التطورات فى مجال التواصل من فضائيات قاربت بين شعوب الأرض ولا يكاد يغيب مشهد للإحتجاج فى بعض الدول عن الحضور اليومى فى اجهزة الإتصالات ، ولا نرى ايادى تمتد الى ممتلكات المواطنين لتخريبها او اتلافها وذلك لأن المواطن لا يمس فى شعوب مماثلة لنا فى الثقافة والحضارة . ففى الدول العديدة تجرى المظاهرات المناوئة للسياسات الحكومية بسلمية حيث تسير سيارات المواطنين وسط المتظاهرين الذين يجعلون هدفهم التعبير عن الرأى وليس التخريب ونهب ممتلكات المواطنين الآخرين الذين لا ناقة لهم ولاجمل فى السياسات التى تعلنها الحكومات . وما شهدته بعض المناطق من تخريب للممتلكات الخاصة واحراق لسيارات المواطنين ومحطات الوقود لا علاقة له بالتعبير عن الرأى بل هو حقد اعمى لا صلة له بموروثات الشعب السودانى فى تنظيم المظاهرات ومن المعروف انه جرت عدة مظاهرات كبيرة فى مدن السودان لم تكن من شاكلة ما جرى فى بعض اطراف الخرطوم ومدينة ود مدنى . ثم ان تحويل حق التعبير عن الرأى الى سلوك اجرامى يستهدف خلق فوضى لإتمام النهب المنظم والإعتداء على ممتلكات الغير مفارقة تؤدى الى عكس المراد من الخروج الى المظاهرات ، التى يخرج اليها البعض بحسن نية للتعبير عن الرأى والغضب نتيجة لإختلاف وجهات النظر ، ولكن تحويل الهدف الى شئ آخر يتمثل فى الإعتداء على املاك المواطنين الآخرين فى الأسواق والمراكز التجارية لهو امر مختلف عن اتباع نهج منظم للتعبير عن الرأى . ومظاهر العنف التى نرى آثارها فى حرائق ودمار لا صلة لها بالسياسات الإقتصادية المعلنة وفقا لمعطيات النتائج التى انعكست من جراء الإحتجاجات فهو سلوك أقرب الى النهب والسلب منه الى التعبير عن الرأى الذى يتصف بالسلامة مع التعبير الحار عن الشعور برفض ما تم اقراره ، ولم تكن هناك حاجة الى التخريب لأن الرأى يعبر عنه بالسلوك الحسن وباللغة لفظا او كتابة من خلال اطلاق شعارات للأهداف التى يدافع عنها المتظاهر . والعنف ينعكس على الأسر فى المنازل من خلال تأثر الأطفال وخوفهم من مظاهر الإحراق والتخريب ومن اصوات الأسلحة ومن الغاز المسيل للدموع والذى يتسرب الى الأحياء ويؤثر فى التنفس بشكل واضح مما يؤدى الى الإختناق للذين لا تسمح لهم ظروفهم الصحية احتمال اثر غبار الغاز المسيل للدموع . كما يمتد الأثر على الأسر من خلال عدم وجود المواد الغذائية بعد ان توصد الأماكن التجارية ابوابها خوفا من النهب والسلب الذى تتعرض له ، بما فى ذلك الأفران التى تنتج الرغيف ، الأمر الذى يؤدى الى ندرة فى الخبز مع استحالة البحث عنه نتيجة لتطاول زمن الإحتجاجات . لابد من وقفة تقويمية من قبل الذين يتزعمون هذه المظاهرات وايقاف هذا السلوك العنيف من الإحتجاج ضد القرارات الأقتصادية لانه تصرف مرفوض من قبل الشعب واذا كان البعض يتعاطف معهم بسبب وطأة القرارات الإقتصادية فلابد انه سيدرك فداحة الإحتجاج العنيف وسلوك النهب والسلب المتبع بما يجعله يتراجع عن قراره من دعم هذه الافعال ، فسلاح التظاهر ذو حدين اما ان تكسب الشعب الى جانبك بسلوك حضارى تعبر فيه برأيك دون المساس باملاك المواطنين واما الذهاب بعيدا فى العنف ليرتد عنك الناس ويتركوا مظاهر التعاطف لأن الإنسان كائن منظم لا يرضى لحياته الفوضى . ومن سلوك المتظاهرين يبدو ان هناك اتجاهات مرتبكة فالبعض يلجأ الى احراق الممتلكات الخاصة بالمواطنين بغضب واصرار فيما يلجأ آخرون الى المساس بالمؤسسات ودور الأحزاب لإحداث فتنة فى البلاد بين الأحزاب ولكن بوعى وادراك من قادة الأحزاب سيتم تفويت الفرصة على المتربصين بسلامة البلاد . والقرارات الإقتصادية لم تنزل فجأة على المواطنين بل تم التشاور حولها لفترة طويلة وظلت اجهزة الإعلام والصحف على اطلاع دائم بها واسهمت فى شرح الامر بل قام رئيس الجمهورية بشرح الضرورات التى ادت الى هذه القرارات فى مؤتمر صحفى على الهواء مباشرة ، وبدلا من النقاش وتبادل الرأى وطرح البديل من خلال الأجهزة المختلفة لجأ البعض الى الإثارة رغم ان الأمر الإقتصادى يمس الجميع ويتأثر به المواطنون كافة ، وكان من الأجدر اثراء الساحة بالمعلومات والدراسات والبحوث عن بدائل القرارات الإقتصادية وكيفية الخروج من مأزق المشكل الإقتصادى الذى يعترف الجميع انه ماثل بقوة ولا فرار من اتخاذ حلول لوقف التدهور وإعادة العافية للإقتصاد . ان اللجوء الى الشارع ليعبر بغضب عن اجراءات تهدف الى ايقاف مسارات التدهور من انخفاض لاسعار العملة وارتفاع للتضخم وهى من الأسباب الرئيسة لرفع الأسعار فيما تهدف القرارات الى خلق توازن فى الإقتصاد لإنعاش السوق وتوفير السلع وتحقيق انخفاض الأسعار على المدى المتوسط والطويل مما يحقق استقرار اقتصادى يشجع الإنتاج المحلى ويحقق تقارب بين ايرادات الصادر ومصروفات الوارد مما يقلل الطلب على العملة الأجنبية ويقوى الجنيه السودانى . المنهجية العلمية للتغلب على مرض الإقتصاد السودانى المزمن يحتاج الى قاعات الحوار وعصف ذهنى فى كل التيارات المشاركة فى الوطن للوصول الى حلول تراعى الأنسنة ( مراعاة الإنسانية ) فى التعامل وخلق قنطرة تواصل بين الفكر الإقتصادى الأكاديمى النظرى وبين حياة المواطنين ومراعاة ظروف الحياة الصعبة عليهم ، فى جهد متصل لا يتوقف مع توفر الخبراء الإقتصاديين والإجتماعيين الذين يمكنهم الخروج برؤى تساعد متخذ القرار فى تخفيف وطأة القرارات على المواطنين . اما انتهاج اسلوب اقتناص الفرصة والإنقضاض على الحكم بدعوى القرارات الإقتصادية فلن يؤدى الا الى زيادة معاناة المواطنين من جراء الخسائر الكبيرة التى تنجم عن التخريب والنهب والسلب.