- النظام الفدرالية يحتاج إلى مؤسسة رئاسية قادرة على تنسيق أوضاع الولايات وربطها برابط مركزي يحقق تماسك الوطن - النظام الرئاسي الأنسب للسودان و القادر على الإمساك بأطراف هذا البلد المترامي والمتعدد المجتعات - المشاكل المتلاحقة والأزمات لم تعط الإنقاذ فرصة لتنفيذ برنامجها الاقتصادي (البرنامج الثلاثي) - المجتمع المدني لم يخدم الدولة كثيراً لأنها لم تمكنه - على المؤتمر أن ينظر إلى المستقبل وبالتالي يعمل على تجديد خطابه ليخاطب التحديات القادمة ويؤهل آلياته التنظيمية وكوادره لتتحمل مسؤولياته المرحلة القادمة. الخرطوم في 26-7-2013(سونا) ظل الدكتور "قطبي المهدي احمد " القيادى بالمؤتمر الوطنى يدفع بآرائه الجريئة في القضايا المصيرية في الحزب ، وهو من قيادات البلاد السياسية التي أمسكت بملفات حساسة في الدولة سواءً كانت تخص العلاقات الخارجية أو الأمنية أو قضايا المجتمع ، حيث عمل وزيرا للتخطيط ومسئولا سياسيا بوزارة الخارجية ثم تولي إدارة أمريكا في الخارجية ومديرا لجهاز الأمن الخارجي ومستشارا للرئيس وسفيرا للسودان لدي طهران . إلا انه وطيلة هذه الفترة وأياً كانت المناصب التي تولاها ظل يجهر بآرائه في كثير من القضايا، فهو تارة يطلق صافرات الإنذار وتارة يدعو للإصلاح الجذري ، ولكنه لم يتنكب طريقته الخاصة في التعبير عن آرائه . وقد التقته وكالة السودان للأنباء في حوار تناول الراهن السياسي، وقلب من خلاله أوراق ثورات الربيع العربي وتأثيراتها وعلاقات السودان مع المجتمع الدولي ومستقبل العلاقة مع دولة الجنوب والدور العربي ودور المجتمع المدني السوداني ومساهماته في دعم الدولة وتطرق إلي الأزمة الاقتصادية وتجربة حكم الإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني والأداء في ظل الجمهورية الرئاسية والدور الرقابي والتشريعي للبرلمان فإلى التفاصيل: س: الثورات العربية ومدي تأثيرها علي السياسة السودانية وهل استفاد السودان من هذا التغيير لتأكيد قدرة تأثيره في المنطقة .؟ ج: الثورات العربية طالت دولاً لها علاقات مباشرة وقوية مع السودان فمصر وليبيا وسوريا واليمن كانت علاقاتنا بها تتأثر سلباً وإيجاباًَ بحسب توجهات حكوماتها - وكان الأمل أن يتحرك السودان بعد أن حملت إرادة الشعوب الحرة تيارات وقيادات مستقلة التوجه والإرادة تتفق في كثير من توجهاتها مع التوجه السوداني وأن يسعى السودان لخلق علاقات تعاون وثيق معها حتى يخلق لنفسه مجالاً إقليمياً يتحرك فيه بحرية ويؤمن فيه حراكه الخارجي ضد الحصار الذي يمكن أن تنظم هذه الحكومات الاستعمارية كما فعلت من قبل في محيطه الإقليمي . كذلك كان بوسع السودان ومن خلال هذا التعاون الدفع بمشروعات التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني العربي والتي عانت من الفشل بسبب تلكؤ الأنظمة واعتمادها سياسة المحاور والإقصاء . وكان السودان بتوجهاته السياسية ومواقفه المبدئية المعروفة سيجد متنفساً في المناخ العربي الجديد ويستطيع أن يصرف تركيز الاستهداف المعادي له ، وأرجو ألا يكون الوقت قد فات على ذلك. أما في المحيط الداخلي فأعتقد أن أثر الثورات العربية كان ايجابياً إذا رأي السودانيون أن ما ناضلوا من اجله وحققوه في عهد الإنقاذ من استقلال للإرادة الوطنية وتأكيد على الهوية القومية أصبح هو مطلب شعوب المنطقة كافة . س: - هل سيتاح للسودان فرصة للتعامل مع الوضع الجديد في مصر ومدي قدرهما علي تفهم الظروف التي تحيط بهما من اجل خلق تفاعل سياسي واجتماعي يخدم أهداف الدولتين .؟ ج : بالطبع الأمر يعتمد على الحكومتين . السودان يعتقد أن العلاقة مع مصر تعتمد على ثوابت حضارية وتاريخية وجغرافية وإستراتيجية لذلك حرص على التعامل مع مصر أيّاً كانت أوضاعها السياسية ،بالمقابل خضعت مصر في بعض الفترات لحكومات مرتبطة بمحاور معادية ليس فقط للسودان وإنما لتطلعات شعوب المنطقة الحرة ، كما حدث مع فلسطين بعد كامب ديفيد والعراق في حربه مع أمريكا . إن جميع الظروف المحيطة بالبلدين تفرض عليهما التفاعل والتناغم السياسي لمصلحة شعبيها (مياه النيل كمثال ) إلا إذا وضعت الإرادة الوطنية أمام ضغوط الأحلاف والمحاور الخارجية. س: مستقبل العلاقة مع دولة الجنوب علي ضوء الواقع الداخلي وعلي ضوء المغيرات الدولية والإقليمية ؟ ج : المواقف الدولية مع الأسف ثابتة فيما يتعلق بالانحياز لحكام الجنوب (ولا أقول للجنوب ) ضد الشمال . فلهذه الدوائر مصلحة في توتير العلاقات مع الشمال .. أما المتغيرات الإقليمية فتختلف باختلاف ارتباط حكومات الإقليم بالمخططات الدولية فموقف موسفيني يختلف عن موقف أثيوبيا مثلاً. أما المتغيرات الداخلية فغالباًُ ما تصب في مصلحة العلاقة . لأن طبيعة العلاقة بين البلدين تستند إلى روابط عميقة وتاريخ ومصالح مشتركة . وحركة العوامل هذه (Dynamics) كلها تسير في اتجاه علاقة قومية تتحسن باضطراد رغم المعوقات. س: علاقات السودان مع المجتمع الدولي تحتاج إلي إعادة صياغة هل تري أن هناك استعدادا نفسيا لخلق هذه العلاقة .؟ ج : القارئ للسياسية الخارجية السودانية في المرحلة السابقة يرى أن هناك ثوابت ومتحركات في المواقف السودانية .. ثوابت قائمة على التزامات أخلاقية ومبدئية ومتحركات تبدو في المرونة التي تتعامل بها في الكثير من القضايا الأخرى - السودان لم يتزحزح عن التزاماته تجاه حقوق الشعب الفلسطيني على سبيل المثال . في الجانب الآخر نشاهد استعداده دائماً لتحسين علاقاته مع الولاياتالمتحدة ودول أوروبا رغم إصرار الكثير من هذه الدول على التآمر عليه . اعتقد أن هذه المرونة تدل على أن السودان مستعد لأن يتكيف نفسياً حتى يتعامل مع الآخرين في إطار مبادئه الأخلاقية. س : البعد الخارجي ومدي تأثيره علي الأداء الداخلي في السودان وهل الحكومة نجحت في التعاطي مع السياسة الدولية بتعقيداتها الراهنة .؟ ج : حكومة الإنقاذ جاءت في زمن أصبحت العولمة واقعاً ماثلاًُ ، ولم تكن فقط هي العولمة ، ولكنها نظام دولي جديد ، تداخلت فيه القضايا وتشابكت بشكل يجعل (العزلة المجبرة) مستحيلة حتى على الدول العظمي. لذلك تأثير البعد الخارجي أصبح قوياً ومن الصعوبة بمكان تجاهله . هناك أمران ساعدا الحكومة على التعاطي مع هذا الوضع الأخطبوطي . اختراق الحصار بدبلوماسية حية استطاعت أن تكسر الإطار التقليدي للعلاقات الخارجية وتتوجه نحو فضاءات جديدة وتنشئ علاقات جيدة كبديل للعلاقات التقليدية وتخلصاً من الابتزاز السياسي . والأمر الثاني سياسة الاعتماد على النفس . فاستخراج البترول والصناعات الحربية والاكتفاء الذاتي من بعض السلع على سبل المثال قلل من اعتمادنا كذلك على الدول التي تربط تعاملها معنا بأجندة سياسية وشروط مرفوضة. س: الدور العربي بمؤسساته القطرية هل اخفق في دعم السودان أم اخفق السودان في إيصال رسالته للمؤسسات العربية .؟ ج: الأمران مرتبطان ببعضهما البعض . فإذا أخفق السودان في إيصال رسالته فبالمقابل يخفق الآخرون في تفهم قضيته ويعتمد الأمر على أمرين ، أولهما الاستعداد السياسي لهذه الدول لتقف مع السودان بحكم الروابط القومية و المصالح المشتركة والحيوية التي تجمعها به . والأمر الثاني هو المبادرة بالتواصل وهذه وحدها يقع عبئها على السودان. فإذا بادر السودان ولم يجد الاستجابة يكون الإخفاق من الطرف الآخر الذي فشل في الوفاء بالتزامه القومي والوطني . أما إذا تأخر السودان فيكون الإخفاق من جانبه ورداً على السؤال فإننا نرى أن الآخيرين ينطبقان على الحالة الراهنة. س : المجتمع المدني السوداني ساعد الدولة في أداء رسالتها أم الدولة لم تساعده في أداء رسالته ودوره المنوط به ؟ ج : الدولة لم تساعد المجتمع المدني ليقوم بدوره في مساعدة الدولة . فمعلوم أن الواجبات الوطنية تتوزع بين الدولة (القطاع العام ) والقطاع الخاص والقطاع الأهلي وهو المجتمع المدني - دور المجتمع المدني غاية في الأهمية لأنه من خلال حركتة يغطي مساحة هائلة ونوعية لا تستطيع الدولة أن تغطيها ونشاطه خال من البيروقراطية والصرف على الآليات الكثيرة (Overhead) وهو بحركته يزيد من ترابط المجتمع ونسيجه ويعزز من قيمه النبيلة . في مجتمع فقير تحتاج منظمات المجتمع لدعم الدولة ليقوم بالنيابة عنها ببعض الخدمات . هذا يحدث في البلاد الغنية كما نرى لكنه لا يحدث هنا . وبالتالي المجتمع المدني لم يخدم الدولة كثيراً لأنها لم تمكنه .. لكن إذا نظرت إلى تعاون النقابات والاتحادات مثلاً مع الدول.. فهي مع مطالباتها الدائمة حققت تعاوناً مع الدولة جنب البلد الاضطرابات التي تحدث في كثير من البلاد وتؤدي إلى عدم الاستقرار وتعطل الإنتاج . هذه لاشك خدمة للدولة والمجتمع . س: الأزمة المالية العالمية هل أثرت علي السودان أكثر من غيره ولماذا ؟ ج: أثرت الأزمة المالية العالمية على السودان ونحن نلمس ونشاهد ذلك الأثر بوضوح . ولكن ليس أكثر من غيره وأحد أسباب ذلك أن السودان بلد زراعي ينتج غذاءه ونسبة عالية من استهلاكه من الطاقة . فالبلدان التي تستورد غذاءها وكل ما تحتاجه من وقود للكهرباء والمصانع والآليات والدول التي تقيم على المعونات والمساعدات الخارجية كلها تعاني أكثر من السودان. طبعاً عانينا أكثر من دول أخرى اقتصادها أكثر استقرارا يعود ذلك لزيادة دخلها القومي ولضعف إدارتنا لمواردنا الاقتصادية. س : - المشكلة الاقتصادية السودانية هل هي نتاج لضعف مؤسسات أم عجز قدرات أم عدم ملاءمة سياسات .؟ ج: المشاكل الاقتصادية دوما هي لعدة عوامل وكل هذه العوامل التي ذكرتها تسهم في مشكلتنا . لكن بالنظر لتوفر الموارد الكامنة في السودان فإني أركز على عاملين : أولهما ثقافتنا الاستهلاكية التي لا أجد فيها حوافز للإنتاج والعمل وتتسم بالإتكالية ( الحكومة ما عملت لينا ). إذا نظرنا للدول التي نهضت اقتصادياً نجدها على قلة مواردها الطبيعية بل وانعدامها في بعض الأحيان (كوريا واليابان وإيطاليا مثلاً) استطاعت أن تبني اقتصادا قوياً اعتمادا على قدرة شعوبها على العمل الجاد والمضني واستعدادهم للكدح والعرق والتضحية . والعامل الثاني وجود إستراتيجية تنمية ممتازة إستطاعت بإدارة حكيمة من الدولة أن تنقل هذه الدول إلى المستوى الاقتصادي الذي وصلت إليه. س : هل أعطت الإنقاذ نفسها فرصة لبرنامجها الاقتصادي بمعني هل استطاعت أن تفي بمتطلبات البرنامج الانتخابي وما هي أوجه القصور ؟ . ج : المشاكل المتلاحقة والأزمات لم تعط الإنقاذ فرصة لتنفيذ برنامجها الاقتصادي (البرنامج الثلاثي) . بعض الإجراءات قد تكون نجحت في توفير بعض المال . مثل الإجراءات الضريبية والجمركية والتقشف في الصرف . ولكن العامل الأهم وهو الإنتاج لم يحقق أي تقدم ، كما أن الأزمات الأجنبية ربما زادت الإنفاق خارج الميزانية. س : الإنقاذ بعد 24 عاما جرد حساب اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟ . ج : هذه فترة طويلة وشهدت الكثير من الأحداث ولذلك يصعب إيجاز الإجابة على السؤال لكن باختصار : اقتصاديا : استطاعت الإنقاذ تحقيق نهضة في البنيات التحتية تاريخية السدود الطرق القومية ، الطاقة ، الاتصالات ، التعليم ، وكذلك في مجال الخدمات الأساسية ، المياه ، الصحة ، نمت الثروة الحيوانية ، التقدم العمراني والتعدين لكنها فشلت في زيادة الإنتاج الزراعي وهو أهم قطاعات الاقتصاد. سياسياً : نجحت في حماية الاستقلال الوطني رغم الضغوط الرهيبة لكنها فشلت في حماية وحدة التراب السوداني. ونجحت في التأسيس لنظام ديمقراطي سليم وتنفيذ الفدرالية . اجتماعياً : نهضت بمستوى الفرد تعليمياً ووعياً وبمستواه المعيشي ورغم برامجها الاجتماعية المتعددة : كالزكاة والتامين الاجتماعي والصحي والتمويل الصغير والأصغر وغيرها إلا أن مستوى الفقر يتزايد مع ارتفاع مستوى المعيشة. س : ظهرت دعوات في الآونة الأخيرة داخل حزب المؤتمر الوطني تنادي بالإصلاح هل هناك تغيرات متوقعة في هذا الخصوص ؟ ج : قد ترى تغييراً في الوجوه لكن الإصلاح هو عملية أعمق من ذلك ولم نرى إرهاصات لذلك بعد . س : هل الأداء في الجمهورية الرئاسية اتسق مع متطلبات الدستور ؟. ج: برصد أداء النظام الرئاسي نجد أنه التزم بحماية مبادئ الدستور وعمل من خلالها .. سواء كان ذلك في حماية البلاد بمحاربة التمرد والتدخل الخارجي أو حماية الحريات العامة والفدرالية. إن النظام الرئاسي لاشك هو الأنسب للسودان وهو القادر على الإمساك بأطراف هذا البلد المترامي والمتعدد المجتمعات . وفي اعتقادي أن النظام الفدرالي يحتاج إلى مؤسسة رئاسية قادرة على تنسيق أوضاع الولايات وربطها برابط مركزي يحقق تماسك الوطن. س :التجربة البرلمانية السودانية علي ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة وما المشكلات التي تواجه البرلمان السوداني في أداء دوره الرقابي والتشريعي ؟. ج : أعتقد أن الوعي الشعبي في الدوائر الانتخابية أسهم في إشعار النواب بمسؤولياتهم إزاء المشكلات التي تواجه المجتمع .وبالنظرة إلى كمية التشريعات التي صدرت من البرلمان تشير إلى أن النواب أنجزوا في هذا الجانب ، المعوق الأساسي هنا هو أن اللوائح لا تعطي النواب والمبادرة باختراع مشروعات القوانين ، أما في الجانب الرقابي فرغم أن المجلس الحالي كان أكثر عطاءاً بالمقارنة مع تاريخنا البرلماني السابق، إلا أن ولاء النواب للحزب الحاكم ربما كان أكثر من ولائهم لقواعدهم الانتخابية هذا أكبر معوقات الرقابة. س : المؤتمر الوطني حزب قائد ، متفاعل أو تقليدي يبحث عن دور في السياسة السودانية ؟ ج: الأحزاب التقليدية في السودان تقوم إما على أساس طائفي أو قبلي أو جهوي . المؤتمر الوطني لاشك حزب قومي وطني حديث وهو متفاعل لأنه اخترق كل طبقات المجتمع وقبائله وكل مناطق الوطن وهو حزب يمتلك برنامجاً اجتماعياً سياسياً وتسانده القوى الحديثة من الشباب والطلاب والمرأة. وعلى المؤتمر أن ينظر إلى المستقبل وبالتالي يعمل على تجديد خطابه ليخاطب التحديات القادمة ويؤهل آلياته التنظيمية وكوادره لتتحمل مسؤوليات المرحلة القادمة.