كتب- سعيد الطيب عبدالرازق يزخر الغناء السودانى وعبر الحقب التاريخية المتوالية بكثير من القيم والمعانى والصور الجمالية الرائعة , والمتأمل لمفردات غنائنا سيجد الغنى الرفيع فى استخدام شتى المفردات العامية والعربية , كما سيجد احتشاد احتفالى بالمعانى عبرت عنه العديد من الاغانى خاصة فى حقبتى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى . الطيور بمختلف مسمياتها واشكالها شكلت حضورا متميزا فى بعض الاغانى الشهيرة والتى ارتبطت بمواقف وازمان واماكن معينة لدى الذائقة السودانية , وكان ذكر احد هذه الطيور يعنى اشارة معنوية مباشرة للرحيل او المغادرة او السفر او الابتعاد او الهجرة والبعاد والاشواق التى تهفو ل( الحى والقرية والفريق والحلة) بمختلف جغرافية الثقافة المحلية . تأمل معى حينما يغنى محمد وردى ( يا طير يا طاير ) مناجاة واضحة وتوصية معنوية خاصة , ايضا ذات الفنان حينما يغنى ( الطير المهاجر ) يوصى ايضا الطير ببعض الخصوصيات وهو يقترب من ديار محبوبه . ويغنى وردى للمرة الثالثة اغنية فيها الطيور المرتحلة (هجرة عصافير الخريف فى موسم الشوق الحلو) .بينما غنى الفنان حمد الريح (طير الرهو) وتكررت نفس التوصيات بمعانى اخر ,ويبدع الشاعر فى لفت انتباهنا الى ان الطير المرتحل من مكان الى اخر ينشد الحرية والانعتاق مثلما فعلها فى اغنية ( حمام الوادى يا راحل ) وهو نفس الفنان الرائع . وتأمل معى فترة حقيبة الفن التى غطت اربعينيات وخمسينيات القرن الماضى وفيها على سبيل المثال وردت مفردات الحمام والطيور بقوة فى بعض الاعمال الغنائية التى لم تصاحبها الفرق الموسيقية بل كانت تؤدى باصوات الكورس الرجالية وفى مرحلة سميت (الطنبرة) وجاءت اغانى (يا حمامة مع السلامة ) لميرغنى المامون واحمد حسن جمعة ثم غناها فى عقد السبعينات عبد الوهاب الصادق ( ان حمامى وناح حمامى) ثم غنى الفنان النعام ادم (ما دام قام جنا الوزين ) ام فى فترتى الستينيات وحتى مطلع الثمانينيات تغنى اكثر من فنان للطيور . الفنان عبدالدافع غثمان (غنى يا كروان واصدح بلحنى ) وملك الطيور الطاؤوس غناه الفنان احمد الجابرى واردفها ب (البلوم فى فرعو غنا ) وابراهيم اللحو غنى ( الطير الخدارى ) والفنان عثمان حسين ( كل طاير مرتحل عبر البحرقاصد الاهل حملتو اشواقى الدفينة ) وتتواصل المسيرة ليغنى الفنان صالح الضى (يا طير يا ماشى لاهلنا) والفنان سيد خليقة (ابنى عشك يا قمارى قشة قشة ) ويمكن نعتبر ان من اشهر الطيور التى ذكرت فى الاغنية السودانية طيور الفنان مصطفى سيد احمد السياسية (والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ) وكانت تحمل دلالات معينة جسدها الشاعر فى بوح خاص تميز بالقوة والجزالة . اذن تلك الطيور سواء كانت عصفور وردى او رهو حمدالريح او طاؤوس الجابرى او كروان عبدالدافع عثمان او قمرية سيد خليفة كلها مفردات ادخلها الشعراء على مختلف اتجاهاتهم واحساسهم فى الاغنية السودانية واصبحت من بعد ذلك خالدة حتى الان نسبة لصدق التعبير , وعمق الفكرة وجزالة التعبير , وروعة التصوير والاقتباس والمجاز , مما أكد حقيقة على عبقرية الشاعر السودانى .