تتعدد معانى مفردة (أمن) لغة ومبنى ومعنى .. المفهوم العام بالضرورة يعني أمن الدولة المناط به حماية نظام الدولة ومقدراتها السياسية والاقتصادية ... الخ ويسمى احيانا أمن قومى وأمن داخلى ..وهناك الأمن الاجتماعى والأمن الاقتصادى والأمن الغذائى والأمن المائى والأمن الشرطى (الشرطة الامنية) والأمن الفكرى (المصنفات) والأمن الصحى .. وكل هذه المسميات الامنية تستهدف توفير حماية وتحصين وتجسير المواعين التى تحمل اسمها. إلا اننا نحتاج اكثر الى أمن ثقافى ... ضرورة هذا الاحتياج اقتضته اللحظة الراهنة التى تشهد صراعا بين ما اصطلح على تسميته الذكاء الغبى، الذى يقدم الدراسات والخلاصات ذات المعانى والمضامين الحقيقية ولكنه يفشل تماما فى الوصول الى العقل والاحساس ، والغباء الذكى الذى ينتج الاعمال الرديئة ويبدع فى بثها وترويجها عبر قنوات سلبت الوقت وصارت القراءة منسية وتجد مثل هذه الاعمال المثيرة فاقدة المعنى صدى وقبولا لدى العقول التي هيأتها آلة الترويج لهذا. لذلك حينما يقولون ان العولمة حلت الان واصبحت المسافات البعيدة لاغية والثقافات المحلية متلاشية سيصير الفضاء واحدا واللغات واحدة والذوق واحدا والقوة كذلك ستبقى واحدة امريكية منفردة ولا فضاء ممكن امام اى قوة اخرى، وحينما يقولون ان النظام الجديد العالمى الذى سيطبق مظهره الاقتصادى سيكون اكثر فعالية وتأثيرا لان الجميع سيصبح استهلاكيا لمنتجات بضعة شركات غربية ستحتكر اسباب الحياة مما يعنى الاستغناء عن ملايين العمال لتحل الالة الحاسوبية محلهم، وحينما يقولون ان التجارة الدولية ستكون متحررة من كل القيود الجمركية وستدخل كل الخدمات الاخرى بلدك بلا استئذان لتنشىء لها موضعا وفرعا فهذا يعنى انك وقعت على صكوك منظمة التجارة الدولية وحينئذ انت ستقبل صاغرا شئت ام ابيت انعكاساتها على منتوجاتك ومستوى خدماتك المحلية لتنافسها وباسم العالمية ستبقى وستجد القبول (السمين بقيف والضعيف بقع)، وحينما يقولون ان النظام السياسى الذى ينبغى ان يكون هو الديمقراطية التعددية فهى (الزى) المناسب لكم فليس هناك مساحة للاعراف والتقاليد الموروثة لكل قومية ..ولا حتى الانظمة الاسرية وسط القبائل التى تحترم (اب القبيلة وشيخها) باعتباره الرمز الاجتماعى للحل والعقد ولا مجال لها فهى شكل ديكتاتورى هكذا يقولون، وحينما يقولون ان الاديان ينبغى ان تكون مفصولة عن السياسة لتستقر فقط فى الجوامع والكنائس والمعابد والاديرة (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، وحينما يقولون ان حقوق الانسان يجب ان تكون مصانة مكفولة ..حق التعبير وحق التفكير وحق الانتقال والامتلاك ... الخ.. وهذه الحقوق معنية لسلسلة العالم النامى الثالث تجاه شعوبهم ولا تسألوا ان ضاعت حقوق العرب والمسلمين فى اسرائيل فهذه الاخيرة دولة ديمقراطية تحت الحماية الامريكية وتحت مشهد كل منظمات الاممالمتحدة المعنية بحقوق الانسان وتنتهك كل الحقوق نعم كل الحقوق، وحينما يقولون ان العالم اصبح فى جهاز واحد فى غرفة صغيرة بحيث اضحى الاتصال والتواصل اسهل وايسر (الانترنت ) ومن ثم ألغت هذه الشبكة الدولية للمعلومات كثيرا وجود الصحيفة الورقية والمجلة والكتاب والتلفزيون والسينما والمذياع والمعارض ودار الوثائق.. اى تجميع كل اجهزة ووسائل الاتصال والاعلام داخل جهاز واحد وصارت المعلومة حرة متاحة وليس كلها بعدما كانت قبيل الحرب الباردة فى اواخر سبعينيات القرن الماضى اسيرة احتكار الاستخبارات فقط، لقد قالوا كل ذلك عبر وسائل الاعلام المقروءة والمشاهدة والمسموعة وبشروا بذلك النظام لكننا نحن المسلمون والعرب والمنتمون للدول المسماة بالنامية يمكننا من خلال (أمن ثقافى) ان نتحصن من الشرور السوالب اذا حددنا هدفنا ووضعنا خططنا ونفذناها عبر برامج معينة للتدريب والتأهيل التقنى الشامل حتى نمحو اميتنا التكنولوجية بتثقيف وتعليم الانسان الذى سيتعامل مع التحديث والتقنية مع استصحاب الجرعات الدينية التى ستكون المرجعية فى كل خطوة نخطوها واعلاء القيم الاسلامية السامية التى تدعو وتعزز احترام الوقت والعلم والامانة والصدق والشفافية. ونقول نعم للتطور والمواكبة ولكن بلا مسخ وتشويه لمعتقداتنا وهويتنا ونقول اخيرا الا خوف على مجتمعنا حتى الان (الخير فينا موجود) ومصداق ذلك اننا اذا نظرنا فسنجد مجتمعنا ما زال محافظا رغم بعض المظاهر السالبة ولكنها لم تصل ولن تصل درجة الظاهرة الكارثية. ع س