- يسترعى الانتباه ارتفاع أسوارالمساكن في قرية دلقو بشمال السودان وكمية الرمال الكثيفة التي تغطي تلك المنطقة وتحيط بتلك المنازل والاشجار وكل ما هو مرتفع من سطح الارض ، و يستوقف المرء هناك حديث احد القاطنين بتلك المنطقة وهو يجلس على احدى المنحنيات الرملية المرتفعة بالقرب من مسكنه وهو ينظر اليه بحيرة وتأمل واضحة فيتملك المرء الفضول ليسأل عن سبب الحيرة وهو ينظر الى مسكنه المرتفع ليرد وفى وجهه ابتسامة يكسوها الأسى ليقول ( هل تعلمي انني الآن اقطن في الطابق الثالث من منزلى ) فتساءلت باندهاش وقلت له كيف ؟ واجاب انه يقوم كل عام برفع مستوى السور بضع امتار حتى يقي مسكنه من زحف الرمال المتسارعة اليه وقال هذه المشكلة في تفاقم عاما اثر عام وهنا تجلت المشكلة التي تعاني منها الولاية الشمالية وعدد كبير من ولايات . وتعتبر ظاهرة التصحر والجفاف والزحف الصحراوى من اخطر الظواهر الطبيعية التي تواجه الانسان والحيوان سواء في السودان او الدول الاخرى و تحول هذه الظاهرة مساحات واسعة خصبة وعالية الإنتاج إلي مساحات فقيرة خالية من الحياة النباتية والحيوانية والبشرية وهذا راجع إما لتعامل الإنسان العشوائي مع الارض أو للتغيرات المناخية لحكمة يعلمها الله. وتعرف الصحراء بانها الارض التى لا تنتج اما التصحر فهو مشكلة تتعرض لها الارض التى كانت تنتج فيوقف انتاجها لأسباب طبيعية اما بفعل البشر أو غيره اما الزحف الصحراوى فهو ناتج من حركة الرياح والتعرية التى تحدثها الامطار والرياح ايضا. ولما كانت مشكلة التصحر والجفاف بسبب الزحف الصحراوي من أخطر المشكلات التي تواجه العالم بصفة عامة، والقارة الأفريقية بصفة خاصة؛ فقد خصصت الأممالمتحدة يوما عالميا ضد التصحر والجفاف يوافق السابع عشر من يونيو من كل عام. ولعل استعراض بعض الأرقام والإحصائيات وفق دراسات في هذا الصدد يكون كفيلاً بإلقاء الضوء على فداحة المشكلة. فعلى الصعيد العالمي، يتعرض حوالي 30% من سطح الأرض لخطر التصحر ، أما ثلث الأراضي الجافة في العالم قد فقدت بالفعل أكثر من 25% من قدرتها الإنتاجية، وكل عام يفقد العالم 10 ملايين هكتار من الأراضي بسبب التصحر.، ويكلف التصحر والجفاف العالم 42 بليون دولار سنويًا وفقا لدراسة عن( مشاكل الجفاف وندرة المياه العذبة في دول القرن الأفريقي ) أعدتها كلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الرياض. ووتقول دراسة عن العالم العربى يُغطّي التصحر حوالي (9.7) مليون كيلو متر مربع من المساحة الكلية، أي نحو 68% من المساحة الإجمالية للدول العربية، كما أن الجفاف هو السمة المناخية الرئيسة في المنطقة العربية، وتسود الأحوال الشديدة الجفاف أو الجافة في مساحات كبيرة من المنطقة، بينما تظل المناطق شبه القاحلة والمناطق المحدودة شبه الرطبة قاصرة على الأراضي المرتفعة، ويمتد سقوط الأمطار الهامشي الذي لا يزيد عن (350) ملليمتراً في السنة على المناطق القاحلة، بينما تشهد المناطق شبه القاحلة ما بين (400 -800) ملليمتر في السنة، وتشهد المناطق شبه الرطبة ما بين (800 -1500) ملليمتر في السنة، ومع ذلك يتميز سقوط المطر في كل المنطقة بسرعة التغير في التوزيع المساحي، والتفاوت الموسمي، والتقلب بين السنوات، وتتفاوت الكثافات في الزخات المتفرقة وتتغير طوال مواسم الزراعة. ويكلف التصحر العالم 42 مليار