الشمالية /دنقلا في 12/11/2011/سونا/ الزراعة في الولاية الشمالية بصورة عامة وتوطين القمح على وجه خاص على أرضها الخصبة ومناخها البارد، يواجهان تحديا كبيرا سيكونان رهينين له، وربما يشكل مستقبلهما القريب والبعيد، بل والملامح الاقتصادية والاجتماعية لأغلب سكان الولاية الذين ارتبطوا تاريخيا بالأرض وزراعتها . لم يفلح الكثير من المزارعين التقليدين أصحاب المشاريع الصغيرة (أقل من 20 فدانا) في توفير الأموال اللازمة للتحضير للعمليات الفلاحية لزراعة القمح هذا الشتاء، والتي كان ينبغي أن تبدأ منذ أكتوبر المنصرم مما يمثل مؤشرا قويا مع العديد من الظروف الأخرى، باحتمال اندثار الزراعة التقليدية لصالح الاستثمارات الزراعية الواسعة والكبيرة ، ما لم تدعم الدولة المزارعين . ويقول المزارعون إنهم ظلوا ولسنوات طويلة يكابدون الظروف للاستمرار في الزراعة، وتحديدا القمح ولكن تحدي ارتفاع أسعار مقومات الإنتاج صار أكبر من تشبثهم بالزراعة وإصرارهم عليها احبط هممهم، وأن على الحكومة أن تخطط وتدرس جيدا دعم الزراعة هناك بمستوى مقدر نتيجة لارتفاع تكاليفها قياسا على باقي أنحاء ولايات البلاد الاخرى . الزراعة صارت "مجوبكة" المزارع عبد الله محمد بيرم يبلغ 92 عاما، وصف نفسه و هو يقف وسط أرضه بقرية مراقة كابتود بمحلية دنقلا "بأنه أكبر مزارع ما زال يمارس الزراعة في المنطقة كلها " حيث ظل يعمل في الزراعة التي ورثها عن أسلافه منذ أن كان يافعا وما يزال يكابدها حتى الآن بعد أن بلغ من الكبر عتيا . ويقول أن الفدان كان ينتج له 35 جوالا من القمح بالوسائل التقليدية ولكن هذه الكميات تناقصت حتى وصلت إلى خمسة جوالات فقط . ويبين أنها أي الزراعة استعصت عليه بعد أن ارتفعت أسعار كل مدخلاتها ولم يعد هناك التزام بتوفيرها في وقتها المناسب واصفا إياها بأنها صارت "مجوبكة" إي تتم بفوضى ودون اسس سليمة . و يضيف أنه لم يعد يعاني من تكلفة الجازولين إذ صار يستخدم الكهرباء بدلا عنه، بعد توفرها في المحلية وقد قلل ذلك كثيرا من تكاليف الري بأكثر من 60% . لكنه لا يزال يعاني من ارتفاع تكلفة تحضير الأرض وأجرة الآليات والتسميد والبذور ...إذ خصص مساحات للبستنة بجانب النخيل وزراعة البقوليات والبهارات و الاعلاف قائلا ان البرسيم "بيجيب قروش كثيرة " . و يقول أنه لم يتبق على بذر التقاوي سوى أيام قليلة وهو لم يقم بتحضير ارضه فهو لم يتمكن من إيجاد جرار لفعل ذلك لارتفاع أجرته من ناحية وعدم توفره من ناحية أخرى إذ صارت الجرارات التي يملكها الأهالي يتم تأجيرها لأولئك الذين يبحثون عن الذهب والرزق السهل والسريع العائد بما فيهم أبنائه وأحفاده . ووفقا لما ذكره فأن الجمعيات الزراعية التي كانت تساعد لم تعد تفعل ذلك بكفاءة بل صارت إدارتها للعمليات الزراعية تتسم بالسوء البالغ والإهمال وعدم الالتزام بالجدول الزمني للعمليات الفلاحية مما جعل تعرض المزارع للخسارة أمرا حتميا في كثير من الحالات، وأكد في ذات الوقت ضرورة دعم الدولة للزراعة في الشمالية . ويشتكى بيرم من اهمال اصحاب الحيازات الزراعيه وهجرهم للزراعة وعدم التحضير لها ومن سوء الإدارة وغياب الدولة والتى دعاها للمتابعة والوقوف على مراحل التحضير للموسم الشتوى . ونبه الى ان هناك حركة بيع واسعه للاراضى بين المزارعين