- درجت الدول في عالمنا المعاصر على إعداد وإعتماد التخطيط الإقتصادي والإجتماعي في المجالات الحيوية كافة مرتكزاً لتنفيذ برامج ومشروعات البناء الوطني في المراحل المختلفة الأمر الذي جعل من التخطيط منهجاً وأسلوباً لإنفاذ مشروعات الدولة الحديثة لا يمكن الاستغناء عنه للحفاظ على موارد الدولة المادية والبشرية من الهدر الذي يعرقل عمليات التنمة والنهوض في أي مجتمع. لقد عرف السودان التخطيط بمعناه العلمي الحديث لأول مرة في العام 1960م عندما طرحات حكومة الرئيس إبراهيم عبود الخطة العشرية للتنمية الإقتصادية والاجتماعية والتي كان مقرراً لها أن تستمر للفترة ما بين العام المالي 1960 1961م إلى العام المالي 69 1970م والتي كان من أميز أهدافها تشجيع وتنمية الصادرات السودانية والتقليل من الواردات إضافة إلى تنويع الصادرات وذلك لخلق فائض في الميزان التجاري لسد العجز الكلي في الميزان التجاري للسودان فضلاً عن خفض العجز في ميزان المدفوعات خاصة في السنوات الخمس الأولى للخطة. بيد أن هذه الخطة فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة لأنها لم تنفذ حسبما هو مخطط لها جراء حدوث إنحرافات كثيرة في تنفيذ الخطة وإندلاع ثورة أكتوبر 1964م التي قطعت الطريق على بلوغ الخطة نهايتها في العام 1969م وبذلك اعتبرت الخطة العشرية الأولى ملغاة. وفي الفترة من 1965م وحتى مايو 1969م لم تكن هناك خطة واضحة المعالم وإعتمدت حكومات هذه الفترة على الخطط السنوية. فيما شهد العام 1970م تحولاً كبيراً في سياسة الدولة في عهد حكومات الرئيس جعفر نميري التي أعدت خطة جديدة هي الخطة الخمسية 1970م 1975م إعتمدت في محتواه العام على إحلال الواردات مع الإهتمام بترقية الصادارات إعطاء الأهتمام الأكبر لقطاع الصناعة والنقل خاصة السكة حديد مع إستهداف تحقيق الأهداف الإشتراكية التي شكلت القطاع الايدولوجي لهذه الخطة. واتسم التنفيذ الفعلي لهذه الخطة بتواتر العجز في الميزان التجاري من 5.7 مليون جنيه سوداني في عام 1970م إلى 93.4 مليون جنيه في العام 1974م رغم ثبات سعر صرف الجنيه مقابل العملات الحرة في تلك الفترة مع حدوث إختناقات في مجال النقل أدى إلى تحول إهتمام الدولة من السكة حديد إلى الطرق وتشجيع القطاع الخاص وتقديم إمتيازات لإستيراد الناقلات والشاحنات ووسائل النقل الأخرى. وجراء العقبات التي واجهت أنفاذ هذه الخطة رأت الحكومة تعديلها لعامين أخرين تنتهي في العام المالي 1977م 1978م وسميت بالخطة الخمسية المعدلة على أن يتم التركيز خلال هذه الفترة على قطاع النقل بإعتباره أساس التنمية الأمر الذي أدى إلى إرتفاع إستثمار الحكومة في هذا القطاع من 14% في العام 1974م إلى 34% في العام 1976م. وإعتباراً من موازنة العام 1978م / 1979م لجأت حكومة مايو إلى برامج العمل المرحلية والتي كانت تمتد ثلاثة سنوات وأستمر العمل بهذه البرامج حتى قيام الإنتفاضة في العام 1985م ويسجل لجهود التخطيط في ظل حكومات مايو المتعاقبة تحقيق تدفقات إستثمارية في شكل قروض ومنح مما أدى إلى بناء قاعدة تحتية للطرق القومية إلا أن خطط البرامج الثلاثية إنتهت بالبلاد إلى زيادة الأعباء على الاقتصاد السوداني بتراكم الديون ولأسباب عديدة من بينها إنعدام السياسات الاقتصادية السليمة. أما في عهد الديمقراطية الثالثة التي أعقبت نظام مايو فقد تم إعداد الخطة السداسية للتنمية في العام 1987م أو ما عرف ببرامج الأنقاذ السداسي والتي أمتدت حتى العام 1989م . أما التطور الآخر في مجال التخطيط فقد كان في العام 1990م في ظل حكومة الأنقاذ الوطني التي إعتمدت البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي والذي إستند على سياسة التحرير الاقتصادي للأعوام 90 /1993م وتمثلت أهدافها في تحريك جمود الاقتصاد السوادني وتوجيهه نحو الإنتاج وحشد الطاقات لتحقيق أهداف البرنامج وتعديل الهياكل الاقتصادية والمالية والمؤسسية لفتح باب المشاركة للجميع وتحقيق التوازن الإجتماعي للحيلولة دون تحريك الاقتصاد على حساب الفئات الضعيفة اقتصادياً. وقد جرى قبل نهاية البرنامج الثلاثي تبني الحكومة إعداد الاستراتيجية القومية الشاملة لمدة عشرة سنوات حتى 2002م. وكانت أبرز موجهات الاستراتيجية القومية الشاملة مواصلت سياسة التحرير الاقتصادي ، فك الاختناقات الاقتصادية وخفض التضخم وتحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة المحلية إستخراج البترول وتصديره وتحسين ميزان المدفوعات وتحقيق تدفق إستثمارات القطاع الخاص في المجالات كافة. وفي إطار إعتماد الدولة على التخطيط وسيلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية شهد العام 2003م تبني الحكومة للاستراتيجية الربع قرنية إستهداء بنتائج ومؤشرات الاستراتيجية القومية الشاملة. وتعتبر الاستراتيجية الربع قرنية نقطة تحول في إتجاه توطين ثقافة علوم المستقبل والفكر الاستراتيجي في استشراف بناء الأمم.