ربما صارت أحلام ملايين السكان الذين يتشاطئون الحياة على ضفاف النيل وطموحاتهم بالتعاون سويا في استغلال مواردهم وتنميتها من أجل عيش رغد ورفاه مستقر لهم ، قريبة المنال بعد أن جنحت دول حوض النيل الشرقي للتعاون في بناء سد النهضة الأثيوبي. ويصل إجمالي السكان في جميع دول حوض النيل العشر إلى 437 ملايين نسمة ، الذين يعشون ويجاورون مجرى الحوض منهم 248 مليون نسمة، وفقا لمبادرة حوض النيل، الرسم المرفق يوضح هذه الاعداد. وتتسم جميع دول حوض النيل بالتدني الشديد في الناتج المحلي الاجمالي ومعدلات نموه، حيث تعاني شعوبها من ارتفاع معدل البطالة والفقر المدقع وعدم القدرة على الحصول على مياه الشرب الآمنة النقية وضآلة الامداد الكهربائي، الجدول المرفق يببين ذلك. وتشكل مبادرة حوض النيل آخر اتفاقيات التعاون المشترك بين دوله، من أجل تغير وجه الحياة على حوض النيل إلى الأحسن. وقد بدأ التفاوض والحوار حولها فى فبراير من العام 1997 وتواصل حتى مارس 1998 لتنطلق المبادرة فى فبراير العام 1999 . وتهدف الى (الوصول الى تنمية إجتماعية وأقتصادية مستدامة عن طريق الاستخدام العادل والمنصف (والمنفعة المشتركة من موارد المياه بحوض النيل ). وحوض النيل مسمى يطلق على 10 دول إفريقية يمر فيها نهر النيل؛ سواء تلك التي يجري مساره مخترقا أراضيها، أو تلك التي يوجد علي أراضيها منابع نهر النيل، أو تلك التي يجري عبر أراضيها الأنهار المغذية لنهر النيل. ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم2 من المنبع في بحيرة فكتوريا وحتي المصب في البحر المتوسط. وكان وزراء الموارد المائية بدول الحوض قد وافقوا خلال اجتماعاتهم المتعددة السابقة والتى أستمرت زهاء العقدين من الزمان وبمساعدة من الاممالمتحدة والبنك الدولى، على أغلب القضايا والمسائل الخلافية ضمن هذا الاطار الجديد (الاطار المؤسسى والقانونى لمبادرة حوض النيل) خاصة المتعلقة باستخدام الموارد المائية المتاحة بالحوض لصالح جميع الدول مع التأكيد على الاستخدامات الحالية. إلا أن المجلس الوزارى لدول الحوض، في إجتماعه بكنشاسا العام 2008 - باستثناء مصر وغياب السودان - قرر تأسيس مفوضية حوض النيل لتعمل على الفراغ من المسودة المتعلقة بالمواد المختلف عليها واقترح لجنة مراقبين دولية تهدف الى النظر فيها وذلك بعد أن فشل المجلس في حل خلافاته المتجذرة حول الامن المائي. وتبع ذلك التوقيع على اتفاقية التعاون الإطاري دون التوصل لحل المشاكل العالقة. وشكلت هذه الخطوة تطورا غير متوقع ضمن إطار مفاوضات دول حوض النيل . وهددت مصر بالانسحاب من المبادرة حال إصرار دول المنبع على توقيع إتفاق التعاون الاطاري الجديد وإنشاء مفوضية عليا لمياه النيل دون موافقة ومشاركة مصر والسودان. وأكدت أنه حال إنشاء هذه المفوضية أو عقد إتفاق لا يضم البلدين فأن ذلك يعني توقف المشروعات المشتركة المزمع تنفيذها ضمن مبادرة حوض النيل. ويتمحور جوهر الخلاف بين دول الحوض حول المادة (14 ب) التي تتعلق بالامن المائي والمادة (34 أ) و(34 ب) حول توافق نصوص الاتفاقية مع بعضها البعض والمادة 8 حول معاييير وسياسات البنك الدولى وعلاقتها بالاتفاقية. ويرى كل من السودان ومصر أنه لا بد من حسم وتوضيح هذه المسائل أولا قبل الفراغ من مسودة الاتفاقية الجديدة. وكان د. صلاح الدين يوسف، وزير الدولة بوزارة الري والموارد المائية ، والعضو في اللجنة الاستشارية الفنية لمبادرة حوض النيل السابق قد وصف المبادرة بان (حصادها كله ثمر طيب ووفقا لرأيى لا أرى فيها شيئا مرا) أي سيئا، وأنها مبادرة محورها الانسان وأن أحد أهم نتائجها الشراكة الجيدة و الحوار بين دول حوض النيل وتوفر الثقة بينهم بعد عقود من الجفاء والمشاحنات قائلا : "هناك فهم مشترك للمبادرة بين كل المسئولين والمختصين فى دول الحوض والجميع راضون بها ، وعلينا أن نتفق أولا على حل خلافاتنا". ويحدد د. صلاح جوهر المشكلة الحقيقى فيما يتعلق بمياه النيل بين دول حوضه تتعلق بالتنافس و إقصاء الآخر بدلا من التعاون و استيعاب الكل. فمياه النيل محدودة وحاجة الدول لها متفاوتة تاريخيا و جغرافياً فمصر بطبيعتها الصحراوية سبقت واعتمدت على الري من النيل ثم تلاها السودان باعتماده الأصلي على الأمطار ولكن دخلته مشروعات الري الكبرى خلال القرن الماضي. و بتغير الظروف المناخية و زيادة السكان طرأت احتياجات لبقية دول حوض النيل وأخذت تبحث عن كيفية تلبية حاجتها، ومن الطبيعي أن تفكر في النيل كمورد مائي. ثم هنالك التنافس السياسي و إقحام مياه النيل في السياسة الدولية للهيمنة على الدول النامية. لذلك فمعاداة دول حوض النيل بعضها بعضا، يأتي جزءاً منها لحاجتها للتنمية ، أو للأطماع الدولية و إقحام مياه النيل في أجندة الهيمنة العالمية على الموارد و تبعية هذه الدول للقوى العالمية ثم التباين الجغرافي بين دول الحوض و تفاوت اعتمادها على مياه النيل كمصدر للمياه. ولكن يبدو أن التوقيع على إعلان المبادىء من قبل رؤساء السودان وأثيوبيا ومصر على التعاون سويا في بناء سد النهضة أثبت أن المفاوضات المنهكة والطويلة تلك لدول المبادرة سابقا لم تضع سدى وتذهب أدراج الرياح. فقد أكد الرئيس عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلى مريم دسالين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن هذا الاتفاق يمهد الأرضية للتعاون الأقليمي المنفتح على الآخر.