عادت قضايا الحريات الصحفية بالسودان لتصبح محل نزاع بين الصحفيين وأجهزة الحكومة الرسمية، بعد أن أصبح الرد الرسمي على ما تثيره الصحف من قضايا مدعاة لتساؤل جميع المراقبين في المنظمات الحقوقية والقانونية والإنسانية. ففي وقت لم تندمل فيه جراح الوسط الصحفي السوداني بسبب إيقاف صحيفتي "رأي الشعب" و"ألوان" السياسيتين ومن قبلهما "أجراس الحرية" لأسباب مختلفة، لم يتفاجأ كثير من الصحفيين من الإجراءات الحكومية الجديدة. ودفعت صحيفتا "التيار" التي تقود حملة ضد الفساد في البلاد و"اليوم التالي" الجديدة ثمن موقفهما من بعض القضايا الرئيسة التي شكل بعضها رأيا سالبا في نهج الحكومة. ولم يكن الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي الذي يعيد تكرار رغبته في إسقاط الحكومة عبر الانتفاضة الشعبية العامة بعيدا عن ما واجهته الصحف الموقوفة أو المصادرة بعدما نقلت عنه الصحف اتهامه للأجهزة الأمنية السودانية بزراعة أجهزة تصنت في مكتبه. لكن صحفيين يرون أن مصادرة الصحف بعد طباعتها ترمي إلى تكبيدها كثيرا من الخسائر وتوجيه رسائل إلى معارضين وجهات مختلفة بقدرة الحكومة على إسكات كافة الأصوات المناوئة لها. الرقابة والمصادرة واعتبرت صحيفة "التيار" أن مصادرتها بعد الطباعة "من دون أسباب محاولة لإحداث ضرر مزدوج ماديا ومعنويا". وأشارت إلى أنها لم تتفاجأ بالمصادرة "باعتبار أن تصديها لقضايا الفساد في شركة أقطان السودان -كبرى الشركات الوطنية بالبلاد- وغيرها من القضايا تشكل إزعاجا وضيقا لجهات عدة". وأكدت في بيان لها أنها "ستستمر في حملتها ضد الفساد والمفسدين بمهنية ومسؤولية لأجل اجتثاثه أينما كان حتى يتعافى السودان ويتجه للنماء". وكانت لجنة برلمانية قد طالبت بوقف مصادرة الصحف أو تعليق صدورها أو إلغاء تصديقها أو فرض الرقابة القبلية عليها، داعية المتضررين إلى اللجوء إلى القضاء. معايير غير أن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين رأى أنه ليس هناك حرية مطلقة أو رقابة مطلقة، مشيرا إلى تدخل الرئيس البشير بتوجيه وزير الإعلام لعدم المساس بحرية الصحافة. وقال رئيس الاتحاد محيي الدين تيتاوي إن تدخل الرئيس "يؤكد عدم نية الحكومة الهجوم على الصحف لكن الحكومة ترجو توخي الدقة والمهنية"، مضيفا "أن كثيرا من الغث والاتهامات تنشر دون إعطاء فرصة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم". ورأى في تعليقه للجزيرة نت أن الحكومات التي لا تخضع للهيمنة الغربية تحاول حماية نفسها من أي اختراق أمني ومعلوماتي، مشيرا إلى وقوف اتحاده ضد الرقابة ومصادرة الصحف "لكننا نطالب الصحفيين بالدقة والتبين حتى لا يصاب الأبرياء". إصرار أما رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني فأكد عدم توقف صحيفته عن "ملاحقة الفساد والمفسدين مهما وضعت (الحكومة) من متاريس" معتبرا أن إيقاف صحيفته لن يعني التخلي عن حق الشعب السوداني في معرفة الحقائق كاملة. وقال للصحفيين "إن إيقاف التيار لن يزيدها إلا إصرارا على طرق كافة أبواب الفساد وإن أغلقت نهائيا فلن نتوقف عن نهجها الذي اختطته منذ صدورها". ورأى رئيس تحرير صحيفة اليوم التالي السياسية أن مصادرة صحيفته "لم تكن معنية بها هي في حد ذاتها وإنما قصد منها التعتيم المتعمد على نشاط زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور الترابي". ودعا الأجهزة المختصة إلى عدم تعطيل الصحف "لأن المعلومات لم تعد حصرية على الناقل الورقي فقط"، مشيرا إلى أن الإيقاف بهذه الطريقة أصبح أمرا غير مجد. وأضاف أن الإيقاف أو حتى المصادرة لن تمنع الصحافة والصحفيين من الدفاع عن الحريات في البلاد، مشيرا إلى حصول صحيفته على كثير من النتائج الإيجابية بسبب الإيقاف "وهي تخطو خطواتها الأولى".