دولار سنويًّا، في حين تقدر الأممالمتحدة أن التكاليف العالمية من أجل الأنشطة المضادة للتصحر من وقاية وإصلاح وإعادة تأهيل للأراضي لن تتكلف سوى نصف هذا المبلغ (ما بين 10 - 22.4 مليار دولار سنويا). وفي السودان لم تشكل هذه الظاهرة ،سابقاً، خطراً يهدد حياة الناس وذلك لتوفر التوازن البيئي الطبيعي آنذاك، ولكن وبسبب مجموعة من العوامل بدأ التوازن البيئي الطبيعي يعاني من خلال عدم استثمار الموارد الطبيعية بصورة صحيحة ،و التغيرات الطبيعية التي طرأت على الظروف المناخية. وفي فترة ما بعد الثمانينات، بدأت ظاهرة التصحر في التفاقم وتعاظمت آثارها السلبية على كافة الأصعدة، البيئة، الاجتماعية، الاقتصادية، ويعزو ذلك بشكل أساسي إلى الزيادة الكبيرة لعدد السكان، وزيادة الطلب على الغذاء، التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وإلى غير ذلك من جوانب الضغط على موارد الأراضي. ويعد السودان احد البلدان التي تعاني من مشكلة الكثبان الرملية المتحركة ..حيث تمتد الأراضي القاحلة وشبه القاحلة في مساحة تكبيرة . وتستند تقديرات واتجاهات تدهور الأراضي على التفاعل بين عوامل مثل المناخ والتربة والغطاء النباتي والأنشطة الحالية للبشر. وبهذا يمكن جمع الولايات المعنية المتأثرة بالتصحر في ثلاث مجموعات تضم المجموعة الأولى اكثر الولايات القاحلة وتقع في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من السودان . والمجموعة الثانية وتضم الولايات الواقعة على السهول الطينية الوسطى والمشاريع المروية الرئيسية وتشمل هذه المجموعة ولايات القضارف وسنار والجزيرة والنيل الأبيض. وينعم هذا الاقليم بقدر من الامطار (100 - 500م م) لذا كان التصحر فيها وسطاً. وكان لهذه المنطقة غطاء نباتي جيد إلا أنها في الوقت الراهن تعاني من تدهور جراء استنزاف موارد الأرض بالزراعة الآلية غير المرشدة وانتشار قطع الاشجار والرعي الجائر. وتشهد شمال الجزيرة والمناطق الغربية من النيل الأبيض زحفاً متقدماً من الكثبان الرملية . أما المجموعة الثالثة فتشمل ولايات السودان الغربية وهي شمال وغرب كردفان وشمال وغرب دارفور والتربة فيها عموماً رملية ونظراً لنفاذيتها الجيدة وسهولة التعامل معها فقد استخدمت بشكل واسع في الزراعة المطرية التقليدية. ويذكر البروفيسور محمد عثمان السماني خبير الجغرافيا والاستشاري بمكتب خدمات البيئة والتنمية، (لسونا) ان ثلثي السودان الشمالي متأثر بالتصحر جراء العوامل الطبيعية التي أثرت على الغطاء النباتي من تناقص معدلات الأمطار وإنجراف التربة ، وإزالة الغابات والحشائش إضافة إلي العوامل البشرية وعلى رأسها استخدام الأراضي ويشير إلى أن أمطار السودان تتصف بأنها مدارية تتراوح ما بين 50 مم في الشمال وتزيد كلما إتجهت جنوبا لتصل 1200 مم في أقصى جنوب البلاد والحديث عن ظاهرة التصحر بدأ بعد منتصف الأربعينات كما يقول بروفيسور السماني حيث أنه حتى ذلك الوقت لم يكن تعداد سكان السودان يتجاوز ال 10 ملايين نسمة وفقا للتعداد الأول للعام 1955 - 1956 إذ كانت استخدامات الأراضي متوازنة لا تشكل خطورة على الموارد الطبيعية. وأكد بروفسيور السماني أن سوء التخطيط وعدم وضع السياسات والبرامج الخاصة بالتنمية من أهم الأسباب التي أدت إلى ظاهرة التصحر إضافة إلى عوامل أخرى من صنع البشر أهمها الرعي الجائر وزيادة