شهدت حقبة السبعينيات من القرن الماضي بداية مسلسل الاغتراب والهجرات المنتظمة للسودانيين الشماليين (فى ذلك الزمن) صوب المملكة العربية السعودية ودول الخليج أضافة الي مجموعات الأخوة الجنوبيين الذين أستقروا في دول الجوار الأفريقي أثيوبيا و كينيا ويوغندا وكانت الدوافع اقتصادية واجتماعية اكثر من الاسباب السياسية . ترك اولئك المغتربين و المهاجرين بصماتهم القوية في تلك الدول و علي سبيل المثال المنتدبين من المعلمين و القضاة أضافة الي العاملين في الحقل الطبي والزراعي والهندسي الخ.. هذه الهجرة كانت هدفها الأساسي تحسين الظروف الأقتصادية . بدأ السودانيون بالخارج في تكوين الجمعيات والجاليات و أنعكست الأسهامات الفردية والجماعية لحراكهم الانسانى التفاعلى بصورة أيجابية في تطوير ونهضة مناطقهم داخل الوطن الام حتي أن مساعداتهم في بعض الحالات أحتوت علي مواد عينية وتموينية للمناطق المتأثرة بالجفاف والتصحر اضافة للمساعدة المالية التي أسهمت في تخفيف تكاليف المعيشة . اما حقبة الثمانينات المايوية (نظام الرئيس الاسبق نميرى) فقد كانت دوافع الاغتراب مختلفة من سابقتها وتتلخص في الحجر علي الحريات العامة والتدخل من قبل الدولة وأجهزة أمنها في سلوك الفرد الشخصي . آخر أحصائية عن العدد التقرييي للمهاجرين والمغتربين أوردتها صحيفة حريات في عددها الصادر في 4 أبريل 2011 توضح أنهم حوالى 11 مليون وبوجود هذا الكم الهائل من المهاجرين أصبحت هنالك حاجة ماسة الي رابطة تجمعهم في شتات الغربة تجمع في عضويتها مختلف المهن والتخصصات وتكون ذات منشأ واحد تقوم بأنشطة مختلفة تُلبي أحتياجاتها ولا تتعارض وقوانين الدولة التي أُنشئت بها وبالتالى ظهرت الروابط والجمعيات الجهوية التى تخدم جغرافية معينة ثم تتجمع كلها لتصبح جالية واحدة سودانية فى هذا البلد او ذلك القطر. ظلت وما فتئت كل الجاليات السودانية بالخارج تشارك في طرح القضايا القومية وتساهم في تثقيف وتنوير عضويتها . هناك قضايا تواجه الجاليات والواجهات السودانيه فى المهاجر اقتصاديا تتمثل فى انخفاض دخل الفرد وزيادة نسبه العطاله بالخارج بعد التطورات الاقتصادية التى حلت بالمنطقة العربية خاصة بعد حربى الخليج( العراق وايران 1980-1988م ثم غزو العراق2003م ) والتى افضت الى احلال العمالة الوطنيه محل العماله الاجنبيه . اجتماعيا ظهور انحرافات سلوكية مثل الغش والمتاجره غير الشرعيه والانحلال الاسرى والعزوف عن الزواج بين الشباب فى المهاجر واتساع فجوة التواصل بين المغترب واسرته فى وطنه الاصلى ، والعودة الجزئيه واثرها السلبى على رعايه الأبناء والاندماج واثره النفسى على الأبناء . اكاديميا معادله الشهاده غير السودانيه ورفض بعض الدول العربيه فتح مدارس سودانيه فى مرحلتى الاساس والثانوى اضافه الى الرسوم الدراسيه الجامعيه الباهظة المقررة على أبناء المغتربين فى حالة العودة القسريه وخاصة الذين بدأوا تعليمهم الجامعى بجامعات عربيه ويرغبون فى اكمال تعليمهم فى نفس الكليات بالجامعات السودانيه ، بجانب الفوارق فى السلم التعليمى والمناهج وأثره فى تحديد معايير المعادلة ، والتعليم على النفقة الخاصه وارتفاع المصاريف . ثقافيا التنشئه الثقافيه للأبناء ببيئاتها المختلفه ( البيت ، الام ، الاب) المدرسه والمجتمع فى الخارج نجم عنها اضطرابات نفسيه وهجين ثقافى للأبناء اضعف الهويه السودانيه للأبناء وغياب المعلومات عن الوطن الاصل " التراث , العادات ، التقاليد ، التاريخ ، الجغرافيا مما اضعف الحس الوطنى وعدم وجود مراكز ثقافيه سودانيه فاعله فى المهاجر لنشر الثقافه السودانيه وعكس الوجه المشرق للسودان ، وقله الاسابيع الثقافيه وغياب رسالتها التعريفيه. معالجة كل هذه القضايا طرحت فى توصيات المؤتمر الثاني لاقتصادات الهجرة الذي نظمه جهاز تنظيم شئون السودانيين بالخارج في الفترة من 16 - 17 يوليو العام الماضى تحت شعار من أجل شراكة مثمرة بين الدولة والمغترب حيث اوصى البنوك وشركات الصرافة بتوسيع شبكة مراسليها بالخارج وفتح مكاتب صرف في السفارات بالإضافة الي العمل علي انتشار فروعها في مختلف المناطق كذلك المحافظة علي استقرار سعر الصرف وتخفيض الفرق بين السعر الرسمي والموازى ودعا الى اعطاء السودانيين العاملين بالخارج الذين يقومون بتحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية حوافز تشجيعية سواء كانت جمركية او ضرائبية لاستيراد معدات ووسائل الانتاج للمشاريع الصغرى ومتوسطة الحجم . يبقى بالضرورة ان توضع استراتيجيه قوميه لخلق وظائف واستيعاب العائدين واعانتهم على الاستقرار وفى نفس الحين تعيين ملحقين عماليين بالسفارات السودانيه لحمايه العماله السودانيه بالخارج يفومون بحصر السودانيين العاطلين عن العمل ومساعدتهم فى العودة للوطن ,ولابد من التوسع فى فتح المدارس السودانيه بالخارج والنظر فى ضم مدارس الجاليات السودانيه الى مدارس الحكومه بالخارج وايجاد صيغه علميه عادله ومنصفه لمعادلة الشهادات غير السودانيه بالشهاده السودانيه واخيرا تفعيل دور الجاليات فى نشر الوعى فى اوساط الشباب فى المهاجر وحثهم على التمسك بالمثل والقيم السودانيه ،