لم تضع إطلالة شهر رمضان المبارك حدا لصراع الحكومة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والقوى السياسية المعارضة، على الرغم مما يواجه السودان من مشكلات جديدة تهدد مسيرته المستقبلية. ويبدو أن الطرفين اختارا أن تكون بداية الصراع بينهما بغير المألوف في خلافاتهم السابقة، بعدما أعلنت المعارضة عدم شرعية نظام الحكم القائم وتهديد الحزب الحاكم بمعاقبة من يحاولون إثارة الفتنة، بحسب رأيه. ففي وقت بدأت فيه قوى المعارضة الحديث عن عدم شرعية الحكومة بعد الإعلان الرسمي لانفصال الجنوب وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك، بدا وكأن المؤتمر الوطني هو الآخر قد أعد العدة لمواجهة خطر المعارضة بتحذيرها "بقطع رأس" كل من يقف ضد الرئيس عمر حسن البشير أو المنهج الحالي. لكن محللين سياسيين يرون أن الطرفين ربما لا يدركان أن البلاد بحاجة إلى توافق حقيقي عاجل "قبل أن تقع الكارثة" بحسب وصفهم، مشيرين إلى وجود بؤر حقيقية تنبئ بمستقبل قاتم إذا واصلت الاشتعال خاصة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وكانت المعارضة أعلنت بداية مقاومة وجود الحكومة الحالية التي "فقدت مشروعيتها" بعد انفصال الجنوب، بينما هدد علي عثمان طه نائب رئيس الجمهورية من أسماهم المتطاولين على المنهج والرئيس والشعب "بتقطيعهم بالسيف". غير أن الخبير السياسي محجوب محمد صالح يرى وجود مزايدات سياسية بين القوى السياسية بشأن أزمة حقيقية تواجه البلاد، مشيرا إلى حاجة السودان لتقوية جبهته الداخلية عبر تنازلات تقدمها الأطراف كافة. ويقول في تعليق للجزيرة نت إن الأزمة الداخلية لم تستجب لانفصال الجنوب بتوحيد الجبهة الداخلية "بل دفعت بمزيد من بوادر التشظي والتمزق". وأكد عدم وجود لغة مشتركة أو توجه للوصول إلى نقطة التقاء في الوسط بما يمنع من تفجر الأوضاع في كافة أنحاء السودان الشمالي. ويعتقد أن التمسك بحرفية دستورية الحكومة من قبل المؤتمر الوطني أو القفز على ذلك من قبل المعارضة "لا يتيح فرصة للبحث عن منطقة وسط تقف أمام المهددات الخطيرة التي تواجه السودان". حالة تخبط أما المحلل السياسي تاج السر مكي فاعتبر أن البلاد "تعيش حالة تخبط" لوجود أزمة حقيقية معترف بها من كل الفئات السودانية، واصفا الأوضاع في البلاد بالمخيفة. وقلل في تعليق للجزيرة نت من شأن تهديد الحكومة للمعارضين "لأن ذلك في حدود السلطة العادية لأجل التخويف من أي تحرك مقبل ضدها"، مشيرا في ذات الوقت إلى ضعف المعارضة الذي يمنعها من تقديم أي عروض حقيقية لمعالجة الأوضاع الحالية. وحذر مكي من مغبة استهتار القوى السياسية -الحاكمة والمعارضة- بما يجري في بعض الولايات السودانية من مواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين عليها، متوقعا تأثر ولايات السودان كافة بتلك المواجهات إذا لم تتوقف في الفترة القليلة المقبلة. تباعد سياسي لكن الكاتب والمحلل السياسي محمد موسى حريكة يشير إلى وجود تباعد سياسي بين المعارضة والحكومة "بما يرقى لمستوى المواجهات اللفظية". ورأى أن السلطة بالبلاد تعيش أزمة غير طبيعية تشكل حالة اللا وعي التي تظهر من خلالها خطابات الحكومة ومواقفها، مشيرا إلى وجود صراع خفي في الحزب الحاكم بعدما أكدت قوى المعارضة الرئيسية بأنها لن تشارك في السلطة وفق رؤية حزب المؤتمر الحاكم. ولم يستبعد في حديثه للجزيرة نت أن تواجه البلاد مزيدا من التوتر بين القوى السياسية "وربما المواجهة" إذا ما قررت المعارضة النزول إلى الشارع لتغيير النظام.