الخرطوم: أحمد حمدان فتح حديث رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر عن اتهام الصحفيين بالخيانة حال اتصالهم بقادة حركات التمرد الباب مجدداً حول عزم السلطات جعل قانون التجسس الذي تعتزم إصداره مفصلاً على الصحفيين وجعله حبلاً يتلف حول أعناقهم، في مظهر جديد للصور المتكررة لقمع الحريات وسياسة تكميم الأفواه التي سادت على نطاق واسع غضون السنوات الأخيرة لاسيما ضد الصحفيين للحد من حرياتهم في مقبل الأيام. ومعروف أن البرلمان قبيل انتهاء دورته السابقة قد وجه لجنة التشريع والعدل بالاتصال بوزارة العدل للشروع في إعداد مشروع قانون لمكافحة التجسس والتخابر، بعدما اكتشفت السلطات ألا قانون مختص بجرائم التجسس لمعاقبة مرتكبيه، ويومها تخوف الصحفيون من أن يجدوا أنفسهم عرضة لجرائم التجسس -أثناء ممارستهم لمهنتهم- تحت طائلة القانون الذي شرعوا في إعداده. وزادت تليمحات وتصريحات رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر الأخيرة والتي وضعت الصحفيين صراحة في دائرة الاتهام بقضايا التجسس والتخابر من المخاوف.. لاسيما بعد أن اعتبر رئيس البرلمان أن أي اتصال بقادة الحركات المسلحة لإبداء الرأي الآخر عبر الصحف خيانة عظمى للوطن. وشدد الطاهر على ضرورة منع إبداء وجهة نظر قادة الحركات المسلحة عبر الصحف، وقال إنه لا يوجد أي مبرر لأي صحفي للاتصال بالتمرد لإبداء وجهة النظر، وتابع «لابد من وضع حد فاصل بيننا وبين الذين يخرجون علينا حاملين السلاح.. هناك جيش يقاتل ماذا سيكون شعوره عندما يقرأ حديث قادة التمرد عبر الصحف»، وأشار إلى أن الجندي المقاتل في الأحراش ليس له سوى روحه المعنوية ويستطيع أن يفعل المستحيل إذا كانت مرتفعة. وفقاً ل (ويكيبيديا) فإن الصحافة هي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها، وتشير إلى أن حرية الصحافة بالنسبة للعديد من البلدان تعني ضمناً بأن من حق جميع الأفراد التعبير عن أنفسهم كتابةً أو بأي شكل آخر من أشكال التعبير عن الرأي الشخصي أو الإبداع. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، ويتضمن هذا الحق حرية تبني الآراء من دون أي تدخل والبحث عن وتسلم معلومات أو أفكار مهمة عن طريق أي وسيلة إعلامية بغض النظر عن أية حدود». وعادة ما تكون هذه الفلسفة مقترنة بتشريع يضمن حرية النشر والطباعة إلا حدود تمس الأمن القومي، فالصحافة إعلام وتنوير وليس تضليل. أما عمق تجسيد هذه القوانين في النظام القضائي من بلد لآخر فهي تصل إلى حد تضمينها في الدستور. غالباَ ما تغطي نفس القوانين مفهومي حرية الكلام وحرية الصحافة ما يعني بالتالي معالجتها للأفراد ولوسائل الإعلام على نحو متساو. لكن البعض يتخوف من أن يذهب قانون التجسس إلى الحد من تلك الحرية. لكن رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان الفاضل حاج سليمان طمأن الصحفيين بأن القانون المعتزم إعداد مشروعه لا يستهدفهم، بل ولم يكن ليضع الصحفيين بين المستهدفين به، ويقول ل (الأحداث) أمس إن الصحفيين هم قادة الرأي ومن يثيرون المعلومات للرأي العام ولا ضير في ذلك، ويؤكد أن المقصود من القانون مكافحة جرائم التجسس الخارجي عندما تتورط جهات