الأنغماس الشديد والأحساس العميق بالأحداث التاريخية للحضارة النوبية القديمة للسودان هما ما سهلا على فنانة تشكيلية، تجسيدها نحتا لأحداثٍ ومناسباتٍ مختلفة لملوكها وملكاتها وإبرازها في معرضها بالبجراوية الذي نال إستحسان ورضا جمهوره. وقد جسدت التشكيلية هناء إسماعيل، أحداث معينة صنعها هؤلاء الملوك والملكات وهم أحياء، على عشرين لوحة شملت معرضها الذي أقامته على السفوح الرملية لتلال البجراوية، على بعد أمتار قليلة من أهراماتهم ومدافنهم حيث يرقدون وهم أموات. ضمن احتفالات ولاية نهر النيل باليوم العالمي لسياحة. وتقول وهي تبتسم فرحة بعملها ونجاحه "كنت أحلم بهولاء العظماء ليلاً واختلط معهم واشاهدهم وهم يصنعون هذه الأحداث وحتى إنني كنت أسمع موسيقاهم نهاراً" بسب إنغماسها الشديد ومعايشتها لتأريخ هؤلاء العظماء. وأنها كانت تحس كأنها قد انتقلت لزمانهم. وتوضح قائلة : قرأت كثيرا عنهم وكنت اذهب لمختلف المكتبات للبحث والتعرف على تأريخهم وإذا ما وجدت معلومة كنت أتأكد منها من عدة مصادر، واسأل عنها للمزيد من التدقيق والتحقق حتى لا أقدم معلومات تاريخية غير صادقة.وبحسب ما تقول استغرق هذا العمل منها سنة كاملة كانت خلالها مهمومة به. وقد نحتت هذه الأحداث على لوحات من الجبص في أُطر من خشب. مستخدمة الوان التنك وأسلوب تعتيق اللون حتى توحي بالقدم وعراقة الزمان. واختارت الألوان الترابية حتى تنسجم مع المشاهد التي رسمها ونحتها هؤلاء الملوك في حياتهم على لوحات من الصخور والحجارة الرملية . وتقول كنت أحس بالعظمة وأنا أنحت هذه الأحداث . وتوضح أنها لم تختر تأريخاً معينا ، بل وقفت عند أحداث ومناسبات استرعت إنتباها وإعجابها على مر التاريخ والحضارة النوبية القديمة من لدن كوش ونبتا ومروي.وتذكر أنها هدفت من عملها هذا إلى تنبيه وتعريف العالم بهذه الحضارات الموغلة في القدم، وأحداثها وملوكها وملكاتها العظام، وجعل الجميع يتشاركونها سواء في السودان أو خارجه. المعرض مخصص للملوك والملكات فقط والأحداث التي أنجذوها وخلدوها على لوحاتهم ، إذ انها معجبة بالملكات (الكنداكات)، وهن الملكات النوبيات العظيمات المحاربات وسُمين بهذا اللقب لادوارهن العظام ولانهن كن ملكات وأمهات. وتبين أن ثلاث من لوحات معرضها مستوحاة من التاريخ المصري حيث أرادت من ذلك أن تؤكد التداخل الحضاري بين السودان ومصر. وفي أحدى لوحاتها (لوحة التتويج) تظهر الملكة الكنداكة أماني شاخيتي وزوجها نتاكماني يتوجهما الآله آمون، وهي اللوحة المنحوته عند مدخل الهرم الخاص بهذه الملكة. و لوحة النصر للملكة شاخيتي وهي تحمل السيف بيد وتسوق أسراها باليد الأخرى لتنفيذ حكم الأعدام فيهم ويرافقها أسد وهو الآله أبادماك آله الحرب، دليل على العظمة والقوة وتظهر في اسف اللوحة الممالك والأقاليم التي تدين لها بالولاء والطاعة. ولوحة أخرى للملكة أماني ريناس وهي الكنداكة القوية التي كانت تخرج للحرب بنفسها. وتظهر وهي تتزيين حيث تقوم وصيفتها بتمشيط شعرها وهي العادة التي ما يزال السودانيات يمارسنها حتى اليوم. ثم لوحة للملكة الألهة ماعت آلهة العدالة، وهي تفرد جناحيها للحب والحنان والرقة. ولوحة للملكة أماني تيري وهي تحكي انتصارها على الأعداء. ولوحة للملكة إيزيس في شكل الألهة ماعت آلة العدالة، وهي تفرد جناحيه على جسد زوجها كأنها تحميه بعد أن حزنت عليه وبحثت عن جسده كثيراً حتى وجدته، بعد أن قتله أخوه وبعثر جثته أشلاء، كما تقول الحكاية . وهناك لوحة التتويج للملك تهراقا مادا يديه يقدم للآله آمون أنائيين من الفخار ضمن مراسم تتويجه وحوله زوجته واصحابه وهم يدينون له بالولاء والطاعة. ولوحة للملك شبتاكا يحمل مفتاح الحياة. ثم مجموعة لوحات لبعض الملوك الذين كانو يعبدون كآلهة، ومنهم الآله أبادماك في شكل الأسد والآله حورس في شكل الصقر والآله آمون في شكل الخروف والآله راع آله الشمس ويقدم بيديه الحياة الماء والشجر. ولوحة التحنيط وهي تظهر لآله خوفو في شكل ورأس ثعلب في واحدة من مراسم التحنيط للموتي وهو فتح الفم حيث يستعمل آدوات معدنية ثمينة لهذه العملية. وعن تجربتها في الرسم تقول إن أهتمامها بالرسم عامة وميولها لفن النحت، هو ما قادها إلى كلية التربية فنون بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، حيث تخرجت منها العام 2007. ومنذ ذلك التاريخ شاركت في العديد من المعارض الفنية محليا، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تقيم معرضاً منفردة. وتعمل هناء حاليا موظفة في وزارة الثقافة والسياحة بولاية نهر النيل. وهي الجهة التي دعمتها وساندتها في معرضها هذا. كما أن زميلها المخرج حمدي حسن هو الذي ساعده منذ البداية وأخرج لها المعرض وقام بعمل وتجهيز معرض الصوت والصورة المصاحب للوحاتها. كما ساعدها عدد من الفنانين الهواة منهم الفنان صلاح السر.