أقرَّ المؤتمر الوطني بوجود تيارات متصارعة داخله حول خلافة الرئيس عمر البشير في الرئاسة، بعضها يخشى التغيير ويحاول تحاشيه وأخرى تطالب به. وأكد القيادي بالوطني أمين أمانة الفكر والثقافة د. أمين حسن عمر في حوار مع «الإنتباهة»، أن الغلبة ستكون لأنصار التغيير رغم ما يحمل ذلك من مخاطر. وانتقد الرافضين له وسخر منهم بالقول: «هؤلاء في تقديرهم أن الوضع الراهن أفضل ما يكون في الإمكان، أو على الأقل هو وضع آمن لا ينبغي المجازفة بتغييره بوضع آخر قد يجرنا إلى وضع أسوأ من الحال الذى نحن عليه». وأكد أن الدورة الحالية هي الأخيرة للبشير، وتوقع أمين حدوث مفاجأة عند اختيار «بديل» البشير، وانتقد أناساً بحزبه لم يسمهم ووصفهم بأصحاب الأطماع والطموح في الصعود السريع. وكانت (حريات) أشارت أول الأسبوع لما كتبه اسحق فضل الله – أحد أهم كتاب الاسلاميين وموصول بالأجهزة الأمنية والسياسية للمؤتمر الوطني – في عموده بصحيفة (الانتباهة) يوم 22 مارس ان صراع مراكز القوى الحاكمة في الإنقاذ قد وصل إلى نقطة فاصلة . وأن أخطر ما صرح به إسحق أحمد فضل الله (مؤشرات العقل الغريب هذا هو أنه عقل يظن أنه يستطيع أن يطيح البشير ثم يبقى ساعة واحدة بعدها). وأن إسحق سبق وتنبأ بإزاحة (مسؤول كبير) في الأيام القادمة ، في إشارة إلى علي عثمان محمد طه ! وأشارت (حريات) 19 مارس، نسبة إلى مصدر مطلع وموثوق ، إلى ان (عمر البشير يزمع منذ اختياره خط المواجهة مع حكومة الجنوب والحركة الشعبية (شمال) الاطاحة بعلي عثمان ومجموعته ، بتحميلهم مسؤولية فشل تنفيذ الإتفاقية ، وبيع إزاحتهم للمجتمع الإقليمي والدولي كازاحة للاسلاميين باتجاه حكم قومي ، بما يجعله يقايض ذلك بعدم ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية . ولمزيد من إرباك الساحة السياسية أرسل إشارات لعبد الرحمن الصادق المهدي بانه يمكن أن يحل محل علي عثمان ، وهذا كان أهم أسباب إلحاقه بالسلطة . ولكن اتت الرياح بما لايشتهي عمر البشير ، فتعثر الحسم العسكري ، وقامت ثورات ما يسمى بالربيع العربي ، مما جعل المجتمع الاقليمي والدولي يتمسك أكثر بالمتعاونين من اسلاميي السودان ، إضافة إلى رفض الصادق المهدي الإلتحاق بالسلطة ودفعه لعبد الرحمن وحده مما حرم عمر البشير من إمكانية الإستناد على تيار شعبي عريض كبديل . وهكذا انتهى عمر البشير إلى (التعايش) مع مجموعة علي عثمان إلى حين . وفي المقابل كانت المجموعة الأخرى ، وعلى رأسها عبد الرحيم محمد حسين والطيب مصطفى ، تدفع بقوة للتخلص من علي عثمان وضمان وراثة عمر البشير . وترى هذه المجموعة أن أية تهدئة مع الجنوب والحركة الشعبية ستجعل عمر البشير يستند أكثر فاكثر على مجموعة ( نيفاشا) ، وان التخلص منها يستلزم التعبئة الحربية ضد كل بضاعتها من حلول سياسية ، التي تسميها ب (الإنبطاح) و ( الدغمسة) ، وسعت بالتالي إلى توليف تحالف عريض من (المستفيدين) من النظام ومن الجماعات التكفيرية والأكثر سلفية تحت غطاء جبهة الدستور الاسلامي يكون بديلاً فكرياً وسياسياً عن طاقم علي عثمان ، ومن ثم ضمان وراثة عمر البشير . وتكمن أزمة هذه المجموعة في ان النظام لا يستطيع حل مشاكله الاقتصادية بدون بترول الجنوب ، وإعادة الإحتلال كما تشير الوقائع لا يمكن تحقيقها في المدى القصير ، مما يهدد بالإطاحة بالنظام نتيجة إنتفاضة شعبية عفوية في العاصمة والمدن الاقليمية ، الأمر الذي يجعل خياراتها عقيمة ، كأنها تغامر بالاطاحة بالنظام لأجل وراثته ! ويعرف عمر البشير مثل هذه المعادلات البسيطة ، وهو إذ يرفض المغامرة بسلطته ، كذلك لا يود التضحية بقاعدته السياسية الحالية – أي مجموعة عبد الرحيم والطيب مصطفى والمجموعات التكفيرية والأكثر سلفية – ، مما أوقعه في ( حيص بيص) ! ويبدو ان الصيغة التي توصل اليها عمر البشير بعد طول عناء ان يعتمد اتفاق الحريات الاربع التي تفاوضت عليه مجموعة علي عثمان ، وفي ذات الوقت تجريدها من إمكانية الإستفادة منه سياسياً ، بإزاحتها عن تنفيذه ومواصلة تهميشها ، أو بازاحتها كلياً عن السلطة ، وهي الصيغة التي سبق واعتمدها في اتفاقية نيفاشا وأدت إلى تخريبها وتمزيق البلاد ولكن كذلك أدت إلى توطيد طغيانه الشخصي . وربما تمهد تلميحات واتهامات إسحق فضل الله للخيار الأخير ( الإزاحة الكلية لمجموعة علي عثمان من السلطة) .