أعداد الثروة الحيوانية، نتيجة لبرامج التحصين ومكافحة الأوبئة، التي وصلت إلى ما يقارب 133 مليون رأس مما جعل حمولتها علي طاقة المراعي كبيرة فالرعي الجائر يعد أكثر أسباب التصحر شيوعاً في كل انحاء السودان خاصة حول محطات المياه حيث يتسبب الاستهلاك الزائد في تخفيض مستوى المياه الجوفية ومثال لذلك فإن الضغط الهائل على معظم المراعي في كردفان ودارفور والبطانة لا تفي بحاجة تلك القطعان الهائلة وكذلك من الأسباب التي أدت إلى ظاهرة التصحر إزالة الغابات حيث ان قطع الأشجار لمختلف الأسباب كالاستخدام المنزلي والصناعة خاصة لأغراض الوقود لتشغيل أفران الخبز ومعاصر الزيوت غير أن الاحوال قد تحسنت بشكل واضح بعد استخدام غاز كمصدر للطاقة المنزلية . ويقول د. السماني أن من اسباب التصحر الزحف السكاني على بعض المناطق التي لم يكن يصلها الإنسان من قبل وذلك بسبب تقديم الخدمات كمياه الشرب في تلك المناطق مما جعلها مناسبة للإقامة كما ان التعامل مع الموارد الطبيعية يتم بطريقة استنزافية لعدم وجود مخططات علمية موجهة تراع فيها الإستدامة البيئية أى تلبية الحاجة الآنية . ويذكر المدير العام لكرسي اليونسكو لدراسات التصحر بجامعة الخرطوم الطيب الحاج علي خلال الاحتفال باليوم العالمي للمكافحة التصحر، أن الدول الأفريقية - بما فيها السودان - تعاني التصحر الذي يهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويؤدي للنزوح، وأشار إلى أن مشكلة دارفور سببها التصحر وقلة موارد المياه ، وقال ان السودان انضم لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر عام 1995م، ومنذ ذلك الحين ورغم الجهود التي بذلت لمكافحة التصحر، إلا أنها لم توقف الزحف الصحراوي والتصحر بالبلاد، مؤكداً أهمية تعاون الجميع "حكومة، ومنظمات مجتمع مدني، وأفراد" لمكافحة التصحر. ويعد الزحف الصحراوي او التصحر في السودان مشكلة وطنية تهدد الموارد الطبيعية من مياه وتربة وغطاء نباتي وأراضي زراعية ومنشئات اقتصادية والطرق العامة, كما انها تنعكس سلبياً على الانتاج الزراعي والحيواني وعلى مستوى معيشة السكان وعلى حياتهم الاجتماعية وتقف هذه المشكلة عائقاً امام التنمية الريفية التي تهدف اليها خطط التنمية والأعمار وبجب معالجها بصورة عملية من خلال الاستفادة من الطبيعية في حماية التربة وااستصلاحها واستزراع الأراضي، وخلق سبل كريمة لعيش الإنسان و بالتعاون والتنسيق بين الجهات ذات الصلة لمكافحة التصحر. كما يمكن زراعة نبات الهوهوبا وهى شجرة تتناسب بطبيعتها مع الظروف المناخية الحارة صيفا والمعتدلة شتاء كما تتحمل قلة الماء والملوحة وتتناسب مع التربة الرملية جيدة الصرف, ولا تحتاج إلى رعاية ومن الممكن تخزين محصولها أو تركه على الشجرة لحين جمعه فى أى وقت وهو قليل الإصابة بالأمراض وهذا النبات يعتبر من أفضل الحلول العلمية والعملية لزراعة الصحراء. وهى شجرة برية معمرة تعيش هذه الشجرة أكثر من 150سنه ومن اهم مزاياها احتياجها القليل للمياه وقدرتها الكبيرة على تحمل العطش وعدم الرى لفترة يمكن أن تصل إلى أكثر من سنة ،و تتحملها الملوحة لدرجة 3000 جزء فى المليون دون التأثير على الإنتاج و10000 جزء فى المليون كحد أقصى ،و قلة حاجتها للرعاية من ناحية التسميد والتقليم والخدمة وقلة إصابتها بالأمراض وعدم حاجتها للرش الوقائى أو العلاجى.