياً للرئيس، فقد كان يتطلع بشدة لمركز النائب الأول بعد وفاة الفريق الزبير محمد صالح، كما أنه رأى في تبوء علي عثمان للمنصب خسارة مزدوجة، فعلي عثمان يضع قطبي ضمن القائمة السوداء منذ أن سلم علي عثمان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لعميد الطلاب جعفر محمد علي بخيت، المايوي المعروف، وهرب من الجامعة، حيث كان قطبي على رأس اللجنة التي كلفها التنظيم بمحاسبة رئيس الاتحاد الهارب علي عثمان. وانتهت خلاصة أعمال اللجنة إلى أن علي عثمان جبان ولا يلتزم الأخلاق في السياسة. تشابه سيرة قطبي المهدي في جهاز الأمن سيرة بهاء الدين محمد إدريس، المايوي الشهير في القصر، فقد عرف عنه مدير مكتبه اهتمامه اليومي بالغذاء الخاص للمدير العام، وأكله وشربه، خاصة الخالية من السكر، إضافة إلى ال“دايت كولا"، والسفر والحلاق الخاص الذي يُحمل من وإلى البيت. أما المخالفات العظيمة والفساد في جهاز الأمن فحدِّث ولا حرج، من تعيين زميله القديم في الثانوي “أحمد حسن" في منصب المدير المالي والإداري، وقد عاث في الأمن فساداً، إلى الفضيحة الأشهر عندما أسلم قطبي المهدي مئات الآلاف من العملة الصعبة لأحد كبار الدجَّالين في ظاهرة (التنزيل) حتى ينال المبلغ مضاعفاً، ولكن (الفكي) نجح في خداع مدير عام جهاز الأمن كما يخدع عوام التجار في السوق العربي! إذن، فقصة قطبي المهدي مع اللصوص ليست بجديدة ولم تبدأ عند سرقة السائق والحرس لمنزله وتمكنهم من الآلاف من مختلف العملات المعروفة وغير المعروفة، ولم تنتهى عند المداهمة التي تمَّت في نهار واضح للوكالة التي يملكها قطبي المهدي من قبل جهاز الأمن لأنهم يعلموا أنها وكالة في المظهر وصرافة كبيرة لسوق العملات الأجنبية فيما خفي. هذا قليل من كثير في سيرة هذا الرجل المخزية، فلماذا لا يصمت هذا القميء الغامض، ويترك السياسة وساقط الكلام؟! والغريب أن تمكن قطبي المهدي من اللغة الإنجليزية وحياته الطويلة – في كندا وأمريكا، وعشقه وتمرُّغه في حياة الترف والرفاه أوهمت كثيرين أن قطبي يتوفر على أفكار ورؤى متقدمة مستنيرة حتى فاجأهم ظهوره ضمن قيادة فريق جريدة (الانتباهة)، موئل النتانة العنصرية والتخلف والظلامية وعنف البادية، كما ظهر في تصريحاته العدائية ضد الحركة الشعبية، مما يعيد إلى الأذهان انتسابه الأول إلى دوائر الفكر السعودي السلفي المتخلف الذي سلخ فيه زهرة شبابه.