عزاها لمسائل تتعلق بنقص الخبرة ومقابلة سداد الديون المتراكمه من البنك الزراعى وطالب الدوله بالتدخل لحماية الاراضى الزراعية . القمح درويش ويعطي إنتاجية عالية المزارع عبد الكريم محمد صالح بقرية سعديك بمحلية دلقو قال (لسونا) إن الحكومة الاتحادية قررت في صيف 2010 رفع الدعم عن الجازولين ولكنها وعدت بأنها ستعمل فورا على توفير الكهرباء للزراعة بالنسبة لمزارعي الشمالية لانهم الأكثر تضررا من هذا القرار . ويستدرك مستنكرا بأن الكهرباء لم تصله بعد وأنه ما زال يشتري برميل الجازولين بسعر 335 جنيها ويضيف إليه زيتا بقيمة 46 جنيها . ويبين أنه يحتاج إلى كميات كبيرة من هذا الخليط خلال الموسم كله، فأن ذلك يضاعف كلفة انتاجه ويجعل تحقيقه لأي كسب أو ربح من الزراعة أمرا صعب المنال . ويزرع عبد الكريم حوالي 100 فدان وينتج الفدان الواحد 30 جوال قمح إذا ما التزم بتوفير مقومات الانتاج . وما يتراوح بين 15- 16 جولا إذا لم يتم ذلك . وقد يتدنى هذا الإنتاج إلى 9 جوالات فقط في حال ما أستخدم بذورا غير جيدة أو آلة غير مناسبة لتسوية وتحضير الأرض . ويقول إنه وفقا لتجربتهم العريقة مع القمح فأن إنتاج هذه الغلة في مناطق دنقلا والمحس وحلفا يمكن أن تكفي حاجة السودانيين من القمح بل ويمكنهم أن يصدروه أيضا . ويصف القمح كما كان يفعل أسلافه، بأنه نبات (درويش) أي لا يصاب بسهولة بالأمراض حتى لو تعرض لظروفا قاسية مثل الأنسان الدرويش تماما كما يعطي انتاجا وفيرا إذا ما أحسنت معاملته. ولكن على الدولة أن تدعم زراعته في المقام الأول حتى يتحقق ذلك، مضيفا أن إنشاء بنيات للزراعة وتحضير الأرض وتسميدها وتوفير البذور ومحاربة الآفات وتوفير الآليات ، وكل ذلك في الوقت المحدد تماما أمر يفوق طاقة المزارع البسيط . مساندة ضرورية أمين الشئون المالية بالمكتب التنفيذى لاتحاد مزارعى الشمالية عبد الشافع خبير يقول ان ما يشيعه الكثيرون بان المزارع ترك ارضه بحثا عن الذهب غير صحيح وإنما بسبب سياسات الدوله وغياب قانون المحاسبة والعداله والفساد الادارى . وقال ان مبدا العقاب والمحاسبة يطبق على المزارع فقط فى حالة عدم سداد ديونه ، بينما يغض الطرف عن عدم الكفاءة في أدارة اموال النهضة الزراعية والتى اذا ماوظفت واحسنت متابعتها حققت للولاية نهضة زراعية عظيمة . وبحسب قوله فأن النهضة لم تحقق نتائجها المرجوة لسوء الادارة وضعف خبرة مستوردي الآليات الزراعيه مشيرا الى ان هناك كميات من تقاوى البرسيم الفاسد دخلت الولاية على دفعتين وتضرر منها المزارع كثيرا ولتحفيزه على الزراعة مرة اخرى اعفى من سداد الديون لمدة عامين . وقال إن أغلب المشاريع الزراعية من دلقو وحتى حلفا لا تشتغل بالزراعة بسبب ارتفاع تكلفتها وعدم توفر الكهرباء بها وان 20% من مساحة الاراضى بجنوب حلفا تشكل مناطق احواض فيضيه خصبة تنتج قرابة ال45جوال من القمح فى الفدان الواحد الا انها مناطق بعيده ووعرة ويعمل فيها عدد من المزارعين بمشقة . ويضيف "إذا أردنا تصحيح هذا الوضع وإعادة الزراعة بالولاية إلى مجدها لابد ان تتحمل الدولة جزء من التكلفة وتدعم الجازولين وتسرع بكهربة المشاريع وان لا تتعامل شركاتها مع المزراع بجنى الاموال. ولا بد للحكومة ان تدرس وتتمحص جيدا اسباب ترك المزارع لارضه فعلى سبيل المثال