خارجية في جرائم تجسس ضد البلاد. ووضع الفاضل دخول عضو الكونغرس الأميريكي وصحفي أمريكي لجنوب كردفان الأيام الماضية عبر دولة الجنوب ضمن قضايا التجسس والتي يقصدها القانون، وقال إن الامريكيان دخلا جنوب كردفان ونقلا معلومات عن المنطقة إلى الكونغرس الامريكي دون موافقة السلطات. وأرسل مجدداً تطمينات إلى الصحفيين بأنهم لن يكونوا المستهدفين بالقانون، مشيراً إلى ان اللجنة لازالت في مرحلة الدراسة لحالات التجسس تمهيداً لإعداد القانون، ولا يوجد سقف زمني محدد لتقديمه. في وقت يرى الكثيرون أن من يقودون التمرد في مناطق متعددة من السودان هم مواطنون سودانيون، وأن ما يقومون به لا يندرج تحت طائلة الخيانة الوطنية، وإنما جاء رفعهم السلاح ضد الدولة، لقضايا مطلبية استعصى عليهم تحقيقها عبر العمل المدني، ووفقاً لذلك فهم مواطنون بالدولة يحق لهم التعبير عن آرائهم عبر وسائل الاعلام، لكن الطاهر لا يراهم أكثر من خارجين عن القانون ولا يحق الاتصال بهم، بل يطالب بقطع التعاطف معهم حتى وإن كانوا من العشيرة والأهل. ويرى أن المطالب التي رفعا المتمردون ما كانت لترتقي سبباً لحمل السلاح في وجه الدولة، ولا يراهم أكثر من عملاء وخونة يستعينون بالأجنبي للتآمر على البلاد، وحذر من التعاطف معهم واعتبر إطلاق تسمية «حملة السلاح» على المتمردين بأنه نوع من التعاطف الوجداني مع مجموعة عدوة للبلد وخارجة عن القانون، وزاد «ينبغي أن تنتفي العاطفة بهم تماماً حتى وإن كانوا من العشيرة والأهل. لكن رئيس اتحاد الصحفيين محي الدين تيتاوي رفض التعليق على حديث رئيس البرلمان، وقال إن الاتحاد سيذهب إلى البرلمان ويلتقي رئيسه لاستيضاح الأمر ومعرفة الملاحظات التي لمسها عند الصحفيين في هذا الخصوص. وأكد تيتاوي ل (الأحداث) أمس عدم معرفته بقانون التجسس الذي يشرع البرلمان في إعداده وإذا ما كان سيضع الصحفيين في دائرة الاتهام، لكنه سيعرف كل ذلك يوم أن يذهب إلى البرلمان للقاء الطاهر، وأمسك عن التعليق عما إذا كان حديث الطاهر يتعارض مع مبدأ الحريات الصحفية. وتشير تقارير ل «مراسلون بلا حدود» الى إن ثلث سكان العالم يعيشون في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة. تعتبر حرية الصحافة مفهوماً شديد الإشكالية لغالبية أنظمة الحكم غير الديمقراطية، سيما وان التحكم بالوصول إلى المعلومات في العصر الحديث يعتبر أمراً حيوياً لبقاء معظم الحكومات غير الديمقراطية ويصاحبها من أنظمة تحكم وجهاز أمني. ولتحقيق هذا الهدف تستخدم معظم المجتمعات غير الديمقراطية وكالات إخبارية تابعة للحكومة لتوفير الدعاية اللازمة للحفاظ على قاعدة دعم سياسي وقمع (وغالباً ما يكون بوحشية شديدة عن طريق استخدام أجهزة الشرطة والجيش ووكالات الاستخبارات) أية محاولات ملحوظة من قبل وسائل الإعلام أو أفراد لتحدي «خط الحزب» الصحيح في القضايا الخلافية. وسيجد الصحفيون العاملون في هذه البلدان على حافة المقبول أنفسهم غالباً هدفاً لتهديدات متكررة من قبل عملاء الحكومة. وقد تتراوح هذه المخاطر بين تهديدات بسيطة على مستقبلهم المهني (الطرد من العمل، وضع الصحفي على القائمة السوداء) لتصل إلى التهديد بالقتل والخطف والتعذيب والاغتيال.