فان المزارع يتحمل التحضير بتراكترات تحسب فيها الساعه ب40جنيها وتكلفة الجازولين 360 جنيه والمبيدات 150 جنيه هذا بخلاف التقاوى ومدخلات الانتاج التى يقترضها من البنك الزراعى بعد فوات أوانها ويعجز عن سدادها لاحقا وان الحكومة عندما توفرت لها الاموال بفضل البترول لم تضع الزراعة ضمن اولوياتها ولم تصرف عليها ونتيجة لتراكمات سياسات سابقه هجر مزارعي الولاية الزراعه " . زراعة استثمارية ذات مساحات واسعة فتحي خليل والي الولاية الشمالية قال إن الزراعة التقليدية التي اعتاد عليها مواطنو الولاية ما عادت مجزية لهم حيث يحرصون عليها فقط لارتباطهم التاريخي بها . وأضاف أن الولاية تسعى للتوسع في الزراعة وخاصة القمح في المشاريع الاستثمارية ذات المساحات الواسعة التي تلي مجري نهر النيل . وقد وضعت الولاية خارطة استثمارية للمشاريع الزراعية المقترحة ولمشاريع التصنيع المرتبط بالزراعة أيضا وهي أول ولاية تنجز هذه الخريطة" والتي تشمل ايضا استثمارات في جميع المجالات، تكفل لها استغلال مواردها لصالح مواطنيها .كما أن قانون الولاية الاستثماري يعد أفضل من القانون الاتحادي نفسه، بهدف جذب الاستثمارات إلى الولاية . ووفقا لما ذكره الوالى فأن الولاية نجحت في سعيها وأبرمت العديد من الاتفاقيات للاستثمار في زراعة القمح والأعلاف وغيرها .بجانب استثمارات أخرى في التعدين وغيره و من أهمها تأسيس أول مصنع لمنظمات الري الحديثة في السودان. ويعد الأول كذلك في المنطقة العربية والشرق الأوسط . معتمد محلية دنقلا د. الفاتح حسين ، أكد من جانبه أن الزراعة تشكل الأستثمار الأساسي بالولاية والدعامة القوية لاقتصادها حيث تملك كل مقوماتها من مياه وأرض وخبرة ومناخ يتقبل كل أنواع المحاصيل الشتوية والصيفية على السواء. وقال " يمكن أن تكفي الولاية حاجة السودان ليس من القمح فحسب بل من أغلب السلع الزراعية الأخرى خاصة البستانية والنباتات الطبية والعطرية" . وبحسب الأحصاءات التي ذكرها المعتمد فأن الولاية الشمالية تزرع حاليا 375 ألف فدانا فقط فيما تتمتع بحوالي 4 ملايين فدان صالحة للزراعة معظمها في اراضي التروس العليا أو ألأراضي البعيدة من مجرى نهر النيل وجميعا أراض عالية الخصوبة يمكن أستغلالها في مشاريع زراعية كبيرة خاصة لزراعةالقمح حيث أنتج الفدان الواحد 40 جوالا منه في مشاريع الري المحوري والتي تستخدم نظام متكامل للميكنة الزراعية أحدث فرقا كبيرا في الكميات المنتجة . وذكر أن الولاية تشجع هذه الاستثمارات وقد أكملت خاصة محلية دنقلا كل البنيات التأسيسية اللازمة والمرتبطة بالاستثمار في الزراعة والتي تشكل حاجة ضرورية لجذب المستثمرين المحليين والأجانب الذين يرغبون في تسويق انتاجهم داخليا وخارجيا فهناك شبكة معبدة من الطرق تربطها بالخرطوم ومنها لبقية ولايات البلاد وطريقا آخر يربطها ببورتسودان كما أن هناك الطريق القاري الذي وصل حتى مدينة حلفا ومنها لجمهورية مصر ويتوقع افتتاحه قريبا أمام حركة المرور الدولية .أضافة إلى توفر عدد من الجسور تصل بين ضفتي النيل شرقا وغربا .وهناك ايضا شبكة متكاملة للاتصالات وزد على ذلك توفر الأمداد الكهربائي الذي أكتمل بنسبة 90% بالنسبة للقطاع السكني و80% بالنسبة لكهربة المشاريع الزراعية الكبرى والتي تزيد عن 20 ألف فدان . ن*ع